الحكومة تشهر سيف “أمن الدولة” في وجه ناشطي الحراكات

الحكومة تشهر سيف “أمن الدولة” في وجه ناشطي الحراكات

يواجه عدد متزايد من نشطاء الحراكات الشعبية المعتقلين في الاردن احتمال مثولهم امام محكمة امن الدولة التي يثير حقوقيون وقانونيون شكوكا حول دستوريتها، ويؤكدون عدم توافرها على ضمانات المحاكمة العادلة.

وشهدت وتيرة الاعتقالات في صفوف ناشطي الحراكات التي تطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد، تصاعدا في الاشهر الاخيرة، في ما اعتبره الناشطون مسعى من السلطات الى وضع حد لاحتجاجاتهم المستمرة منذ نحو عامين.

ووصل عدد معتقلي الحراكات حتى كتابة هذا التقرير الى 19 احيلوا جميعا الى محكمة امن الدولة، وهي محكمة خاصة ذات طابع عسكري.

وجاءت الاحالات رغم التعديلات الدستورية الاخيرة التي شددت على منع محاكمة المدنيين امام محاكم عسكرية، كما قلصت الاستثناءات من هذا المنع في عدد محدود من الجرائم التي جعلتها من اختصاص محكمة امن الدولة.

والجرائم التي تم استثناؤها وفق التعديلات التي اقرت في ايلول من العام الماضي هي “الخيانة العظمى والتجسس والارهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة”.

وقد وجه مدعي عام المحكمة الى المعتقلين تهما تنوعت بين العمل على تقويض نظام الحكم والعمل على تغيير الدستور والتجمهر غير المشروع وإطالة اللسان، وبحيث جرى تكييف التهم باعتبارها تندرج ضمن “جرائم الارهاب”.

وكان من شأن هذه التهم وطريقة تكييفها اثارة انتقادات من قبل خبراء وفقهاء قانونيين ودستوريين.

حيث وصف الفقيه الدستوري محمد الحموري هذه التهم التي تصل عقوبة بعضها الى الاعدام، بانها “لا يقبلها العقل ولا المنطق” معتبرا ان “الهتاف والصوت أمر لا يقوض أركان الدولة كما الحال بالنسبة للتهم التي وجهت لأغلب” المعتقلين.

وقال الحموري ان “توجيه تهم تتعلق بالإرهاب لمعتقلي الحراك.. هو تحايل على تعديلات الدستور.. وهو أمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عنه”.

ضمانات غائبة

وينبع رفض خبراء القانون والدستور وكذلك المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لمحكمة امن الدولة من منطلق انها تخل بضمانات المحاكمة العادلة التي تعد حقا انسانيا كفلته المواثيق الدولية التي وقعها الاردن.

وكانت هذه المحكمة انشئت بقانون خاص بعد سنتين من إعلان الأحكام العرفية في المملكة عام 1957، والتي ألغيت في عام 1991.

وفي الاردن ثلاثة انواع من المحاكم هي النظامية والدينية والخاصة، وتندرج محكمة امن الدولة ضمن الاخيرة، ويمنح قانونها رئيس الوزراء الحق في تشكيلها.

وتتألف هذه المحكمة “من ثلاثة من القضاة المدنيين و/أو القضاة العسكريين يعينهم رئيس الوزراء بناء على تنسيب وزيرالعدل بالنسبة للمدنيين, رئيس هيئة الاركان المشتركة بالنسبة للعسكريين” كما يرد في نص القانون.

وكما تؤكد رئيسة لجنة الحريات في نقابة المحامين نور الإمام، فان الطابع العسكري للمحكمة يخل بمبدأ اساسي من مبادئ المحاكمات العادلة والذي ينص على “أن يمثل الشخص أمام قاضيه الطبيعي”.

واضافت المحامية الامام ان المحكمة تخل بمبدأ اخر يتعلق بالاستقلالية، موضحة ان “تعيين قضاتها من قبل السلطة التنفيذية..هو إخلال أساسي باستقلال القضاء، لان كلا من السلطتين التنفيذية والقضائية سلطتان مستقلتان”.

ودعت الإمام السلطة التنفيذية الى وقف “سياسة تحويل مدنيين مثل ناشطي الحراك إلى محكمة امن الدولة باعتبار ذلك مخالفا مخالفة جوهرية للمادة 101 من الدستور المعدل التي تتحدث عن عدم جواز مثول المدنيين إلا أمام قضاة مدنيين”.

واعتبرت ان تكييف التهم الموجهة الى ناشطي الحراك بهدف احالتهم الى محكمة امن الدولة يشكل “التفافا” على الدستور.

