التعليم الوجاهي أمنية تحولت إلى كابوس
يدور في البيوت وأماكن العمل وعلى مواقع التواصل الإجتماعي حديث مواز لما يحدث على السطح الاجتماعي والسياسي الأردني رغم سخونة وأهمية قضايا عديدة محلية وإقليمية تحمل أبعادا تأثيرات عميقة قصيرة وطويلة المدى، فالغالبية رغم اهتمامهم بتلك القضايا إلا أن واقعهم كآباء وأمهات لا يجعل أمامهم مجالا للهروب من التفكير والحديث والنقاش في موضوع واحد وهم التعليم.
بدا للجميع أنهم يعيشون في عالم مواز فما أهمية مناقشة القضايا الكبرى وترتيب الأوضاع الداخلية العامة وحرية الراي والتعبير وهم لا يقوون على حسم أو حتى إتخاذ قرار خاص جدا يتعلق بأبنائهم ومستقبلهم التعليمي غامض حتى اللحظة.
قررت الحكومة الأردنية أن يكون بداية شهر سبتمبر أيلول هو بداية الانفتاح نهاية كل الإغلاقات في مختلف القطاعات وأعلن كل مسؤول فيها لا علاقة عن قريب أو بعيد من ملف التعليم أنه سيكون وجاهيا ولا عودة للتعليم الإلكتروني سيء الذكر الذي كان سببا في ضياع سنتين من حياة جيل كامل لم يتقن القراءة والكتابة رغم أنه في الصف الثاني الإبتدائي لا بل يؤكد معلمين ومعلمات أن طلاب وطالبات في الصف الخامس الإبتدائي هم عمليا في مستوى الصف الأول .
فتحت الحكومة المدارس منتصف آب /أغسطس الماضي وباشرت بما عرف ب (الفاقد التعليمي) وهو جيد إن تم تنفيذه فعلا كما هو مكتوب وقرر وصمم بأن يعوض ما فات الطلبة في مختلف الصفوف من معرفة بسبب التعليم الإلكتروني وطبعت كتبا جيدة تغطي تلك الفجوة واستقبلت المدارس الطلبة مشددة على إجراءات السلامة العامة ومراعاة البروتوكول الصحي لمن رغب من الأهالي بسد تلك الفجوة هذا ما اعلن وهذا ما بدء بتطبيقه وكثير من الأهالي لم يرغبو فعلا و لم يرسلوا أطفالهم على غير المتوقع بعكس المناشدات البائسة سابقا والمطالبة بشكل مستمر بإعادة فتح المدارس .
فالواقع مختلف كثيرا هو تماما كما لو أنك ترى صورة على العالم الإفتراضي وتصدم بأخرى عندما تصطحب أطفالك فعلا إلى المدرسة ، أكوام من الطلبة في مختلف الأعمار يتزاحمون على الصفوف المكتظة سلفا على مدار سنوات بدأت طلائعها مبكرا قبل عقود واشتدت وأصبحت حالة عامة عند بدء الأزمة السورية، ففي مسح عشوائي يظهر أن غالبية الصفوف في المدارس الحكومية لا يقل فيها العدد عن أربعين طالب او طالبة وقد يصل كثير منها إلى خمسين وأكثر وتتساءل كيف لعلبة السردين تلك أن يتعلم فيها طفلا كان محبوسا في البيت واليوم بات محصورا بشكل آخر.
إذا كان لجائحة كورونا إيجابيات فقد الهمتنا بممارسة فضلى في إدارة العملية التربوية وهي أن لا نكدس الطلبة في الغرف الصفية، فتم تطبيق قرار تقسيم الصفوف إلى مجموعتين كل واحدة تحصل على حقها الدستوري بالتعليم الأساسي في ثلاثة ايام بالتناوب مع المجموعة الأخرى، أما حقها الإنساني بالتنفس واللعب فهو يحشر في خانة بدل الفاقد الذي لا يعد استبداله ضرورة ملحة في كل الأحوال!.
من المعلوم بحسب أكاديميين أن التعلم الحقيقي المفيد يتم تحت شروط عدة منها الاعتياد والتدريب والاستقرار وهو لا نستطيع رؤيته ولن يكون في ظل تناوب المجموعات وتغيير الأقران في الصف أسبوعا تلو أسبوع أن تعريض الطلبة لهذا القدر الهائل من التشويش لا يفيد لا الأطفال ولا المدرسين وبالتأكيد ولا أهاليهم فهم ضحايا أيضا .
كل ذلك وما زال التوتر يسيطر على الجميع بسبب انتقال ما يزيد عن ثلاثة عشر ألف طالب وطالبة من التعليم الخاص إلى الحكومي ولا يستطيع أحد الشكوى أو الاعتراض أو حتى النظر بفوقية كما كان سائدا في السابق، اليوم تبعات كورونا النفسية والاجتماعية والاقتصادية فاقت آثارها الصحية بمراحل.
دفع الأهالي الأقساط المدرسية سابقا وتحول التعليم بعد أسابيع عن بعد، ضحت الأسر ذات الدخل المتوسط بجودة التعليم مقابل قدرتها على الدفع بسبب عدم الثقة بالقرارات الحكومية وقتها والتصديق بأن التعليم سيعود بالفعل وجاهيا وهو ما يبدو أنه فعلا قرارا لا عودة عنه، لكن المعاناة الجديدة التي سيدخل فيها الأهالي مع أبنائهم وهو هل سيحصل أبناءهم وبناتهم فعلا على تعليم حقيقي بعد الجائحة التي ألمت في هذا القطاع، هل تكفي أياما معدودة أن تعوض ما فات هلى تستطيع المنصة الحكومية التي لن تختفي من الصورة من الآن فصاعدا مواكبة التطور التكنولوجي السريع في أدوات التعليم و منصاته.
هاجس الأهالي أن الفجوة تتعمق والفروق تزيد والطبقية التعليمة تتوحش وهم مكتوفي الأيدي لا يستطيعون تغيير ما كان ولا التنبؤ بما سيكون بالنهاية فتحت القطاعات جميعا ولكن الجميع يبدو أنهم يطلون من النوافذ يخشون العودة للحياة مجددا بشكل كامل ولا يستطيعون التخلص من كابوس الوحش الذي ما زال محبوسا في ملف ما بمكان ما.