التمركز السكاني في عمان بين التحديات الاقتصادية والخدماتية والحلول الممكنة

الرابط المختصر

تمثل نسبة السكان المرتفعة في العاصمة عمان تحديا كبيرا لما تشكله من ضغوطات على الجوانب الاقتصادية والخدماتية، الأمر الذي يشدد  فيه خبراء في التصميم الحضري واقتصاديون على أهمية وضع استراتيجيات فعالة لضمان توزيع سكاني أكثر توازنا مما يتيح للجميع الحصول على الخدمات الضرورية دون تفاوت.

مؤخرا أظهرت أرقام دائرة الإحصاءات العامة  أن العاصمة عمان قد تصدرت المدن الأردنية من حيث استقطابها للسكان، حيث بلغ عدد سكانها نهاية العام الماضي نحو 4.84 مليون نسمة، لتستحوذ بذلك على نسبة 42% من إجمالي سكان المملكة.

هذا الأمر يعتبره مستشار التصميم الحضري الدكتور مراد الكلالدة أنه على الرغم من الفوائد المتعددة لهذا التمركز السكاني، إلا أنه يجب أن يكون استقطاب السكان محددا بنسب معينة، إذ تعد نسبة  40% من السكان في عمان مرتفعة جدا وقد تكون الأعلى عالميا، مما يعكس وضعا غير صحي، حيث يعمل معظم سكان عمان في قطاع الخدمات، الذي يشكل حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويضيف الكلالدة أن السكان يفضلون العيش في المناطق التي تتوفر فيها الأنشطة الاقتصادية المختلفة مثل الزراعة، التعدين، السياحة، والخدمات اللوجستية، وهي أنشطة من شأنها أن تحفز السكان على العيش والعمل خارج العاصمة.

بحسب تقديرات دائرة الإحصاءات العامة فإن 63.8% من سكان الأردن هم دون 29 عاما، حيث يبلغ عددهم قرابة 7.113 مليون نسمة،

ومن ناحية التركيبة السكانية، وصلت نسبة الذكور في الأردن بنهاية العام الماضي، إلى 52.9% من مجموع سكان المملكة، بينما نسبة الذكور للإناث في الأردن بلغت 112.5 ذكرا لكل 100 أنثى وفقا لبيانات عام 2023. 

 

الاثار الاقتصادية 

 

من الناحية الاقتصادية، بالتأكيد يواجه الأردن العديد من التحديات نتيجة تمركز ما يقارب النصف من سكانه في العاصمة عمان، هذا التمركز يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على تكاليف المعيشة والنمو الاقتصادي في عمان مقارنة بباقي المحافظات، حيث تختلف تكاليف السكن والمعيشة بشكل ملحوظ بين العاصمة والمناطق الأخرى، مما يخلق تفاوتات اقتصادية واجتماعية.

يرى المحلل الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش أن انتقال السكان إلى عمان يشكل نوعا من الهجرة الداخلية، مدفوعا بأهداف اقتصادية بحثا عن فرص أفضل ، مشيرا  إلى أن هناك عدة أسباب تدفع السكان للعيش في العاصمة، منها الدوافع البيئية والاجتماعية، ولكن يبقى العامل الأبرز هو وجود مركز النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتحسين المستوى المعيشي والتعليمي للأبناء نظرا لتوفر مختلف الخدمات في العاصمة عمان.

تظهر الأرقام الرسمية أن 84 % من الودائع المصرفية ، و81 % من الودائع والتسهيلات المصرفية موجودة  في عمان مما يدلل على أن العاصمة تعد مركز الثقل الاقتصادي للسكان.

 ويعتبر عايش أن هذا الضغط السكاني على مختلف خدمات عمان يؤدي إلى ارتفاع التكلفة والأسعار ويزيد من الأعباء على الجميع، مما يتسبب في تراجع الإنفاق وحالة الركود في الأسواق، وانتقال الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وزيادة الاعتماد على المركبات الخاصة نظراً للضغط الكبير على وسائل النقل.

لا شك أن هناك ضغطا كبيرا على الموارد والخدمات في عمان، وصعوبة في تجديدها نظرا للكلف المترتبة على الدولة، مما ينعكس على المواطنين،  أن المشاركة الاقتصادية وقوة العمل في عمان منخفضة، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة نتيجة عدم توفر فرص عمل تتناسب مع أعداد الخريجين الكبيرة، بحسب عايش.

تشير تقديرات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن استقرار معدل البطالة في سوق العمل  عند 21.4% خلال الربع الأول من العام الحالي ، كما تظهر معدل البطالة للذكور بلغ 17.4% خلال الربع الأول من العام  بانخفاض مقداره 2.2 نقطة مئوية على أساس سنوي.

بينما بلغ معدل البطالة بين الإناث 34.7% خلال الربع الأول 2024، بارتفاع مقداره 4 نقاط مئوية مقارنة بالربع الأول 2023.

 

ليست عمان الجديدة الحل

 

خلال الأعوام الاخيرة ، بدأ الحديث عن مشروع المدينة الجديدة، وأعلنت الحكومة مؤخرا عن خطط انشاءها والخطوات الهندسية للسير بتنفيذها ضمن رؤية اقتصادية، ومخصصات مالية محددة، في وقت يرحب فيه العديد من الخبراء عن أهمية تنفيذ هذا المشروع، شريطة  تجنب تكرار التحديات التي تواجه العاصمة. 

بحسب الحكومة، يهدف هذا المشروع إلى إنشاء وتطوير مدينة مستدامة ذكية، تحوي جميع خدمات البنية التحتية، إضافة إلى توفير فرص استثمارية محلية وإقليمية وعالمية والحد من الضغط السكاني والأزمات المرورية، إلى جانب توليد فرص عمل. 

يقول الكلالدة أنه كان يتأمل من رؤية التحديث الاقتصادي معالجة موضوع التمركز السكاني، حيث لم تتطرق هذا  الموضوع بشكل كاف بل زادت منه من خلال الحديث عن إنشاء "مدينة عمان الجديدة"، مما قد يؤدي إلى تمركز إضافي للسكان في العاصمة ويجعل نسبة التمركز تصل إلى أكثر من 90% في منطقة واحدة.

ويضيف الكلالدة إلى أنه لتخفيف الضغط يجب إعادة النظر في رؤية التحديث الاقتصادي ودعم مجالس المحافظات ووقف استقطاب السكان إلى عمان،  كما يجب التوجه إلى إنشاء مدن جديدة تابعة لمراكز المحافظات مثل السلط الجديدة والطفيلة الجديدة، بحيث تكون مرتبطة بنشاطات اقتصادية محددة في تلك المناطق.

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي حسام عايش أن تعزيز التنمية الشاملة يتطلب توفير الخدمات في أي مدينة أو محافظة أخرى بمستوى الخدمات المتاحة في العاصمة عمان. ويشدد على أهمية وجود مشاريع اقتصادية ترتبط بالسكان في أماكن تواجدهم.

ويؤكد عايش على ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية والجامعات وربط المدن والقرى في المناطق المختلفة، بحيث يتم جمعها معا في وحدة واحدة وتقديم خدمات أفضل للسكان، مما يحول تلك المناطق إلى مناطق جذب من خلال تشجيع الاستثمار فيها.