ومن جهتها، تؤكد محامية ناشطي الحراك الشبابي الأردني من المعتقلين لين خيّاط ان الخرق الحقيقي في تأمين ضمانات المحاكمة العادلة للناشطين المعتقلين يكمن في تجاوز التعديل الدستوري الذي يمنع مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

وتقول خياط “”هم ليسوا مجرمين حتى يحاكموا وفق قانون العقوبات” مشددة على أن معتقلي الحراك “هم معتقلو رأي يمارسون حرية التعبير المكفولة في الدستور، وبالتالي فان التعامل معهم وفق التشريعات الناظمة وعدم تخصيص تشريعات خاصة لهم يؤدي بشكل أو بآخر إلى حرمانهم من ضمانات المحاكمة العادلة”.

وتنسجم الاعتراضات التي تسوقها الامام وخياط على المحكمة مع ما ذهبت اليه العديد من المنظمات الحقوقية، والتي ربما من ابرزها المركز الوطني لحقوق الانسان الذي تموله الحكومة، والذي طالب بالغاء هذه المحكمة.

وقال المركز في تقرير في آب الماضي انه “بالرغم من ان التعديات الدستورية نصت على منع حاكمة المدنيين امام محاكم خاصة الا انه لا يزال يتم محاكمة المدنيين امام محكمة امن الدولة التي يغلب على قضائها الطابع العسكري”.

واعتبر التقرير ان ذلك “يخل بمبدأ استقلال القضاء وينتقص من ضمانات المحاكمة العادلة، وخصوصا وان استمرار العمل بقانون محكمة امن الدولة يشكل اعتداء على اختصاصات القضاء النظامي صاحب الولاية العامة’.

ويختزل الاعلان العالمي لحقوق الانسان عناصر المحاكمة العادلة بتاكيده ان “لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضية محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفا وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه”.

تصفية حسابات

ورغم المطالبات المتواصلة الا ان الحكومة تتمسك بمحكمة امن الدولة وتسوق مبررات من ضمنها ان هذه المحكمة تكفل سرعة البت في القضايا التي قد لا تحتمل الاطالات التي تتخلل اجراءات المحاكمة لدى القضاء النظامي.

الا ان الناشط في الحراك الشبابي إبراهيم جمزاوي الذي اعتقل مع عدد من زملائه خلال ما يعرف بأحداث الرابع في آذار الماضي وافرج عنه لاحقا، يؤكد ان الحكومة تسخر هذه المحكمة في مواجهة احتجاجاتهم بهدف انهائها.

وكان مدعي عام محكمة امن الدولة قد وجه الى جمزاوي في حينها تهمة العمل على تقويض النظام.

ويصف جمزاوي عملية اعتقاله وزملاءه ومن ثم الافراج عنهم دون كفالة بانها تمت بطريقة “غير معقولة”، مؤكدا ان هذه الاعتقالات “لا تستند لأي قانون مدني على الإطلاق”، والهدف منها هو “تصفية حسابات سياسية” مع المعارضة.

ويعتبر جمزاوي ان “احالة معتقلي الرأي إلى محكمة امن الدولة دليل على استمرار الحالة العرفية في الأردن ومؤشر على أن التعديلات الدستورية التي منعت تحويل مدنيين لمحكمة امن الدولة هي تعديلات شكلية”.

ويتابع قائلا “هناك معتقلون من اجل الكلمة في الأردن ونحن على مشارف 2013 وتبرير اعتقالهم نظرا لارتفاع السقف هو أمر واه جدا”، في اشارة الى الهتافات التي تخللت بعض الحراكات وطالت رموزا في الدولة.

واتهم جمزاوي رجال الامن بممارسة انتهاكات ضده وزملاءه خلال فترة الاعتقال والتوقيف لدى مديرية شرطة العاصمة ومن بعدها مقر قوات البادية.

وقال ان رجل امن في قوات البادية كان يسأله اثناء الاعتداء عليه “بتهرب حشيش؟” معتبرا ذلك مؤشرا على أن قوات البادية معتادة على أن من يحول إلى امن الدولة هو شخص قام بجرم يتعلق بالمخدرات والإرهاب وليس الرأي على حد تعبيره.

واضاف الجمزاوي أن “الانتهاكات التي تعرض لها معتقلو الرابع من قبل قوات البادية وفي مركز توقيف مديرية شرطة العاصمة شملت تعذيبا وضربا وإساءات تخدش الكرامة الإنسانية”.

