الروابـدة: حمايـة الوحدة الوطنيـة مسؤولية الجميـع
اعتبر رئيس الوزراء الأسبق النائب الاول لرئيس مجلس الاعيان عبد الرؤوف الروابدة أن مفهوم المواطنة حالة سلبية، ذلك ان مفهوم الوطنية اعمق واوسع، لأن الانتماء للوطن هو عنصر المواطنة الاساسي وبدون الانتماء للوطن لا يستقيم مفهوم المواطنة التي تعتمد على ثلاثة اركان اساسية هي: الانتماء للوطن، والمساواة، والمشاركة.
وخلال محاضرة حول «الوحدة الوطنية» ألقاها في نادي خريجي الجامعة العربية المفتوحة بحضور رئيسها د. محمد أبو قديس، وعدد كبير من اساتذة الجامعة والخبراء وممثلي وسائل الاعلام، حذر الروابدة من المساس بالوحدة الوطنية في الاردن واصفا اياها بأنها «السهل الممتنع» الذي ما ان يتم التعدي عليه حتى تتجه ردود افعالنا في الاردن نحو الرفض الحاسم.
وقال الروابدة خلال المحاضرة التي ادارها د. مهند مبيضين رئيس دائرة الاعلام في الجامعة الاردنية ان الوحدة الوطنية تعني تآلف جميع الفئات والجماعات والهيئات في الوطن والتفافها حول رايته والاهتمام بمصالحه العامة والدفاع عن أمنه واستقراره، والعمل يدا بيد لنموه.
وشدد الروابدة على أن الوحدة الوطنية هي أحد المقومات الاساسية التي تمنح الوطن القوة والمنعة وتحول دون التفتت والاختراق الخارجي، مؤكدا أن المجتمعات التي شهدت الصراعات الداخلية انتهت الى الضعف والتمزق وانتهى العديد منها الى الذوبان الذاتي او الانشطار.
وبين أن الدولة الاردنية الحديثة نشأت العام 1921 قاعدة لتحرير بلاد الشام بقيادة الملك عبد الله الاول بن الحسين وقيادات الثورة العربية الكبرى، والدولة الفيصلية في سوريا الكبرى، وبنيت على اكتاف الشعب الاردني بجميع فئاته فكانت بالتالي نموذجا للدولة العربية التي فتحت صدرها لكل شقيق أفاء اليها من المناضلين ومن طلاب الحرية الفارين بأرواحهم من الظلم والجور او طالبي العمل او المهاجرين لأي سبب، فصهر الجميع في بوتقة الوحدة الوطنية، وصاروا اسرة واحدة متلاحمة، شركاء في العمل والبناء.
وقال الروابدة ان جميع المواطنين مهما كانت أفكارهم وآراؤهم ومواقفهم شركاء في الوطن على الشيوع، فهي شراكة لا تقبل القسمة، وحماية تلك الشراكة والحفاظ على توافق عناصرها مسؤولية الجميع، لا يسمحون لأحد بخرق السفينة، فالخطر العام لا يفرق بين المواطنين، والفتنة لا تصيب الظالمين وحدهم.
وأوضح الروابدة ان الوحدة الوطنية ترتكز على مفهوم المواطنة، وجوهرها المساواة بين جميع المواطنين في التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتضح من ذلك ان هناك ارتباطا وثيقا بين مفهوم المواطنة والديمقراطية.
ولفت الى ان مفهوم المواطنة يتضمن حقوق المواطنين ويقابلها واجبات على الدولة تجاههم، ومنها العدالة والمساواة والحريات، وتوفير التعليم والصحة ومجالات العمل وتكافؤ الفرص وضمان الحياة الكريمة لكل مواطن، ويترتب على المواطن في مواجهة تلك الحقوق واجبات تجاه الدولة، وبالتالي فإن هذه الحقوق والواجبات أمران متلازمان لا يمكن فصلهما او الدعوة لأحدهما دون الآخر، وان التزام المواطن بتلك الواجبات هو التعبير الحقيقي عن الوطنية.
وأكد الروابدة أن المواطنة انتساب للارض ويكتسبها المواطن بمجرد انتسابه للدولة، وحمل جنسيتها اما بالولادة او بالتجنس، ولكن المواطن لا يكتسب صفة الوطنية الا بالعمل الجاد لصالح الدولة، فالوطنية هي الجانب الحقيقي للمواطنة، مشيرا الى انه على من يحمل صفة المواطنة ويتمتع بحقوقها ان يعبر عن وطنيته بجميع الوسائل والسبل في جميع الاوقات وألا يربط ذلك بحسابات المغانم والالتزامات.
ورأى الروابدة أن الانتماء الوطني او الوطنية يتجسد بالعديد من المعايير التي تمثل أهم عناصر الوحدة الوطنية، ويأتي في مقدمتها: وحدة الهوية الوطنية، والتمسك بالدستورية، والحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، والاعتزاز بالوطن، والمشاركة، وأداء الواجب، والحوار الجدي.
