الرياض الحكومية تضيق بالأطفال
" أنا متضايقه على ابني يوسف لأنه حاليا قاعد بالبيت بيستنى السنة الجاي " قالتها أم يوسف بغصة وهي تنظر إلى ابنها الذي أكمل عامه الخامس من دون أن يتمكن من الالتحاق بأحد دور رياض الأطفال الحكومية القريبة من بيتها الواقع في عين الباشا.
لم تنجح الأسرة في تأمين رسوم روضة خاصة. وبات يوسف يقضي جل وقته في المنزل في انتظار بدء العام الدراسي القادم ليلتحق بالصف الأول.
تقول أم يوسف وهي تلاعب طفلها الذي جلس إلى جوارها: "الرواتب معدومة، راتب زوجي ما بكفي أيجار بيت ولا كهرباء ولا ماء ولا أكل وشرب ولا حليب وفوط لابني الصغير، كمان أسجله بروضة خاصة لابني يوسف".
لم يكن يوسف الوحيد الذي لم يتمكن من الالتحاق بالتعليم المدرسي المبكر ضمن صفوف رياض الأطفال التابعة لوزارة التربية والتعليم.
أغلبية محرومة
تكشف هذه القصة المدفوعة بالبيانات عن حرمان آلاف الأطفال من الالتحاق بالروضات الحكومية في مناطق من محافظة البلقاء، في ظل عدم مراعاة الفروق بين المناطق المتعلقة بعدد الأطفال في سن الروضة.
ُيشير تحليل بيانات دائرة الإحصاءات العامة ووزارة التربية والتعليم إلى أن 12 في المائة فقط من الأطفال في فئة (4-5 سنوات) التحقوا برياض الأطفال الحكومية في الأردن في عام 2021، في الوقت الذي تتجه فيه الحكومـة الأردنيـة نحـو اعتبـار المرحلـة الثانيـة مـن ريـاض الأطفـال مرحلـة إلزامية. تتحمل وزارة التربيـة والتعليـم مسـؤولية المرحلـة الثانيـة مـن ريـاض الأطفـال في الأردن.
يقطن أكثر من 28 ألف طفل في سن الروضة (4-5 سنوات) داخل محافظة البلقاء، الواقعة غرب العاصمة عمّان، وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة.
ومع ذلك لا يتجاوز عدد الغرف الصفية لرياض الأطفال التابعة لوزارة التربية والتعليم 206 شعبة موزعة على ألوية المحافظة.
يلتحق فقط خُمس الأطفال في سن الروضة بالمحافظة بخدمات التعليم المبكر (رياض الأطفال- المرحلة الثانية)، في حين يبقى الغالبية غير مستفيدين من تلك الخدمات.
لم تكتمل سعادة الطفل محمد بعد أن التحق بروضة حكومية تابعة لمنطقة سكنه في قصبة البلقاء، عقب محاولات عدة بذلتها والدته مع إدارة المدرسة للحصول على مقعد لولدها.
كان الاكتظاظ الكبير في الشعب الدراسية سببًا رئيسيًا لتخلي والدة محمد عن حلمها في أن يدرس طفلها في روضة دون أن تضطر الأسرة إلى دفع تكاليف عالية. تقول والدة الطفل: " بس سجلته وداوم كان العدد بالصف 50 طالبا"
موضحةً أن المدْرَسة قامت بتوزيع الطلبة على فترتين وتقليص مدة الدوام لتصل إلى ساعتين فقط.
لم تشعر والدة محمد بالرضى تجاه الأمر، تقول والدته "ما حسيت ابني اخذ كفاية، لقيت في فرق بين ابني الي داوم بمدرسة خاصة قبل سنة وابني هاد بمدرسة حكومية" لتقوم لاحقًا بنقله إلى روضة خاصة.
تقول مشرفة رياض الأطفال في وزارة التربية والتعليم عبير الشبول ان الوزارة طرحت برنامجًا لرفع الاستعداد للتعلم للأطفال الأقل حظًا الذين لم يحظوا بفرصة للالتحاق برياض الأطفال، بسبب محدودية المقاعد في المدارس الحكومية أو عدم قدرة الأهل على دفع رسوم رياض الأطفال في القطاع الخاص.
بدأ تنفيذ برنامج رفع الاستعداد للتعلم في العام الدراسي 2011/2012، وهو يستهدف الأطفال الذين لم يلتحقوا بالرياض الحكومية أو الخاصة لإكسابهم المهارات اللازمة للاستعداد للصف الأول الأساسي، وتوفير أنشطة تعزز دور الأهل في تنمية وتعليم أطفالهم خاصة في المجتمعات الأقل حظاً.
يُنفذ البرنامج عبر تدريب يستمر مدة شهرين لكن قد يجري التدريب ضمن مدد زمنية أقصر، حسب الشبول، في حين يستمر تعليم الطفل في رياض الأطفال مدة فصلين دراسين.
