الأخبار السياسية تجلب الإحباط للأردنين
خمس دقائق وحسب يقضيها أبو محمد أمام شاشات التلفاز الإخبارية لمتابعة المستجدات سواء في الساحة العربية أو المحلية، وبعدها يبدأ الشعور بالإحباط والكآبة يتسلل لداخله نتيجة للأخبار السيئة.
لم يعد أبو محمد وهو تاجر في وسط البلد بنفس الشهية لممارسة هوايته السابقة بمتابعة الأخبار والتحليلات السياسية على الصعيد العربي بعد أن اتخمت الشاشات الفضائية بمناظر الدماء والقتل والقمع،على حد قوله.
على الصعيد المحلي يقول أبو محمد أنه سئم الأخبار الداخلية لأنها "كاذبة" في مجملها، ويسوق مثالاً "ما نسمعه بالقنوات المحلية عن استقرار الأسعار قبيل رمضان لنتفاجئ عند دخولنا الأسواق بأسعارها الباهظة لذا سئمت الكذب" وفقاً لوصفه.
"كله كذب بكذب" يقول الشاب معاذ النوباني 25 عاماً مبرراً سبب عزوفه عن متابعة الأخبار التي صار يلتقطها من المجالس والأحاديث.
أصيب معاذ بالكآبة نتيجة متابعة أخبار الدمار والقتل في الدول العربية، أما أخبار النواب والغلاء فقد اعتاد عليها بعد أن أصابه الغم "لشدة متابعتنا لأخبار رفع الأسعار لم تعد الأخبار تشكل فرقاً".
يؤكد النوباني أن كل قناة تبث ما ترغب به من وجهة نظرها "وأنا بدء يصيبني الدوار بحثاً عن الصدق".
ويقدر عدد الأشخاص المصابين بالاكتئاب محليا من الأردنيين بـ مئتي الف شخص فيما يبلغ عدد الذين يعانون من الاكتئاب عالميا حوالي 350 مليون شخص وفق لمنظمة الصحة العالمية.
ربة المنزل سوسن علان تجلس قرابة ساعتان بعد أن تفرغ من أعمالها أمام الشاشات الإخبارية لتتابع بإهتمام أحداث مصر إنتهاءاً بعزل الرئيس محمد مرسي.
تشعر سوسن بالإحباط الشديد تجاه أحداث الربيع العربي عموماً والمصري خصوصاً، تؤكد سوسن أنها بدات تفقد الأمل بأن الأمور ستسير نحو الأفضل "نحن كأفراد غير راضين عن الوضع".
وتقاوم سوسن الإحباط الذي قد يصيب النفس بسبب الأخبار من خلال محاولتها للتغيير و"لن أسمح بأن أصاب بالضغط والسكري نتيجة للأخبار السيئة".
سكرتير التحرير العام في صحيفة الغد موفق ملكاوي يعتقد أن الإرتباط الوجداني بين العرب يحتم متابعة الأخبار الخارجية، كما أن الإحباط الكبير يصاب به العربي نتيجة عدم الإستقرار في بلده وعدم توفر الحد الأدنى من الحرية والديمقراطية، والعدالة والمساواة.
يتابع ملكاوي الأخبار بحلوها ومرها ليلاً نهارا بحكم وظيفته يقول "المتابعة للأخبار التي نعيشها منذ عامين ونصف تصيب بالكآبة".
يحاول ملكاوي التعامل مع المهنة الصحفية بشكل محترف من خلال فصلها عن أهل بيته كي لا ينقل لهم الطاقة السلبية الناتجة عن الأخبار "لكن لابد أن يكون لها أثر بشكل أو بآخر".
خبير علم النفس محمد الحباشنة يرى أن "التخمة الإعلامية" التي تصيب الفرد من خلال متابعة الخبر ذاته من خلال التنقل بين عدة شاشات تنقل عدة وجهات نظر لا تضيف شيئاً نوعياً للدماغ بقدر ما تربكه.
كما أن التفرغ لسماع المعلومة السياسية أو الإقتصادية بحسب الحباشنة لا ينقل من حالة التفكير إلى الفعل وبالتالي "التمسمر" أمام التلفاز قد تقود إلى إرباك فكري ومعنوي إضافة لحالة من إدمان المعلومات الغير مفيد على حد قوله.
ويضيف الحباشنة أن متابعة مشاهد العنف والإيذاء بإستمرار قد يقود ايضاً لما يسمى بـ "إضطراب ما بعد الصدمة" أو "إضطرابات الخوف ولارهاب" أو الخوف من المستقبل والكآبة.
ويرى الحباشنة أن موجزين للأخبار يومياً قد يكون مفيداً للحصول على المعلومة دون الوصول للحد الضار.
قد لا تنعكس متابعة الأخبار الدامية أو الكئيبة على الفرد وحده إنما تتعداه لتشمل أفراد الأسرة على إختلاف أعمارها والتي قد تضطر لمتابعة ما يشاهده رب الأسرة عبر الشاشات الإخبارية.
دكتور علم الإجتماع سري ناصر يعتقد بأن الأخبار السياسية التي تصيب الفرد بالكآبة قد تقود "للإنتحار" وذلك حسب قربة الحدث من الفرد.
ويرى ناصر أن المجتمع الأردني يشكو من الكآبة بشكل غير متفاقم على الصعيد السياسي "أما على الصعيد الإقتصادي فقد شهدنا حالات الإنتحار".
وفقاً لناصر فإن رب الأسرة قد يجلب معه الأخبار السيئة للمنزل، ما قد يؤثر على صحة أبنائه النفسية خصوصاً وأن على الآباء أن يكونوا مصدر العطف والأمان للأبناء.
هذا وقد رفض عشرات المواطنين ممن حاول "عمان نت" مقابلتهم الحديث في موضوع الأخبار بحجة أنها "كآذبة" و"تصيب بالقرف واليأس" وفقاً لتعبيراتهم.