الازدحامات المرورية … خسائر اقتصادية وضغوط يومية تبحث عن حلول جذرية

الرابط المختصر

في كل صباح، يخرج آلاف الأردنيين من بيوتهم على أمل الوصول إلى أعمالهم أو جامعاتهم في وقت مناسب، لكنهم يجدون أنفسهم عالقين في طوابير طويلة من المركبات التي لا تنتهي.

يتحول الطريق الذي لا يتجاوز بضع كيلومترات إلى رحلة مرهقة تمتد لساعة أو أكثر، ترافقها مشاعر التوتر والقلق، وتنعكس على مزاجهم وإنتاجيتهم طوال اليوم. 

في وقت تجاوز فيه عدد المركبات المرخصة في الأردن حاجز المليوني مركبة وفق إحصاءات إدارة السير لعام 2023، ومع تزايد الكثافة السكانية واتساع المدن، بات الازدحام المروري أحد أبرز التحديات اليومية التي تثقل كاهل المواطنين وتستنزف الاقتصاد الوطني.

تشير الدراسات إلى أن المواطن في العاصمة عمان يخسر يوميا ما بين ساعة إلى ساعة ونصف في التنقل، فيما تتجاوز الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة مئات الملايين من الدنانير سنويا، بما يعادل نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض المدن المزدحمة. 

وبينما تمتد انعكاسات الأزمة إلى الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية، تكشف تقارير رسمية أن كلفة مشكلات النقل والازدحام قد تصل إلى 3 مليارات دولار سنويا، مما يجعلها قضية وطنية ضاغطة تتطلب حلولا مبتكرة تتجاوز المسكنات التقليدية وتعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتطوير منظومة النقل العام.

المحلل الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش يوضح أن الأزمة لا تقتصر على الخسائر المالية، بل تمتد إلى الجوانب الاجتماعية والنفسية، فالموظفون يبدأون يومهم مرهقين ومتوترين بسبب الازدحام، مما ينعكس سلبا على الإنتاجية.

ويشير عايش إلى تحول رحلات قصيرة لا تتجاوز 10 كيلومترات إلى مشوار يستغرق ما بين 45 و60 دقيقة، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات صحية ونفسية خطيرة. 

ويقدر أن المواطن يخسر سنويا نحو 500 دينار من دخله بسبب الوقت الضائع في الازدحام، إضافة إلى التكاليف المباشرة على الوقود والصيانة.

 

 

تكلفة الازدحام: عبء اقتصادي وصحي

وفقا لتقرير البنك الدولي، تبلغ الكلفة السنوية الناجمة عن مشكلات النقل والازدحام حوالي 3 مليارات دولار، أي ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. 

وهذه الأرقام لا تشمل فقط الضغوط المالية على الاقتصاد، بل أيضا التكلفة البيئية الضخمة، حيث يشكل قطاع النقل المصدر الرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة في الأردن، بما لا يقل عن 11,000 غيغا غرام من CO₂ سنويا، وكلفة اقتصادية تقدر بين 500 مليون إلى مليار دولار سنويا. 

فيما يشير تقرير حكومي آخر إلى أن كل أسرة أردنية تنفق ما يزيد عن 2,000 دينار سنويا على النقل، أي ما يعادل 17% من دخلها، وترتفع هذه النسبة إلى 23% بين الشباب.

أما من الناحية الاقتصادية، فيؤكد عايش أن الازدحامات ترفع الكلفة على الأسر بنسبة تتراوح بين 15% و20% نتيجة الاستهلاك الإضافي للوقود، فضلا عن تأثيرها السلبي على الأنشطة الاجتماعية، كما أن المشكلة الأبرز تكمن في أن الناس يضطرون إلى تخطيط حياتهم وفقا لأوقات الذروة، بدلا من أن تكون أوقات الذروة متأثرة بنمط حياة الناس، خصوصا مع تحول هذه الأوقات إلى حالة مستمرة على مدار اليوم تقريبا.

فعلى سبيل المثال، إذا فقد المواطن يوميا لترا واحدا من الوقود بسبب الازدحام، فإن ذلك يعني إنفاقا إضافيا يتراوح بين 200 و300 دينار سنويا على الوقود فقط، مضيفا أن المواطن الأردني يقضي في المتوسط ما بين 200 إلى 240 ساعة إضافية سنويا عالقا في الازدحامات، أي بمعدل يقارب 40 دقيقة يوميا، وإذا ما ربطنا ذلك بمعدل الأجور في الأردن، والذي يبلغ حوالي 630 دينارا وفق مؤسسة الضمان الاجتماعي، فهذا يعني أن ساعة العمل تعادل تقريبا 2.6 دينار، أي أن المواطن يخسر ما يقارب 500 دينار سنويا من دخله بسبب الازدحام، إلى جانب الكلف الإضافية المترتبة على صيانة السيارة واستهلاك المحركات وغيرها، بحسب عايش.