توضح الشبول أن البرنامج يتضمن محورًا خاصًا بذوي الطفل، وتتولى مشرفة رياض الاطفال تدريب الأهل على محاورة الطفل وتبادل المشاعر بواسطة أنشطة انفعالية، وحمايته من المخاطر داخل البيت وخارجه، بالإضافة إلى تدريب الأهل على استراتيجيات تدريس بسيطة.
يظهر تحليل بيانات وزارة التربية والتعليم ودائرة الإحصاءات العامة أن لواء عين الباشا ولواء قصبة السلط هي المناطق الأكثر تأثرًا من توزيع شعب رياض الأطفال بما لا يتفق مع عدد السكان في سن الروضة.
تُصنف عين الباشا من مناطق جيوب الفقر في الأردن، وهي التي تتجاوز فيها نسبة الفقر 25 في المائة.
تعتبر وزارة التربية أن محدودية المساحات المتوفرة لبناء غرف رياض الأطفال في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ومحدودية الموارد المالية تشكلان تحديات رئيسية في توفير البنية التحتية لخدمات التعليم المبكر وتنمية الطفولة المبكرة لجميع الأطفال في الأردن، وفق الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم الأردنية للأعوام 2018-2021.
ومع ذلك لا تبدو معايير الوزارة التي تحدد إنشاء شعب رياض الأطفال في مدارس البلقاء الحكومية واضحة، إذ لم تراع عدد السكان وحجم الفئة المستهدفة؛ أي من هم في سن رياض الأطفال.
تُشير تعليمات رياض الأطفال الحكومية رقم (2) لسنة 2015 في المادة 9 البند ب إلى ثلاثة عوامل يستند إليها في إنشاء شعب دراسية لرياض الأطفال في مدرسة ما؛ وهي الكثافة السكانية وعدد طلاب الصف الأول الأساسي في المدرسة، بالإضافة إلى" حاجة المنطقة".
https://lh5.googleusercontent.com/RpbQTI1tRP0MPkeI9hurw0i4JtftsldiKaBrz…">
يرى المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان صدام أبو عزام أنه عند إنشاء شعب رياض الأطفال لا بد من مراعاة المعايير الثلاثة التي أوردها النص القانوني.
موضحًا أن عامل "حاجة المنطقة" يتحدد بعدة معايير منها البعد التنموي ومنها عدد المدارس الحكومية، ووجود حضانات خاصة في المنطقة من عدمه، والحالة الاقتصادية للمنطقة.
وأشار أبو عزام، وهو الرئيس التنفيذي لمؤسسة محامون بلا حدود، إلى أنه لا يجوز تخصيص 10 شعب رياض أطفال في منطقة تبلغ كثافتها السكانية 100 ألف نسمة، مقابل 5 شعب في منطقة بكثافة سكانية تصل إلى 150 ألف نسمة.
https://lh5.googleusercontent.com/6wndQVXZmJU3M4Qm-V9vRXSJfmkhQxfiBtgzq…">
عواقب مستقبلية
توضح المختصة في مجال الطفولة والنمو د. أسيل الشوارب أن الالتحاق بمرحلة التعليم ما قبل المدرسة يحمل أهمية كبيرة، فهي سنوات حاسمة تشهد تطور لغة الطفل وقدراته الشخصية والاجتماعية.
مشيرةً إلى أن الطفل في هذه المرحلة يتطور انفعاليًا ويصبح قادرًا على التعامل مع الآخرين، كما ويتطور الجانب الأكاديمي لديه استعدادًا للمدرسة.
وتعتبر أبو الشوارب، وهي رئيس قسم العلوم التربوية في جامعة البترا، أن المهارات الاجتماعية التي يكتسبها الطفل في مرحلة مبكرة هي ذات أولوية، إذ يبدأ باكتساب مهارة المشاركة والتبادل، ومهارات التنظيم الذاتي حيث الانضباط بالقوانين الصفية وهي مهمة للانضباط الشخصي للطفل.
أبرزت دراسة أجراها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية في الأردن أثر مرحلة رياض الأطفال على التعلم عند الطفل في مراحل لاحقة.
شملت الدراسة نحو 6 آلاف طفل من طلبة الصف الأول الأساسي من مختلف مناطق البلاد.
كشفت النتائج عن أن الالتحاق بالروضة يعد من العوامل الأساسية التي تفسر التباين في مستوى استعداد الطفل للتعلم.
كما تبين أن التحاق الطفل بالروضة كان العامل الأكثر أهمية في مجال الصحة الجسمية ومجال التواصل والمعرفة العامة، وفقًا للدراسة المنشورة في عام 2018.
يلتحق ما لا يقل عن 40 في المائة من الأطفال في الأردن بالصف الأول الأساسي دون إعداد رسمي، بسبب حرمانهم من الدراسة في مرحلة رياض الأطفال، وفق دراسة أعدها البنك الدولي في عام 2016.
وتشير الدراسة إلى "أن الطلاب ذوي الخلفية الاجتماعية الاقتصادية المتدنية لا يتمتعون بذات المستوى من الجاهزية للالتحاق بالمدرسة كأقرانهم الذين ينتمون إلى خلفية اجتماعية اقتصادية أعلى".