اغتيال شكر وهنية يضع "محور المقاومة" أمام اختبار الردع مجدداً

الرابط المختصر

نفذت إسرائيل خلال 24 ساعة عمليتيّ اغتيال لقادة كبار في حزب الله اللبناني وحركة حماس، ففي 30 يوليو 2024 أكد الجيش الإسرائيلي مقتل رئيس غرفة العمليات في "حزب الله" اللبناني فؤاد شكر المعروف باسم (الحاج محسن) في قصف استهدف مبنى يتواجد به في الضاحية الجنوبية من بيروت، وفي 31 يوليو، أعلنت حماس عن مقتل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في ضربة صاروخية محدودة بمقر تواجده في شمال العاصمة الإيرانية طهران.

سياق مهم وتوقيت حاسم
تلاقت عمليتا الاغتيال في التوقيت، لكنهما تختلفان في السياق نسبياً، فقد جاء اغتيال القيادي في "حزب الله" في إطار الرد الإسرائيلي على هجوم "مجدل شمس"، والذي اتهم الجيش الإسرائيلي "حزب الله" بتنفيذه، فيما يأتي اغتيال إسماعيل هنية في سياق عودة إسرائيل لنهج الاغتيالات ضد قادة حركة حماس في الداخل والخارج، وتسويق اغتيالات القادة على أنه انتصار نوعي للحكومة الإسرائيلية؛  فمنذ أن نفذت أولى عملياتها باستهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في 2 يناير 2024، كانت تراقب تحركات قادة حماس وتصرح عن ذلك علناً. وأما اختيار طهران فقد كان على ما يبدو لتجنب التبعات السياسية والدبلوماسية لاستهداف هنية في مقر إقامته بقطر، ولامتلاك إسرائيل بُنية لوجستية ومعلوماتية وعملياتية في إيران وقدرة عالية على الوصول، وحول آلية التنفيذ فهناك احتمالين، الأول: أن يكون الهجوم قد انطلق من داخل الأراضي الإيرانية بالنظر إلى عمليات إسرائيل السابقة في الداخل الإيراني والتي لا تقل تعقيداً، إما باستخدام طائرة مسيرة، أو كما تزعم تحليلات أمنية إسرائيلية بأن الاستهداف تم باستخدام صاروخ من طراز "سبايك" أطلق من موقع قريب لتواجد هنية، إلا أن مصداقية ذلك الطرح تتطلب عملية مركبة لإدخال الصاروخ وتجميعه داخل إيران، وضمان عدم وصول الحرس الثوري إلى تقنية الصاروخ المستخدم. أما الثاني: أن يكون مصدر الهجوم من خارج الحدود الإيرانية، إذ ادعت مصادر إيرانية أن الصاروخ أُطلق من دولة مجاورة.

 

من هنا؛ تتقاطع العمليتان في صلتهما بالتصعيد العام في المشهد بين حزب الله وإسرائيل، وفي العلاقة مع إيران، حيث تم استهداف هنية، وبُحكم تنسيق طهران لتصعيد حلفائها ضد إسرائيل، وفي كلتا الحالتين فإن حجم ومكانة الشخصيات المستهدفة يكشف عن أوجه من الضعف النسبي لحزب الله وإيران في مواجهة الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي الواضح لكليهما، جنباً إلى جنب مع عمليات الاغتيال التي نفذت منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023 والتي طالت قادة في حزب الله وفيلق القدس وقادة لحماس من المتواجدين في نطاق حمايتهما. وذلك كُله يضع إيران وحلفائها في اختبار موازنة الردع، وتحديداً في خيارات الرد، التي تكاد تنحصر بين رد شكلي يُبقي المبادرة بيد إسرائيل، أو رد مكافئ يُوازن كفة الردع معها، أو رد يعيد للمحور المبادرة كما حدث أعقاب 7 أكتوبر، لكن هذا الأخير قد يدفع إلى المواجهة المباشرة المفتوحة، وهو ما يبدو أنه خيار مستبعد لإيران.

ماذا بعد عمليتي الاغتيال؟
تتمثل نقطة الانعطاف في التصعيد الإسرائيلي الأكثر خطورة ضد ما يسمى بـ"محور المقاومة" منذ اندلاع الحرب، ليس فحسب في شخصية المستهدفين، بل من حيث عامل التوقيت الذي تدخل فيه الحرب في قطاع غزة "مرحلة مفصلية" في ظل المستجدات الميدانية والتعقيدات المحيطة بمفاوضات وقف إطلاق النار، وتتصاعد فيه حدة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله منذ منتصف يونيو، وسط تحذيرات دولية بإمكانية تحول الاشتباك المحدود إلى حرب مفتوحة. وبعد مضي أيام من الزيارة التي أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة.

