الأشخاص ذوو الإعاقة.. تمييز وبيئات عمل غير لائقة

الرابط المختصر

على مدار عامين عملت بلقيس (اسم مستعار)، ذات الإعاقة البصرية المشخصة بضعف البصر، في محل لبيع القرطاسية والتجهيزات المدرسية والجامعية بأجر 200 دينار وبساعات عمل تزيد عن 10 دنانير في اليوم الواحد.

 

ما أثار استهجان بلقيس واستغرابها أنها الوحيدة الحاصلة على شهادة جامعية، ومع ذلك كانت تتقاضى أدنى راتب بين زملائها، بحكم أنها من ذوي الإعاقة وتعمل (كوول سنتر) ورغم مطالباتها بإنصافها بزيادة أجرها ليكون كزملائها على الأقل إلا أن صاحب العمل كان "ينهرها" ويرفض ذلك.

 

يعاني العديد من ذوي الإعاقة من عدم قبولهم في بيئة العمل أو اضطرارهم إلى ترك العمل لعدم توافر البيئة الملائمة لهم، أكان على صعيد الأجور أو المتطلبات الأساسية أو التدابير التيسيرية التي يجب أن تتوافر في كل أماكن العمل كتهيئة لقبول ذوي الإعاقة.

 

وأصدرت الحكومة في حزيران الماضي نظام تشغيل ذوي الإعاقة المستند إلى قانون العمل، بهدف زيادة إدماج هذه الفئة في سوق العمل لأهمية ممارسة حقها في العمل كأي مواطن آخر، وبخاصة بعد أنّ كشفت أرقام دائرة الإحصاءات العامة في التعداد السكاني عام 2015 أنّ قرابة 80% من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يتلقوا التعليم، في حين أنّ ثلث الأميين في الأردن هم من الأشخاص ذوي الإعاقة أيضاً.

 

تتفق سلوى (اسم مستعار) ذات الـ28 عاماً، مع بلقيس في أنّ بيئات العمل في الأردن غير مهيأة لعمل الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد واجهت ذلك، وهي من ذوي الإعاقة الحركية التي لا تحتاج إلى كرسيّ متحرك وإنما تعاني من مشكلة في قدمها، فحين ذهبت لمقابلة عمل في أحد الفنادق على أساس تخصصها الجامعي لتكتشف أنّ العمل مع جهاز الأمن والحماية ويعتمد على صعود الأدراج ونزولها بأجر لا يجاوز الحد الأدنى للأجور. 

 

لم تمانع أن تبدأ العمل بهذا الأجر، الّا أنّ البيئة غير المهيأة التي قرر فيها صاحب العمل وضعها في الطوابق السفلية لحفظ "واجهة الفندق" جعلها ترفض العمل، لتعمل مع إحدى المنظمات وتواجه معها أيضاً مشكلة في عدم دفع أجورٍ كافية، رغم حاجة ذوي الإعاقة لمصاريف أكثر بحكم احتياجهم لوسائط نقل تتناسب مع الإعاقات الحركية.

 

عملت سلوى في مكان آخر، وهو مركز للدراسات والأبحاث، لكنها لم تستمر أكثر من ثلاثة أشهر، إذ لم يجدد لها عقد التدريب الذي كان أجرها خلاله غير كافٍ، وهي كانت ترغب بتجديد عقدها للحصول على الخبرة فقط.

 

لا تمنع التشريعات الأردنية من تشغيل ذوي الإعاقة، بل إنها تنص عليها وتشجع ذلك لدرجة أنها تلزم بعض المنشآت من خلال عدة نصوص كاملة وواضحة، بدأت بتوقيع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة عام 2008 التي تنص في المادة 27 على الحق بالعمل دون تمييز وضمان ظروف عمل عادلة وملائمة لهم.

 

وهو ما جعل المملكة، على المستوى المحلي، على موعد مع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي صدر عام 2017 ونصّ أيضاً في الفقرة (هـ) من المادة 25 على وجوب تشغيل شخص من ذوي الإعاقة في المنشآت التي لا يقل عدد العاملين فيها عن 50 عاملاً وعاملة، وفي حال كان أكثر من ذلك فيجب ألا تقل نسبة ذوي الإعاقة عن 4% شريطة أن تسمح طبيعة العمل بذلك.