من جهته، يؤكد الناشط رامي سحويل، وهو احد موقوفي الرابع الذين افرج عنهم أن “قضية اعتقال الناشطين السياسيين لا يمكن قراءتها إلا في سياق القضية الرئيسية التي تشكل تحديا كبيرا، ألا وهي قضية الحريات”.

وقال سحويل مستهجنا، ان اعتقاله كان بسبب تظاهره “للمطالبة بإلغاء محكمة امن الدولة وعدم تحويل ناشطي حراك الطفيلة الذين كانوا موقوفين وقتها إليها، وللمفارقة الكبيرة تم اعتقال من يطالب بذلك وتحويلهم إلى امن الدولة”.

واكد سحويل انه تعرض اثناء وجوده في مديرية شرطة العاصمة الى “ضرب ومحاولة انتزاع اعترافات بالإكراه”، وانه تعرض في مقر قوات البادية كذلك للضرب “في أماكن محددة بقصد تهشيم العظام” أسفرت عن إصابته في قدمه اليسرى.

وبرغم ان الانتهاكات كما يقول سحويل قد “وثقت في التقارير الطبية وبعض الفيديوهات الا ان الشارع الأردني لم يسمع عن محاسبة مسؤول واحد من مرتكبيها”.

وختم سحويل قائلا ان “التحدي الرئيسي الذي يواجه الساحة الأردنية هو الحرية، فمن العار على الدولة أن يكون حق التعبير عن الرأي جريمة وأن تحول معتقلي الرأي إلى محاكم عسكرية”.

حقوق وعراقيل

وبحسب القوانين المحلية والمواثيق الدولية، فان ضمانات المحاكمة العادلة لا تقتصر ضرورة مراعاتها على مرحلة المحاكمة، وانما ينسحب امرها على المراحل التي تسبق ذلك، وتبدأ من لحظة الإيقاف وتمتد خلالها وكذلك أثناء التحقيق.

ويُجمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذه الضمانات بالنسبة لاي متهم والتي تتلخص في:

-أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها،

- أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه،

-أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له،

-أن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكما، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر،

-أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام،

-أن يزود مجانا بترجمان إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة،

-ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب.

وكما تؤكد المحامية لين خيّاط، فقد واجهتها عقبات خلال محاولتها الاتصال مع موكليها خلال الفترات الاولى لاعتقالهم، حيث تؤكد انها منعت من مقابلتهم في مراكز التوقيف التابعة لمديرية الشرطة قبل إحالتهم إلى المحكمة.

كما لفتت خياط الى عراقيل واجهت المحامين خلال محاولتهم مقابلة موكليهم من معتقلي الحراك بعد القبض عليهم، ومنها تضارب المعلومات التي تقدم لهم حول اماكن احتجازهم.

وكانت نقابة المحامين ومديرية الامن العام قد وقعتا قبل ثلاثة اعوام اتفاقا يهدف الى تسهيل وتنظيم عملية مقابلة المحامين لموكليهم.

الا ان خياط اشارت الى انها وعددا من المحامين لمسوا في الاونة الاخيرة اجراءات من قبل الامن العام تتعارض مع مضمون هذه الاتفاقية.

وقالت ان الامن العام بات يشترط أن يحمل المحامي بعد زيارته الثانية وكالته، وذلك بخلاف الاتفاقية.

وعلى ما يؤكده خبراء القانون، فان بعض التشريعات الاردنية عموما ﺗﺿﯾق ﺣق المتهم ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻣﺣﺎم. ولا يقتصر هذا على محكمة امن الدولة فحسب.

فقانون الأصول الجزائية الأردني على سبيل المثال يحصر الحق في الاستعانة بمحام النيابة ولا يجيز ذلك أمام جهات الضبط العدلية، كما أ، هذا الحق مقيد يطلب المتهم ووجود المحامي دون الالتزام دون التزام من النيابة بتعيين محام عن المتهم.

وحضور المحامي أمام النيابة مقيد أيضا، فهو محظور بالنسبة لسماع الشهود كما أن الكلام أمام المحقق منوط بإذن الأخير، ومنع المحقق المحامي من الكلام لا أثر له غير إثبات الواقعة في المحضر، كما أن المدعي العام يملك منع المحامي من الاتصال بموكله.

ووفقا لخبراء القانون، فإن حق المتهم في الاستعانة بالمحامي في كل وقت وأمام أية جهة تحقيق أو محاكمة وأحد من أهم ضمانات المحاكمة العادلة.

* أعد التقرير بدعم من “مشروع تقارير معمقة” حول حقوق الإنسان، محرر المشروع بسام العنتري

للاطلاع على المزيد من تقارير وثائقيات حقوق الانسان

أضف تعليقك