الإعلام المحلي ملف مفتوح على حوار لا ينقطع خيطه

الرابط المختصر

بعد
أيام على توصية لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب بإبقاء عقوبة الحبس على
الصحفيين في قضايا المطبوعات والنشر خلافا لتوصيات لجنة الاجندة الوطنية وتوجهات
الملك، سارعت الحكومة الى تقديم مشروع معدل للقانون تشددت فيه في الغرامات التي
وصلت الى عشرين ألف دينار

فيما
لم تكن تزيد على الألف في القانون ساري المفعول. وقد أسهمت هذه الخطوة في زيادة
الجدل الذي لم يتوقف يوما حول الإعلام المحلي: دورا وحريات.

في
21 من الشهر الجاري أحالت الحكومة الى مجلس الامة مشروع قانون معدل لقانون
المطبوعات والنشر الذي كان بحوزة النواب أصلا. وطلبت الحكومة من المجلس إعطاء
مشروع القانون صفة الاستعجال، وبررت الحكومة الاسباب الموجبة للتعديل في انها جاءت
لتأكيد مبدأ احترام الديانات التي كفل الدستور الأردني حريتها، ولغايات حظر نشر ما
يشتمل على أي تحقير أو إساءة إليها، أو نشر ما يشتمل على أي تعرض لأرباب الشرائع
من الأنبياء، سواء بالرمز أو بالرسم أو بالصورة أو بأية وسيلة أخرى، أو ما يشكل
إهانة للشعور أو المعتقد الديني، أو ما يثير النعرات المذهبية أو العنصرية أو زرع
الأحقاد وبذر الكراهية والشقاق بين أفراد المجتمع.

كما
جاء في الأسباب الموجبة أن مشروع القانون وضع للتأكيد على منع الإساءة للوحدة
الوطنية، أو ما يسيء إلى كرامة الإفراد وحرياتهم الشخصية، ووضع العقوبات الرادعة
لتحقيق هذه الغاية، وتشديد الغرامات المفروضة على كل من ادخل إلى المملكة مطبوعة
بصورة غير مشروعة أو ساهم في توزيعها، أو ارتكب أي مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون
مما لم يريد النص بالمعاقبة عليها.

ولكن
ليس هذا أسوأ ما في مشروع القانون، فهو الى ذلك كله، لا يتضمن أي فقرة تنص صراحة
على عدم حبس الصحفيين، وهو ما اعتبره باتر علي وردم في "الدستور" (23/3)
وايمن الصفدي في "الغد" (22/3) "خطوة الى الوراء" وانتقاصا
للحرية.

وبالفعل
فإن الحكومة، خلافا لتصريحات الملك ونزولا عند رغبة او خضوعا لبعض النواب، تراجعت
بشكل حاد عن مشروعها الأصلي.

بيد
ان مشروع قانون المطبوعات المعدل هذا ليس نهاية مطاف الحكومة في توجهاتها نحو
المزيد من التشدد مع الحريات الاعلامية، فقبل ذلك بيومين وافقت وبشكل سريع على
استقالة مجلس إدارة التلفزيون، وقامت بتعيين مجلس إدارة جديد برئاسة وزير تطوير
القطاع العام، سالم الخزاعلة.

وبالنسبة
للمراقبين الاعلاميين فان هذه الخطوة جاءت استجابة لرغبة بعض النواب المحافظين
وللحملة الصحفية من قبل بعض الصحف الاسبوعية وصحف يومية تسيطر عليها الحكومة او
"توحي لها" بإجهاض مشروع مجلس إدارة التلفزيون المستقيل في دعم
استقلالية وسائل الإعلام المرئي والمسموع. وهكذا فان الحكومة عادت الى ممارسة
الهيمنة على وسائل الإعلام مرة من جديد.

على
كل، فان هذا التوجه الجديد لدى الحكومة لم يكن جديدا تماما وكذلك ليس مفاجئا. فمنذ
تشكيل الحكومة الحالية وبعد تفجيرات عمان الارهابية، بات الحديث عن التشدد مع
الحرية الاعلامية، وتحت ذريعة محاربة "الفكر الإرهابي"، مباحا واصبح من
المتوقع ان تعمل الحكومة، مستفيدة من الاجواء السلبية التي خلقتها التفجيرات، على
كبح الحريات الاعلامية، خاصة وانها مقدمة على اتخاذ قرارات كبيرة وغير شعبية كقرار
رفع الدعم كليا عن أسعار المحروقات.

على
ان المستغرب في كل ما يجري هذا الصمت الكلي الذي تمارسه الصحافة إزاء التوجهات
الجديدة. واذا استخفت الصحافة بتوصية لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب بإبقاء
عقوبة الحبس، فإن الحكومة تشجعت كثيرا لإعادة صياغة مشروع قانونها بتشدد أكثر.

في
تغطيتها لمشروع القانون الجديد، عمدت الصحف اليومية جميعها على نقل خبر واحد شبه
موحد عن إحالة الحكومة المشروع الى مجلس النواب (صحف 22/3) واكتفت بالخبر هذا،
فيما كانت نقابة الصحفيين تحذر من التعديلات وتدعو الى عقد جلسة طارئة لمجلس
النقابة (الأحد 26/3) يعقبها مؤتمر صحفي للنقيب طارق المومني.

اما
تعليقات كتاب الصحف فكانت باهتة أكثر ولم يكتب في الموضوع سوى خمس مقالات فقط،
ثلاث في "الدستور" وواحدة في "الغد" وواحدة في "الرأي".