 

استدعى ذلك إصدار نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في حزيران الماضي، وعمل به بدءاً من تموز وأوجب على صاحب العمل تشغيل ذوي الإعاقة بالنسبة ذاتها وفقاً للقانون بناءً على مؤهلاته العلمية ودون أي تمييز في الأجر.

 

بالعودة إلى حالة بلقيس فقد اضطرت أن تترك العمل عام 2019 بسبب الظروف السيئة للغاية في مكان العمل، وتحملها معاناة لم تكن تتصورها، وما زالت تعاني من رفضها في معظم أماكن العمل بسبب إعاقتها، حيث لم تقبل للعمل في العديد من المدارس وكُتب على طلبها "مرفوض" حتى قبل إجراء المقابلات الشخصية، لأنها تعاني من مشكلة بصرية، رغم أنّ العمل لا يتطلب مجهوداً بصرياً. 

 

بعد أن خفّت وطأة جائحة كورونا وتداعياتها، وعادت الحياة مجدداً، وجدت عملاً في مكتب سياحة وسفر، واستمرت فيه مدة شهرين وأخبرها المدير بأنّها منجزة في عملها ومتقنة لما يطلب منها الّا أنه بحاجة لفتاة ذات جاذبية للزبون (لائقة المظهر)، بحد وصفه، ما دعاها لترك العمل مجدداً على أمل الحصول على فرصة في الوقت الحالي.

 

تقول آسيا ياغي مديرة جمعية "أنا إنسان" لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة إنّ القانون والنظام متكاملان لكن المشكلة تكمن في التطبيق والتفتيش على المنشآت المشغلة للأشخاص ذوي الإعاقة، خصوصا وأنّ تشغيل ذوي الإعاقة يأتي من باب "الشفقة".

 

وتوضح ياغي لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنّ ذلك يترك شعوراً سيئاً لدى ذوي الإعاقة لكونه يشعرهم بالانتقاص وعدم القدرة على تأدية الواجب، يرافق ذلك أيضاً كراهية من زملائهم في العمل لكونهم ربما يحصلون على تسهيلات من صاحب العمل أو مغادرات أكثر.

 

فضلاً عن ذلك، تلفت ياغي إلى أن قسماً آخر من أصحاب العمل يستغل حاجة ذو الإعاقة له، من خلال زيادة الإنتاج المطلوب منه بناءً على تسميته كصاحب همة عالية وبأجر أفل من زملائه، ما دفع الكثيرين إلى ترك العمل.

 

تتلقى الجمعية كل شهر بين 10 – 17 طلب من ذوي الإعاقة للعمل للتواصل مع مؤسسات قطاع خاص غالباً لا يستمر فيه ذوو الإعاقة، ليس فقط لصعوبة البيئة عليهم داخل المنشأة ولكن، لأنّ منظومة المواصلات غالباً ما تحرم ذوي الإعاقة وبخاصة الحركية من استخدامها لأنهم بحاجة مرافق أو سيارة خاصة بهم.

 

"الي بتركوا العمل أكثر من الي بنشغلهم كل سنة" بهذه الكلمات الممزوجة بالحسرة تعلق ياغي على واقع سوق العمل وعدم تهيئته للأشخاص ذوي الإعاقة مع إصدار توصيات مستمرة من قبل الجمعيات بضرورة التعامل والالتزام بالقانون، ذلك لأنّ هذه الفئة تشكل أكثر من 11% من إجمالي السكان وفقاً للتعداد السكاني نهايات 2015.

 

وتذكر ياغي أبرز المواقف التي رافقت عاملين وعاملات من ذوي الإعاقة، منها عاملة في إحدى الشركات وضع صاحب العمل مكتبها تحت الدَّرج لتكون بعيدة عن الأعين، في حين تسبب عدم تخصيص مكتب قرب دورة المياه بمشكلة كلوية لفتاة من ذوي الإعاقة الحركية اختصرت شرب المياه خلال ساعات الدوام الرسمي لتجنب صعود الدرج واستخدام الحمام.

