التغيُر أساس التغيير
"كل شخص يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه".
هذه المقولة للأديب العظيم ليو تولستوي تختزل واقعاً متناقضاًتعيشه مجتمعاتنا المطالبة دوماً بالتغيير. إن ثمة فارق مهلو بين التغيير والتغيُّر أُبهم على كثير من الناس، فالتغيير له دعاته الكثر الذين تعج بهم وسائل الإعلام وصفحات العالم الافتراضي، وهم من بعد يملؤون الأزقة والشوارع بدواويرها في مناسبات مختلفة، أما التغيُّر الذي يبدأ من الشخص ذاته فليس له من المبادرة أو المبادءة نصيب يذكر.
لا تزال أصداء صوت ذاك الرجل تتردد بين جدران قاعة البرلمان وهو يُنَظِّر ويُنذِر من عواقب الواسطة والمحسوبية وأثرهما الكارثي على تقدم المجتمع ونهضته، إلا أن صوته الخافت عبر الهاتف ومداد قلمه الباهت على ورقة صغيرة يطلب فيها من مسؤول واسطة لقريب أو صديق؛ لم يُكتَب لها أن تخرج للعلن لتبرهن على البون الشاسع بين الدعوة للتغيير وبين التعنت في التغيُّر.
لا غرابة في أن مقاومة التغيير قد تأتي في كثير من الأحيان من بعض من يظنون أنهم يطالبون به لكنهم في حقيقتهم أبعد ما يكونون عنه. فالنداءات والشعارات التي تطالب بالتغيير على المستوى العام مثلاً كثيرة وبات جلها بلا طعم ولا رائحة بل أصبح بإمكانك تخمين العبارة التي تتلو أختها لرتابتها وكثرة استخدامها خارج السياق، فعلى سبيل المثال لا يحتاج الأمر لكثير عناء ولا لألمعية وذكاء أن تعرف بأن ما يتلو عبارة: "نريد أن يتم التعامل مع قضايا الشأن العام بوضوح..." الكلمة التالية هي طبعا: "وشفافية"، أو مثلاً: "لا بد من تعديل منظومة العمل الإداري لتحقيق..." العبارة التالية طبعا: "العدالة والكفاءة"، وهكذا دواليك.
إن الخطاب العام بشأن التغيير بات على هذه الدرجة من الرتابة والنمطية المملة، لأن منطلقاته هي منطلقات سطحية لا تبحث في جذر المشكلة وأساسها. فالتشريعات ومدونات السلوك ومنظومة الإجراءات لا تصنع تغييراً بل ينبغي أن تكون في حلتها الإصلاحية نتيجةً للتغيُّر الذي يجب أن يحدث أولاً على مستوى الفكر والثقافة والتفكير.
من يظن أن التغيير هو حزمة من التشريعات والإجراءات والنظريات، فإن تفكيره في هذا الصدد لا يتجاوز مفهومه لتغيير ملابسه أو ديكور بيته، فالتغيُّر ركيزة التغيير وهو من بعد الحصان الذي يجب أن يسبق العربة. لذلك فعلى كل مطالب بالتغيير أن ينظر إلى المرآة ليرى هل تغيّر فيه شيء، فإذا كانت هيأته اليوم هي ذاتها هيأة الأمس، فاليصمت أو ليتكلم سيان، فما ينسب لساكت قول ولا يُفلح الثرثار حيث أتى.