في الواقع؛ تضع العمليتان المنطقة في "ظروف استثنائية"، من جهة اعتراف "محور المقاومة" بحجم الاستهداف وتلويح أطرافه بالرد، وبذلك فإن المنطقة على موعد مع أربع هجمات انتقامية مُقبلة من إيران وحزب الله وحماس، إذا ما أضفنا جاهزية الحوثيين للرد على القصف الإسرائيلي الذي طال مدينة الحديدة، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن اغتيال هنية يستدعي رد حركة حماس من جهة، وإيران حيث قُتل من جهة أخرى. وهو ما يضع خيارات الرد القادمة ضمن مسارات متعددة:

يتمثل المسار الأول في أن يكون الرد جماعياً، عبر هجمة واحدة أو هجمات مُركبة، ضد منشآت استراتيجية أو عسكرية في العُمق أو في الشمال الإسرائيلي، وذلك من أجل تشتيت قُدرة إسرائيل على تنفيذ ضربة مُقابلة.

أما المسار الثاني فهو أن تُفضل إيران عدم المشاركة في الرد بالنظر إلى موقفها من هجمات استخباراتية سابقة أكثر تعقيداً، طالت قادة وعلماء إيرانيين في الداخل، ومرت دون أن تلقى رداً انتقامياً، وترد الأطراف الأخرى بشكل منفرد، حيث تكتفي حركة حماس بتنفيذ هجمات داخل القطاع، والحوثيين بتنفيذ هجمات في البحر الأحمر أو تبني هجمات في البحر الأبيض المتوسط، وبشكل يسلط الضوء على رد حزب الله الذي يُفترض أن يكون الأكثر حدة.

المسار الثالث هو أن تقوم إيران بالرد بشكل منفرد، وبالنيابة عن المحور عبر أجهزتها الاستخباراتية ومن خلال تنفيذ عمليات اغتيال خاصة لشخصيات إسرائيلية سياسية أو أمنية أو عسكرية، فقد أظهرت سابقاً قدرة على اختراق المستوى السياسي، بعدما اتهم وزير الطاقة الاسرائيلي غونين سيغيف بالتجسس لصالح طهران، وحصولها منه على معلومات ومواقع أمنية إسرائيلية.

مع ذلك؛ من غير الوارد أن تقود عمليتا الاغتيال لتغير في مسار التصعيد بشكل عام، خاصة وأن هناك صعوبات عملية ولوجستية تحول دون انجرار "محور المقاومة" أو أحد أطرافه إلى حرب مباشرة مع إسرائيل، في ضوء حجم الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي، وعدم الوقوف على نطاقه وحدوده، وفي ظل ما ألحقته سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية من أضرار في هيكل القيادة والسيطرة الميدانية لحزب الله، وحاجة الحزب لمدة زمنية طويلة من أجل استبدال القيادات بآخرين مؤهلين، وذلك بحسب المقاربات السابقة، حيث تعاني إيران من إيجاد بديل لقاسم سليماني، والأمر ذاته بالنسبة لقيادات في حزب الله مثل عماد مغنية وغيرهم، إلى جانب الأضرار التي لحقت بشبكة الدعم الاستخباراتي واللوجستي الإيرانية المتواجدة في سوريا. بالإضافة لتجديد الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل وتأكيدها بالدفاع عنها، بالتزامن مع تحريكها لقوة الرد السريع التابعة لمشاة البحرية باتجاه الشرق المتوسط في 30 يوليو.

نظرة مستقبلية؛ لا يبدو أن الظروف الراهنة كفيلة بانتقال المواجهات إلى حالة حرب مباشرة، ليس فحسب من جهة قراءة الوضع الراهن لأطراف "محور المقاومة"، بل وبحسب الحالة الإسرائيلية، مع النقص المُعلن في الذخائر والمعدات العسكرية، واستمرار العمليات في قطاع غزة دون أفق واضح لانتهائها. مع ذلك فإن الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن يتحول التصعيد إلى مناورات واسعة محدودة أمراً وارداً، وتحديداً بين حزب الله في إطار الرد على اغتيال شكر، وفي سياق حاجة إيران لاستعادة الردع مع إسرائيل، وقد يكون ذلك التصعيد محدوداً في نطاقه الجغرافي، لكن واسعاً في مستوى اشتباكاته سواء البرية والبحرية والجوية.

أضف تعليقك