وشدد على أن الدولة الاردنية كانت على الدوام قومية التوجه في السياسة والادارة وتجاوزت في غالب الاحيان مصالحها الذاتية وخصوصيتها الوطنية التزاما بمصالح الامة وخدمة لمستقبلها، في حين كان الكثيرون سينظرون بخصوصياتهم ويهاجمون القطرية.
وذكر الروابدة أن الوحدة الوطنية تعرضت في أوقات مضت لبعض محاولات الاختراق من الاعداء والاصدقاء والاشقاء معا، ولكنها صمدت للتحديات فلم تتفاعل مع تلك المحاولات الا قلة قليلة وان صوتها عال، غير انه بدأت تبرز على الساحة الوطنية منذ فترة قصيرة دعوات تعمل على تقسيم الوطن الى فئات وجماعات وجهات تدعي الدفاع عن حقوق والشكوى من مظالم وتحاول فرز الوطن الى خصوصيات متمايزة ومصالح متنافرة.
ولفت الى ان هذه الدعوات كانت خفية يتم تداولها في جلسات مغلقة او مقالات وأخبار تنشر خارج الوطن، ولكنها تطورت لتتبدى على شكل دراسات موجهة او ندوات مبرمجة تدغدغ العواطف ويستثمرها البعض سبيلا للبروز على الساحة او طريقا للمغانم او وسيلة للاستقواء على السلطة والمجتمع معا، ويغلب على هذه الدراسات تمويل من الجهات التي تحاول الهيمنة على العالم.
واعتبر الروابدة ان بعض هذه الدعوات قد تكون سليمة النية وقد تنطلق من اتخاذ اجراءات معينة محدودة لا تمثل سياسة عامة ولكن النتيجة التي أدت اليها تخالف الهدف المرجو منها، فأبرزت وجوها نصبت نفسها دعاة وممثلين لخصوصيات متباينة تتخيل صراعات موهومة، قد تفضي ان لم تلجم الى تشظي الوطن لا سمح الله فيبدو اضعف في مواجهة مخططات الصهيونية التي تستهدف كل ارض عربية وجوار فلسطين هو اولوياتها الاولى.
واكد الروابدة ان القيادات الوطنية بجميع فئاتها وتوجهاتها وافكارها مدعوة من منطلق مسؤوليتها الوطنية والقومية والانسانية الى التصدي لحماية الوحدة الوطنية من خصومها او من المدافعين عنها بأساليب تفتئت عليها، وان على الشباب مسؤولية اكبر في هذا المجال فالمستقبل لهم والوطن يبنى ويتطور لخدمتهم، واي ضعف في لحمته الاجتماعية اكبر تأثير له عليهم، فعليهم ان يتصدوا لرص الصفوف، وان يحاكموا كل الدعوات لتجذير الوحدة الوطنية او التي تؤدي الى إضعافها بمنتهى الوعي.
وشدد الروابدة على أن الاردن يعتبر نموذجا في الوحدة الوطنية، لافتا الى أن الدولة الاردنية عندما تأسست منذ العام 1921 وحتى 1951 وكل رؤساء الوزارات بها غير اردنيين، واكثر من نصف الوزراء ليسوا اردنيين، فليس هناك اعمق من هذه الوحدة.
وقال «يجب حماية وحدتنا الوطنية وأن نبتعد عن مسميات جاءت لنا من الخارج كموضوع الحقوق المنقوصة البعيدة عن واقعنا، لا سيما ان الوحدة الوطنية ممارسة لا تعلم لأحد ولا تفرض بقانون او تشريع».
وأكد الروابدة أن الاردنيين في نشأتهم عروبيون «ونعطي كل ما نملك لأي شخص يطلب مساعدته، لكننا لا نحب من لا يعترف بفضلنا عليه».
وقال: نحن نؤمن بأن العشيرة مؤسسة امنية واجتماعية واقتصادية مهمة، لكننا لسنا مجتمعا عشائريا تحكمه العشيرة والقبيلة، ولا يوجد لدينا عشائر تضم ملايين الافراد، مؤكدا احترامه للعشيرة ومبدأ الحياة العشائرية، فالعشيرة والقبيلة وردتا في القرآن الكريم «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، لكننا لسنا مجتمعا عشائريا.
وردا على سؤال حول تصريحات جبهة العمل الاسلامي الاخيرة حول موضوع المواطنة قال الروابدة «وفق ما فهمته من هذه التصريحات التي جاءت على لسان «حمزة منصور» الذي نحترم ونقدر، فلم يكن يقصد موضوع المواطنة، بل موضوع سحب الارقام الوطنية، وهذه مسألة جدلية، لكن علينا الان إغلاق هذا الدفتر للحديث حول موضوعات مهمة كثيرة تفرضها المرحلة التي تعيش «تسونامي» وعلى الجميع التنبه لخطورة التغييرات التي ستفرض على الجميع وإن اختلفت درجات تأثيره من دولة لاخرى».
وبين الروابدة أن موضوع الرقم الوطني مهم وحدث به بعض الاجراءات الفردية ولكن الاعداد التي سحبت منها الارقام الوطنية قليلة جدا مقارنة بمن يتمتعون به، «ونحن نؤكد أنها مسألة غير صحيحة لكنها ليست بالحجم الذي يتحدث عنه البعض».