التضخم يضرب اقتصاد الأردن.. ما خيارات الحكومة والمواطنين؟
ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك الأردني "التضخم" في الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 2.62 بالمئة، ليبلغ 104.58 مقابل 101.91 للفترة نفسها من العام الماضي، وفق دائرة الإحصاءات العامة.
هذا الارتفاع يأتي في ظل ارتفاع غير مسبوق طال جميع السلع الأساسية في الأردن، من أبرزها: الدواجن والخضروات، والأرز والسكر، والزيوت، والمحروقات؛ بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتوقف سلال الإمداد والتصدير وارتفاع كلفة الشحن.
وفي محاولة لامتصاص هذا التضخم، رفع البنك المركزي بداية الشهر الحالي أسعار الفائدة 50 نقطة أساس على كافة أدوات السياسة النقدية وأبرزها قروض الأفراد إذ تجاوزت مديونية الأفراد (17 مليار دولار) حسب إحصائيات البنك المركزي.
هل سيتكيف المواطن الأردني؟
المحلل الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش، يرى أن التضخم مستمر في الارتفاع، مما يعني أن الأردنيين على موعد جديد مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
وأضاف لـ"عربي21": "الأسعار ستزداد وقدرة المواطنين على التكيف مع هذا الارتفاع قد تكون محدودة، ناهيك أن ارتفاع أسعار الفائدة المصرفية التي ترتفع على وقع أسعار التضخم ستواصل ارتفاعها أيضا".
وتابع: "القيمة الشرائية للمواطن الأردني ستنخفض وخصوصا أن دخولهم ثابتة، لذا سيلجأ مواطنون للتقليل من إنفاقهم أو البحث عن بدائل أقل سعرا وأقل جودة من منتجات وخدمات مثل نقل الأبناء من المدارس الخاصة إلى الحكومية أو التوقف عن شراء الملابس والرفاهيات".
ودعا عايش الحكومة إلى وضع خطط وسياسات للتعامل مع الحالة المستجدة في الإطار الاقتصادي واتخاذ قرارات تخفف من وقع هذه الارتفاعات ولمواجهة التكيف السلبي.
تفاؤل رسمي.. رغم الواقع والأرقام
بدوره، أكد محافظ البنك المركزي الأردني عادل الشركس، أن "الاقتصاد الوطني يسير بخطى ثابتة نحو التعافي من تداعيات جائحة كورونا".
تصريحات الشركس جاءت في لقاء مع جمعية البنوك، رؤساء وأعضاء مجالس إدارات البنوك، الأسبوع الماضي، وقال فيها إن "الاقتصاد العالمي يشهد صدمات متلاحقة بسبب تداعيات جائحة كورونا، وما تلاها من تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، والإغلاقات في الصين، أسهمت في تخفيض توقعات نمو الاقتصاد العالمي". متوقعا "ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.4 بالمئة في العام الحالي".
وخلال استقباله، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للأردن أمس الأربعاء، قال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إن "الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي ساهمت بشكل كبير في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي"، لافتا إلى أن احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية وصلت إلى أرقام غير مسبوقة.
وأوضح أن "الحكومة ستتقدم قريبا إلى مجلس النواب بمشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية وممارسة الأعمال الذي سيسهم في تعزيز البيئة الاستثمارية، واستقطاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية التي لها أثر مباشر في تعزيز التنمية الاقتصادية".
ويبلغ الدين العام الأردني 40.1 مليار دولار، بما نسبته 88.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. كيف يطبَّق صندوق النقد على اقتصاد الدول؟ الأردن مثلا.
"المحروقات" تلهب الأسعار
ويتصدر الأردن الدول العربية بأسعار البنزين حسب موقع "Global Petrol Prices" بسبب ما يفرضه من ضرائب مقطوعة على المحروقات بأصنافها، وحسب المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت صاحب كتاب "الأردن.. أسباب الأزمة المالية"، "يفرض الأردن ضرائب على البنزين الخالي من الرصاص ٩٠ نسبة على الليتر ١٢١٪. أما البنزين ٩٥ نسبة الضريبة ١٨٢٪، والكاز نسبة الضريبة ٥٢٪".
وتوقع منتدى الاستراتيجيات الأردني في ملخص سياسات بعنوان "الوقوف على واقع الأسعار في ظل الأحداث العالمية الراهنة" صدر أمس الأربعاء وحصلت -عربي21- على نسخة منه، أن "الحرب الأوكرانية ستسهم في بقاء أسعار الطاقة مرتفعة".
وحسب المنتدى "سيسهم ارتفاع أسعار المحروقات بتزايد الضغوطات الواقعة على أسعار الأغذية وتكاليف الإيجارات والإسكان وغيرها من أسعار الخدمات الأخرى مما أدى إلى زيادة البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة المرجعي بنسبة نصف نقطة مئوية في الرابع من شهر أيار 2022 ومن المتوقع أن يتبع ذلك المزيد من الزيادات".
ملف ضاغط
الخبير في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، يقول لـ"عربي21"، إن "أسعار المحروقات في الأردن مرتفعة مقارنة مع دخل المواطن الأردني مقارنة مع الدول المجاورة، ويحتل الأردن المركز الأول منذ أعوام، كما لو قارنا أسعار المحروقات مع دخل الفرد الذي يبلغ 4300$ سنويا حسب البنك الدولي يحتل الأردن المرتبة الرابعة عالميا".
وأضاف: "أصبح ملف الطاقة ضاغطا على دخل الفرد الأردني وعلى القدرة الشرائية والاقتصاد الأردني، بالتالي لا بد من إجراءات حماية من الحكومة لصالح المواطن الأردني خاصة أن الحكومة رفعت للمرة الثانية على المحروقات على التوالي وستقوم برفعها مرة أخرى مع الإصرار على فرض ضرائب على المحروقات والتي يجب على الحكومة إعادة دراستها وهي ضريبة كبيرة مقطوعة تفرضها الحكومة منذ عام 2019 وهي مجحفة لا تميز بين الفقير والغني وأصبحت المحروقات تأخذ مساحة كبيرة من فاتورة المواطن".
رفع الحد الأدنى للأجور
هذا التضخم الكبير في الأسعار دفع نقابات ومراصد عمالية كالمرصد العمالي (مؤسسة مجتمع مدني) لمطالبة الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور بعد أن قررت الحكومة ممثلة باللجنة الثلاثية (حكومة، أصحاب عمل، نقابات عمالية) ربط زيادة الحد الأدنى للأجور بنسب التضخم. في وقت رجح فيه رئيس اتحاد نقابات العمال وعضو اللجنة الثلاثية لشؤون العمل مازن المعايطة، عقد اجتماع للجنة لرفع الحد الأدنى للأجور خلال عشرة أيام، "بما يتناسب مع نسب التضخم التي أعلنت مؤخرا".
وبدأ تنفيذ قرار اللجنة الثلاثية برفع الحد الأدنى للأجور في الأردن إلى 366 دولارا في كانون الثاني 2021، على أن يتضمن اقتطاعات الضمان الاجتماعي من بداية العام القادم، والالتزام بزيادات سنوية على الحد الأدنى للأجور اعتبارا من بداية العام 2022 بحيث تتناسب مع معدلات التضخم لكل سنة، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور للعمالة غير الأردنية 324 دولارا.