 

ولا تقف المشكلات عند هذا الحد؛ حيث تشير إلى أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة من أقل الحاصلين على الأجور لأنّ العديد من أصحاب العمل يعتبرونهم "زيادة عدد" في المنشأة وبخاصة في ظل قلة الفرص لهذه الفئة فيستغلون تمسكهم بالعمل.

 

كل ذلك رافقته مشكلات جائحة كورونا، حيث كان الأشخاص ذوو الإعاقة أول من تعرض للفصل من العمل أو إنهاء الخدمات جراء الخسائر الاقتصادية التي نجمت عن الجائحة.

 

وتلخص ياغي مشكلات الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل بمحدودية وسائل النقل المهيئة لهم والرواتب القليلة، إضافة إلى الأشخاص المشغلين لذوي الإعاقة كـ "شفقة"، حيث لا يشعر ذوو الإعاقة أنهم موظفون طبيعيون عاديون.

 

فضلاً عن ذلك، يصعب إيجاد فرصة للأشخاص ذوي الإعاقة، وفقاً لياغي، بسبب المهارات العالية التي يطلبها أصحاب العمل أو الإدارات الكبرى كالشركات العالمية، علماً أنّ إدماج هذه الفئة في التعليم والجامعات جاء متأخراً في الأردن، ما يعني أن أعداداً قليلة هي فقط من تمتلك مهارات عالية.

 

وطالبت ياغي بتكثيف التفتيش في مجال العمل وألا تكون الجهة المفتشة من قبل وزارة العمل وحدها وإنما إشراك منظمات حقوقية والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

 

من جهته، يوضح الناطق باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت زيتاوي أنّ مشكلة العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة تأخذ منحى آخر، يضاف إلى الانتهاكات العمالية اليومية، فهم قد يحصلون على أجور أقل وعمل أكثر، فضلاً عن عدم مراعاة متطلباتهم الأساسية بحسب الإعاقة.

 

ويقول زيتاوي لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ المجلس يتلقى شكاوى من قبل ذوي الإعاقة معظمها تكون حول التدابير التيسيرية في بيئة العمل غير اللائقة، كتوفر المصاعد أو البرامج الناطقة بالإضافة إلى عدم وجود مترجمين للصم والبكم في منشآت العمل.

 

ويبين أنّ القانون يهدف بالمقام الأول إلى "تغيير الصورة النمطية عن هذه الفئة والاعتماد عليها وفقاً لتخصصاتها الجامعية أو مهاراتها العملية وليس مدى مناسبة المهنة لهم بتقدير من صاحب العمل".

 

 حيث غالباً ما تعتمد المنشآت تشغيل ذوي الإعاقة البصرية كمأمور مقسم هواتف أو "كول سنتر" في حين لا يأبه أصحاب العمل لبعض المهارات التي يتقنها العاملون والعاملات من هذه الفئة في حال توافر المتطلبات الأساسية للعمل.

 

ووفقاً لزيتاوي، بلغ عدد الشكاوى المنظور فيها لدى لجنة تكافؤ الفرص التابعة للمركز 15 شكوى منذ مطلع العام الحالي بما يخص قضايا العمل جلها تتعلق بعدم توفر البيئة المناسبة لذوي الإعاقة، مبيناً انّ معظهم تحل ودياً بعودة العمال إلى مكان العمل بعد تصويب الأوضاع.

 

ويشدد على ضرورة توفير متطلبات ذوي الإعاقة في بيئات العمل وبخاصة بعد إقرار النظام أخيرا، حيث يتوجب على أصحاب العمل تجهيز بيئات مناسبة كالبرامج الناطقة وترجمة الصم والبكم والمصاعد والحمامات الخاصة بذوي الإعاقة

 

أما بما يخص النظام الصادر أخيرا، ينوه إلى تطبيقه للحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية للحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والقانون الأردني، إلّا أنّ المجلس يحتاج لشهور أخرى لكشف ما إذا كان هناك ملاحظات يطالب بتعديلها فيه.