الذهبي ... جردة حساب
نجحت الحكومة بامتصاص الصدمة الاقتصادية لكنها امام مواجهة مفتوحة مع التحديات المستقبلية...
قدم رئيس الوزراء نادر الذهبي جردة حساب لانجازات حكومته في الاشهر الثمانية الماضية. الذهبي الذي عرض بيانه امام النواب الاربعاء الماضي ركز بشكل اساسي على القضايا الاقتصادية ولم يتطرق للمواضيع التي تتصل بالحياة السياسية الداخلية او سياسة الحكومة الخارجية.
بنفس الاسلوب العملي الذي انتهجه رئيس الوزراء منذ توليه مسؤولياته جاء بيان الحكومة الاخير ليعرض بشكل تفصيلي ما تحقق من وعود في بيان الثقة وما تنوي الحكومة تنفيذه من خطط في المستقبل خاصة في مجال الطاقة والمياه والزراعة.
الاشهر الثمانية التي تناولها البيان هي الفترة التي تولى فيها الذهبي مسؤولياته وهي بلا شك الاصعب في حياة الاردنيين خلال السنوات العشر الماضية فقد شهدت ارتفاعاً غير مسبوق على اسعار الغذاء والطاقة ما دفع بالحكومة الى التدخل من جديد في العملية الاقتصادية وآليات السوق لضبط الاسعار وحماية الفئات الفقيرة واعادة الاعتبار لسياسة الدعم التي تخلت عنها الحكومات السابقة وعند مراجعة بيان الذهبي يظهر بشكل واضح من الحكومة تمكنت- ورغم الظروف الصعبة- من تحقيق انجازات ملموسة في بعض القطاعات كما ساهمت سياسة التدخل في السوق في تجنيب الفئات الشعبية بعضا من ويلات ارتفاع الاسعار بيد ان جهود الحكومة هذه على اهميتها تظل محدودة الاثار نظرا لعمق الازمة الاقتصادية واستمرارها كما ان الخطط الاستراتيجية في المجال الاقتصادي تحتاج الى مزيد من الوقت لجني ثمارها ومكاسبها وتعتمد الى حد كبير على المتغيرات الجارية في الاسواق العالمية.
لهذه الاعتبارات فان المواطن الذي يعيش تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة لا يشارك الحكومة الشعور بتحسين الاوضاع. فهو لا يرى غير مؤشر الاسعار يتحرك صعوداً في كل الاتجاهات فيما الرواتب والاجور تتآكل بفعل هذا الارتفاع المستمر في اسعار السلع والخدمات ونظراً لفقدان الثقة المتنامي بين الحكومات المتعاقبة والرأي العام يشكل الكثيرون هذه الايام بتوجه الحكومة لتخفيض اسعار المشتقات النفطية الشهر المقبل رغم تراجع الاسعار عالميا.
الناس محقون في شكوكهم هذه لانهم على مرّ السنوات لم يتعودوا من الحكومات المتعاقبة الا على قرارات الرفع. ولن يبدلوا قناعاتهم الا بعد صدور التسعيرة الجديدة كما وعد رئيس الوزراء.
حكومة الذهبي نجحت في امتصاص الصدمة الاقتصادية والتكيف مع تداعياتها القاسية على المستويين المالي والاقتصادي واحتواء حالة التذمر الشعبي التي سجلت ارقاماً قياسية في الاشهر الماضية. لكن الازمة الاقتصادية مستمرة وستظهر تداعيات اضافية لها في المرحلة المقبلة كما ان استمرار تراجع اسعار النفط ليس امراً مؤكداً.
الحكومة الان بصدد اعداد موازنة العام الجديد وهي مرحلة مناسبة لمراجعة السياسات وتوجيه الموارد لتحسين مستوى معيشة الناس وانجاز المشاريع الحيوية اللازمة في مجالات الطاقة والمياه والزراعة لمواجهة التحديات المقبلة والتقلبات غير المحسوبة في العالم.
دستوريا لم يكن رئيس الوزراء ملزماً بتقديم بيان حول اعمال حكومته للبرلمان وهو في فترة اجازة. وعلى المستوى السياسي تتمتع حكومته بدعم اغلبية نيابية بصرف النظر عن الاداء, ورغم ذلك لم يقبل الذهبي بالاستسلام لهذه القاعدة فنزل الى البرلمان ليسمع النقد والمحاسبة وليس طلباً للمديح كما قال وفي ذلك تعبير عن الثقة بالنفس.
*العرب اليوم