الأردنيات ثم الأردنيون

الرابط المختصر

 

 حينما خرجت مظاهرات مارس/آذار 1954 في مصر بتحريض وتحضير من مؤيدي الرئيس جمال عبد الناصر مطالبةً بسقوط الديمقراطية والحرية نكايةً باللواء محمد نجيب ومناصريه الذين سعوا إلى إعادة الحياة الحزبية إلى مصر، ظن البعض أن تلك المظاهرات سجلت المقياس الأدنى الذي يمكن أن تصل إليه الشعوب المغيبة انحداراً في قيمها وثقافتها ووعيها الجمعي بفعل الحركات والتيارات الأكروباتية لبهلوانات اللعب على حبال القومية والوطنية والاشتراكية والعادات الاجتماعية والعقيدة الدينية.. ليأتي قوم آخرون من بني جلدتنا فيسجلوا سبقاً في المتاجرة بالقيم والمجاهرة ببيع المبادئ والذمم على مرأى من جموع الشعب وفي بيته وتحت قبته.

 تفاصيل الرفس والعفس الذي حدث في بيت الشعب يوم أمس لا يستأهل حتى مجرد التطرق له لأن مكان اختصاصه في إستوديوهات تحليل مباريات مصارعة الثيران وليس مقالات الرأي، ليبقى الأمر الوحيد واجب الترديد والتأكيد؛ هو حقيقة سطوة التيارات الفكرية المتطرفة العنيفة على مظاهر الحياة كافةً المدنية منها والسياسية ونجاحها في التأثير ليس على غالبية الشارع فحسب بل على عدد لا يستهان به من ممثلي الأمة الذين يفترض أنهم حماة الديمقراطية ورافعة العمل السياسي بما يتضمنه من اختلاف وتنوع وقبول للمختلف.

 لم يتحمل وعي عدد من المغيبين الحاضرين الغائبين؛ كلمةً تضاف إلى عنوان فصل في الدستور تشير إلى (الأردنيات) جنباً إلى جنب مع كلمة (الأردنيين)، حيث قام حزب جبهة العمل الإسلامي بتوثيق موقفه المعوج بهذا الخصوص منذ أسبوع من خلال مذكرة أرسلها إلى اللجنة النيابية رافضاً فيها إضافة هذه الكلمة بدعوى أنها “غير ضرورية لأن كلمة (الأردنيين) تشمل الجنسين، وأن استخدام هذه الكلمة سوف يثير إشكاليات قانونية كثيرة..”، ثم أبى الحزب إلا أن يكون حتى النهاية متصالحاً مع نفسه المرتابة من الإنسان وحقوقه، فأعلن عن رفضه إضافة عبارة (كافة أشكال التمييز) في المادة السادسة من الدستور في الفقرة المتعلقة بتمكين المرأة، والسبب هو ذاته المتداول بالنقل والتنقّل دون تدبر وتعقّل: “استغلال هذه العبارة للمساس بالأسرة وتماسكها من خلال القوانين ذات الصلة..”.

 كما هي عادة التيارات الإسلامية وديدنها، ترمي قذائف صوتية متتالية ودخان يملأ المكان، دون أن تعطي سبباً أو حجةً واضحةً في سياق محدد يمكن مناقشته، كيف لا وهؤلاء كما قلنا مراراً وتكراراً هم ملوك التعميم والتعويم، فلم يبين أي منهم بكلمات فصيحة أو أمثلة عملية صحيحة الأشكاليات القانونية المتوجَس منها التي سوف تثيرها إضافة كلمة (الأردنيات)، كما لم يبح مرضى حساسية حقوق الإنسان هؤلاء بالتبعات المزعومة الخطيرة التي سوف تترتب على قوانين الأسرة وتماسكها بسبب إضافة عبارة (من جميع أشكال التمييز). ذخيرة التيارات الإسلامية في هذه المعركة المفتعلة التي قد تنتصر فيها لتخسر المزيد؛ كانت كما هو الحال دائماً في غزوات إهدار الحقوق والحريات عبارة عن عبارات مستمدة من قواميس الإرهاب الفكري والتخوين الغوغائي المعهودة وصراخ واتهام لمن يعارضهم الرأي أنهم دمى تحركها مكالمات ترد إليهم من الحكومة أو جهات أجنبية.

 المفجع المضحك تبني عدد ممن وصلوا إلى العمل العام بقدر الله وتقديره من المذبذبين الذين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ للحجة السخيفة التي تبنتها التيارات الإسلامية والقوى المحافظة المعارضة للتعديلات الدستورية والتي فحواها؛ (كفاية كلمة الأردنيين للدلالة على الجنسين)، فتصدى متبنوا هذه الحجة الفاقدة للسند اللغوي والمنطقي للدفاع عن اللغة العربية بعبارات وجمل ركيكة مفككة يشوبها اللحن والأخطاء بلغت من النشاز حد جعلت سيباويه وأبو الأسود الدؤلي يتقلبان في مرقدهما ذات اليمين وذات الشمال، حيث انبرى غيور مقهور مغمور من بين الجموع بصوت مختنق بالكاد مفهوم ومسموع، فصاح في المجلس مستغيثاً أن: “كلمة (الأردنيون) تكفي وتشمل الجنسين وأن هذا هو صحيح اللغة العربية والتزيد بإضافة (الأردنيات) هو تشويه للغة القرآن وأمر معيب..”.

 المعيب حقاً هو القول بغير علم ولا كتاب منير وليس ما يدعيه كل ضحل الثقافة محدود التفكير. فمن ناحية أولى، إذا كانت كلمة “الأردنيين” كما يحتج هؤلاء تشمل الجنسين، فما الذي يضيرهم من إضافة كلمة “الأردنيات” ويقاومونها بشراسة فاقت بمراحل جهود أمم الأرض مجتمعة لمكافحة فيروس كورونا بمتحوراته؟ لماذا هذا الصلف والعنت في الرفض في مسألة يعتقدون أنها تزيّد ولن تغير من الأمر شيء؟ هل يكذبون أم لا يفقهون أم جمعوا بين السوءتين؟ ومن ناحية ثانية، فإن الحديث عن “تشويه اللغة.. واستخدامها بشكل خاطئ بإضافة ما لا يلزم لأن الكلمة المستخدمة (الأردنيين)تشمل الرجل والمرأة ولا يجوز استخدام كلمة لكل جنسعلى حدا انسجاماً مع السياق وضرورة التوافق والاتساق..”، فذلك هو البرزخ بين المأساة والملهاة الذي يتيه فيه المرء فتختلط عليه المشاعر بين بكاء القنوط واليأس وضحك من يرى عورة وعوار حكماء المدينة من أخمس القدمين حتى الرأس، فلو تأمل المتنطعون المحتجون بهذا القول من المتدثرين بثوب الحق مريدي الباطل عدداً من آيات القرآن الكريم مثل آية (35) من سورة الأحزاب التي يقول فيها الله تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”، لعرفوا حكمة وعظمة إيراد التأنيث جنباً إلى جنب مع التذكير في مقام الأوامر والنواهي والحقوق والواجبات ولما هرفوا بما لا يعرفو وللاذوا بصمت الخائبين فلا تسمع لهم ركزا.

 الاعتذار والمصالحة يجب أن تكون للأردنيات وليس لمن تبادلوا اللكمات والصفعات والنابي من الكلمات، وللأردنيات خالص العزاء بزميلات لم يمنعهن الحياء من الوقوف إلى جانب الجلاد وكأنهن في واد وركب الحضارة في واد، والأردنيات أجدر أن يتصدرن نصوص الدستور ويسبقن الأردنيين بكلمات من نور.