الاضراب:بين الشعب والدولة
إضراب المعلمين ليس إلا تأسيساً لحالة وعيٍ شعبيٍ حقيقي، لكن الإضراب عملياً بين الشعب والحكومة، وليس محصوراً بالمعلم.
اضرابُ المعلمين يختلف جذرياً عما سبق، وهذا يقود للقول: أن الدعم لا يرتبط بعلاوة 50٪، بل بالشعب بذاته، وإعادة تفعيل أدوات قواه، لنيل الحقوق والدفاع عن مستقبل الأجيال القادمة.
خلال الأيام الماضية، ابتعد الشعب كثيراً في حراكه بواسطة المعلمين عن نظرة الدولة الكلاسيكية التي ترى من عنق الزجاجة، لا فضاء الواقع الشعبي، نظرة تمنحها وهماً من القوة وسراباً من القدرة على محاصرة الشعب بمعلميه.
الرافعة الشعبية، قابلها سخطاً وسقوطاً مدوياً للحكومة، وبدل أن يكون الدعم طولياً خاصاً بالمعلمين، صار عرضياً مرتبطاً بشعبٍ يضغط باتجاه استمراريته، ما أربك حسابات الحكومة في التعامل مع ملف قد يقود لتفجير أخرى جديدة، كان من الممكن تلافيها، في ظل وجود وزراء تأزيم يحتاجون لدروس تقوية وتقييم في كيفية التعامل مع الشعب ومطالبه، لا مع المعلم فقط.
فالشعب القائد الفعلي لإضراب المعلمين، والتراجع عنه لابد أن يجر نتائجاً عكسيةً تحول دون تجديد روح قواه التي تم تحييدها من قبل الدولة بواسطة أدوات اعتقدت بامتلاكها أبدية القوة والسيطرة.
فَالسيطرة على حراك المعلمين يهدم أملاً شعبياً يرى أن سياسة الإنكار المُتعمدة من قبل الحكومات لابد أن تطال الجميع، وبشكل فردي لا جمعي، سياسية تُشرذم المطالب بهدف السيطرة عليها.
لكن صمود المعلمين يؤدي الى تحفيز وصعود مجاميع شعبية تضمن استمرارية المد لتحقيق المطالب، في هذه الحالة لا يوجد فرق بين معلم، ومهندس، ممرض وطبيب، عسكري أو مدني، رجل أمن ومعلم، فالجميع في الهم شرق.
المشهد برمته يُرعب الدولة، لأنه يحدُ من افكارها، ويعمل على فتح الباب أمام قطاعات جديدة للمطالبة بحقوقها، مدججين بتكاتف شعبيٍ قوي، فهل يشكل المعلم نواة لحراكٍ وطنيٍ للوقوف بوجه صفقة القرن ؟ هل يشكل المتقاعد العسكري كياناً بوجه الكونفدرالية ؟ أو للرد على تهديدات نتنياهو ؟ هل يقف الطبيب والمهندس ضد من يريد النيل من موارد الدولة؟ أتدخل الأحزاب لتعيد ترتيب أوراقها لتكون أكثر قرباً من نبض الشعب ؟
البوادر الحالية جيدة، يمكن البناء عليها، والدعم الشعبي أسس رسالة وطنية بليغة ترفع بوجه حكومات، لا تكترث.
المحزن أن ورقة الحكومة التي ربطت بين نقابة المعلمين والتيار الإسلامي، سقطت، ولم تلق آذاناً صاغية، فالشعب واعٍ للحقيقة.
المعلمون، الإخوان، الشيوعيون، أبناء الحراثين جميعهم أردنيون، لا خلاف معهم أو بينهم.
لكن، الخلاف الجذري مع الحكومة، مع ديناصورات وحيتان الدولة العميقة وحروبها المشتعلة بين تيار ليبرالي يقدم مشاريعاً لانتشال الدولة من أزمتها مقابل تقديم الأردن على طبق من ذهب للخارج - لفرمه - وفق رؤيته، وبين تيار محافظ يرى أن هؤلاء يشكلون خطراً على مصالحهم واستمرارهم، لذا وجب إسقاطهم.
النتيجة الفعلية من الصراع، تُصيب سطح الأردن وقلبه، وهو ما تجسد في الكثير من الأزمات التي تم افتعالها مؤخراً.
نعم لنكن مع الشعب، مع المعلم في حركة، لصنع رؤية لأجيال قادمة، واثقة من ذاتها، حريصة على وطنها، وإلا ما جدوى كل هذا إن سقط المعلمون في إضرابهم، ما قيمة التحركات إن كانت تسير باتجاه فقدان الأجيال القادمة الثقة بالمستقبل.
أخيراً: بعيداً عن نتائج الإضراب أو عن فعل الحكومة، وبعيداً عن تفاهمات النقابة التي قد تقبل أو ترضخ لها، ليبقى المد و الدعم الشعبي مستمراً في كافة قطاعات الدولة، وقواها الحية، فهذا حراك الشعب، لا حراك المعلمين فقط.
ألم يعطِ المعلم للطلاب في إضرابهم درساً قيماً في الوطنية، هم فعلوا ذلك وقعياً، لذا، كن مع المعلم اليوم، ليكون معك الأردن غداً.