 

الحوادث المرورية… ثمن بشري ومادي فادح

سجلت في عام 2024 زيادة كبيرة في عدد الحوادث، حيث تضخم العدد من حوالي 123 ألف حادث في 2020 إلى 190,175 حادثا في 2024، ما خلف 543 حالة وفاة و18,275 إصابات. 

يقدر حجم الكلفة المباشرة وغير المباشرة لهذه الحوادث بنحو 958 مليون دينار، أي ما يعادل 2.8% من الناتج المحلي الأردني.

ويشير عايش إلى أن الأردن تكبد خلال السنوات الخمس الماضية خسائر فاقت 1.6 مليار دينار نتيجة الحوادث، مما يجعل معالجة أزمة المرور أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل.

في حين تصل الكلفة الإجمالية لمشكلات قطاع النقل إلى ما يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2022، أي ما يعادل نحو 3 مليارات دولار، كما أن كلفة حوادث السير وحدها تقدر سنويا بما بين 300 إلى 320 مليون دينار، وهو ما يعني أن الخسائر خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة تجاوزت مليارا و600 مليون دينار، بحسب عايش .

يرى زريقات أن أبرز أسباب الأزمة يكمن في الاعتماد المفرط على السيارة الخاصة كوسيلة رئيسية للتنقل، مقابل ضعف النقل العام،  فالمواطنون لا يلجأون إلى الحافلات لكونها الخيار الأمثل، بل لعدم امتلاكهم سيارات خاصة.

ويضيف أن النمو السكاني السريع، حيث يشكل من هم دون 18 عاما حوالي 40% من السكان، يعني أن أعداد المركبات على الطرق ستواصل الارتفاع في السنوات المقبلة، مؤكدا أن الازدحامات لم تعد مرتبطة بساعات الذروة، بل امتدت لتشمل معظم ساعات النهار، مما يجعل الأزمة شاملة ومستمرة.

 

 

التكنولوجيا كمدخل للحل

أجمع الخبراء على أن مواجهة الأزمة تتطلب حلولا علمية ومنهجية قائمة على التكنولوجيا الحديثة،  ويشير زريقات إلى أن الاقتصار على بناء الجسور والأنفاق لم يعد حلا كافيا، إذ تكمن المشكلة الأساسية في إدارة حركة المرور.

ويضرب مثالا بتجارب عالمية أظهرت أن برمجة الإشارات الضوئية وربطها بمراكز تحكم مركزية ساهمت في تخفيف الازدحام بنسبة تتراوح بين 12% و30%، من دون الحاجة إلى بناء طرق جديدة. كما أن تطبيقات الخرائط مثل Google Maps أثبتت فعاليتها في توجيه السائقين بعيدا عن النقاط المزدحمة.

إلى جانب ذلك، يمكن للتكنولوجيا المساهمة في التنبؤ بالحوادث وإدارتها، وتزويد المواطنين بمعلومات فورية تساعدهم على تعديل مساراتهم ، مؤكدا أن الأردن يمتلك البنية التحتية والكوادر البشرية، فضلا عن انتشار شبكة 5G والهواتف الذكية، ما يتيح تبني حلول المدن الذكية بسرعة وفعالية.

أما عايش  يرى أن الحل يجب أن يكون علميا ومنهجيا، يتضمن إعادة النظر في العادات المرتبطة باستخدام المركبات الخاصة، وتبني ما يعرف باقتصاديات المرور، وهو مجال يركز على مشكلات الازدحام، وضعف النقل العام، والتكلفة الاقتصادية المرتبطة بالمرور سواء كانت مباشرة كالوقود والصحة والسلامة أو غير مباشرة كانتشار العزلة الاجتماعية وضعف الحراك التجاري.

 

الحلول المقترحة

وفي خطة استراتيجية أعدت للفترة 2024–2028، أكدت الحكومة أهمية تأسيس جهة موحدة لنقل الركاب BRT ، وتوحيد الأنظمة لتعزيز السلامة، والإسراع بالتحول إلى وسائل نقل كهربائية صديقة للبيئة.

والواقع أن المشروع التطويري الذي دشّن في عام 2021، وهو النقل السريع بالحافلات (BRT) في عمان، حقق ما يقارب 20 مليون رحلة سنويًا عبر 237 حافلة تغطي مسافة 25 كم، كمبادرة واضحة لتحقيق النقل الجماعي الفعال. 

لكن الخبراء يشددون على أن الحلول يجب أن تكون شمولية، تشمل تحسين الأرصفة لتسهيل التنقل سيرا، وتطوير البنية التحتية، وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه الاعتماد الكلي على السيارة الخاصة، مع اعتبار معالجة الأزمة أولوية وطنية، كما يؤكد ولي العهد الأمير الحسين في توجيهاته للمجلس الأعلى للسلامة المرورية.