في
"الدستور" كتب محمد ابو سماقة مذكرا بكل ملف الاعلام المحلي المفتوح
دائما على جدل لا ينقطع بدون أي نتيجة، وقال في مقال له بعنوان "في ملف
الإعلام.. الحل هيئة عليا للإعلام" كتب قائلا: "مع إعادة تشكيل مجلس
إدارة الإذاعة والتلفزيون يتاح المجال من جديد لفتح ملف الإعلام والتوقف عند حقيقة
معروفة وواضحة لكل الناس، انه وفي عهد كل الحكومات السابقة ومنذ أربع سنوات تحديدا
أصبح موضوع تطوير الإعلام الأردني الوجبة اليومية للاستهلاك السياسي والإعلامي
ومدار حديث أوساط الرأي العام، ولكن للأسف فان الخطوات التي اتخذت لم تحقق النتائج
ولم تبلغ الرؤية الصحيحة في إدارة ملف تطوير ومأسسة الإعلام الأردني ولم تتوصل إلى
تحديد إشكالية العلاقة ما بين إعلام الدولة وإعلام الحكومة، ولم تدرك كل الحكومات
السابقة ان التحول نحو إعلام الدولة يحتاج إلى رؤية لتطوير المؤسسات الإعلامية،
ليس من حيث الجوانب الإدارية ومجالس إداراتها وإنما في الدور والوظيفة والمهام
وصولا الى المنتج الإعلامي المطلوب".

اما
عريب الرنتاوي فقد كتب في نفس الصحيفة مقالا بعنوان "هل تسقط الشفافية على
عتبات مجلس الامة" منتقدا توجه المجلس نحو التراجع عن الحريات والاصلاح.
وفيما يخص موقف مجلس النواب من الصحافة، قال الرنتاوي: "خلال أسبوع واحد،
صدرت عن أروقة مجلس الأمة ثلاثة مواقف تدعو جميعها للقلق: الأول: التوصية بحبس
الصحفي في قضايا المطبوعات والنشر، والثاني: ''الحملة المضرية'' على الأحزاب الأردنية من دون تمييز...، والثالث:
التوصية باستثناء رئيس وأعضاء مجلس الأمة من ''إشهار الذمة المالية''. في الجدل
حول القضية الأولى، أراد بعض السادة النواب إعادة الجدل الوطني حول هذه المسألة
إلى مربع الاجترار والمراوحة الأول، بل أن بعضهم حاول ''دغدغة'' الميل الطبيعي لدى
السلطة التنفيذية للجم الصحافة وتقدم - متطوعا - بتوصيات لتسويغ هذه المهمة
وتسويقها، إلى أن تدخل الملك بتصريحاته الأخيرة، ليحسم ما ظننا أنه حسم مسبقا، من
جدل وتنازع حول هذه القضية الحساسة".

اما
باتر علي وردم فقد ساند زميله الرنتاوي في نفس الصحيفة مستغربا في زاويته
"الناس والسياسة" ما وصفه بـ"هذا التحالف الحكومي- النيابي الغريب
الذي يتشكل دائما وبصورة استثنائية وسريعة ضد الحريات الإعلامية، وكل برامج وخطط
التحديث بشكل عام في الأردن".

اما
في صحيفة "الغد" فقد حذر الصفدي من ان مشروع القانون لا ينص في أي فقرة
منه على منع حبس الصحفيين، وطالب في مقال له بعنوان "مفارقة لافتة"
"أن يطلب فيه من مجلس النواب أن يعارض رأي لجنة التوجيه الوطني حول الموضوع
تمشياً مع واجبه تكريس الممارسات الديمقراطية، يجب أن يقف الجسد الصحافي صفاً
واحداً في تفسير أهمية رفع هذا السيف عن الصحافة، والضغط باتجاه تبني مجلس النواب
لتعديل تشريعي يمنع حبس الصحافي".

الا
ان التوجه في صحيفة "الرأي" فقد كان مختلفا، ففيما لم يعلق أي من كتابها
الرئيسيين على كل هذه التطورات تصدى عبد الهادي راجي المجالي مدافعا عن خطوة
الحكومة تعيين وزير عامل رئيسا لمجلس إدارة التلفزيون. واعتبر المجالي في مقال له
بعنوان "عبد الله غيث" ان التوجه الجديد لدى الحكومة "مرحلة جديدة
في الاعلام عنوانها "جدية الشاشة" وليس "تجديد الشاشه" .. واظن
ان الرئيس مثلنا من عشاق "عبد الله غيث".

قبل
ايام كانت لجنة التوجيه الوطني تخالف لجنة الاجندة وتوجيهات الملك في عدم حبس
الصحفيين في قضايا المطبوعات والنشر، وبعدها بأيام أكدت الحكومة على هذا التراجع،
وهي التي تعهدت في كتاب الرد على خطاب التكليف العمل على تنفيذ توجهات الملك.
وامام كل هذا التزمت الصحافة والجسم الصحفي صمت مريب وكأن الامر لا يعنيها.

والخشية ان يؤدي هذا الصمت الى المزيد من إهدار
الحريات الصحفية، والى المزيد من التشدد طالما هناك من يرى في خطوات الحكومة
توجهات "جدية" لا تراجع عن مكتسبات حققتها الصحافة بعد كفاح طويل.

أضف تعليقك