ابتسم أيها الجنرال، مسلسل أثار لغطاً كبيراً فهل يستحق ذلك؟

الرابط المختصر

يعد “ابتسم أيها الجنرال” أكثر المسلسلات السورية حظي بشهرة قبل عرضه في الموسم الرمضاني الحالي نظراً لشهرة مؤلفه السابقة سامر رضوان في كتابة أعمال درامية غير مسبوقة من ناحية الجرأة ومثيرة للجدل ومعارضة معارضة “حقيقية” للسلطة في آن لتركيزه على أن “الفساد” هو أصل كل البلاء في الأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011.

ولكن ما أن بدأ عرض حلقاته الأولى مع مطلع شهر رمضان المبارك حتى تباينت الآراء حول أهمية هذا العمل الدرامي الذي يشير اسمه علانية إلى رواية “خريف البطريرك” للروائي الكولومبي الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز والتي تحكي قصة السلطة المطلقة التي يتمتع بها الطاغية العسكري.

وجاءت أهمية المسلسل إثر تسريبات سبقت عرضه قالت إنه سيتناول جزء من سيرة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أو من سيرة نجله الرئيس الحالي بشار الأسد، ومعظم ممثليه هم ممن يوصفون بـ “المعارضين للنظام”.

التهرب من التوثيق

تنصلت الجهة المنتجة من أي توثيق تاريخي، إذ تظهر مع بداية كل حلقة عبارة “جميع شخصيات المسلسل وأحداثه من وحي الخيال، وإن أي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادفة”، ومثل هذه العبارة تعفي صناع العمل من التقيد بالوقائع التاريخية، وتسهل مهمة الرد على أي تحريف لحوادث تاريخية بالقول إن العمل محض خيال.

حكمة في كل حلقة

بالإضافة إلى عبارة التنصل من مسؤولية التقيد بالحوادث التاريخية في بداية كل حلقة من المسلسل، تظهر جملة جديدة هي عبارة عن إحدى حكم كتاب “الأمير” لكاتبه الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469 – 1527) المعروف بنصائحه الأميرية حول كيفية الاحتفاظ بالسلطة، وهو ذاته صاحب الجملة السياسية الأشهر في العالم “الغاية تبرر الوسيلة”.

مسلسل هجين

شاء صناع “ابتسم أيها الجنرال” تجنب الواقعة التاريخية الموثقة، لنكون، أمام مسلسل هجين، يتحدث عن دولة متخيلة اسمها “الجمهورية الغربية” ورئيسها فرات الذي يجسده الممثل مكسيم خليل، والصراع الدائر في كواليس القصر الجمهوري، وأروقة مكاتب المخابرات المعتمة وقيادة الأركان المسؤولة عن الخطط العسكرية وتحريك القطعات.

وبعد عرض (ست)حلقات من مسلسل ابتسم إيها الجنرال، وبعيداً عن هذا وذاك، بدا العمل متواضعاً إن لم نقل مخيباً للآمال بعد كل ما أثير حوله وخاصة أنه لم يعرض في أي قناة رسمية أو قناة شهيرة ذات شعبية إنما في قناة (تلفزيون سوريا) المعارضة الممولة من قطر ومقرها تركيا، ولتعيد منصة “العربي”، القطرية هي الأخرى، بث حلقات المسلسل عبر اليوتيوب بعد ساعات قليلة من عرضه تلفزيونياً.

التصوير والإضاءة

أبرز الانتقادات يمكن أن توجه إلى الصورة والإضاءة الخافتة التي تخفي ملامح الشخصيات، وهذه الإضاءة الخافتة يلجأ إليها المخرجون، عادة، في لقطات ومشاهد معينة للتعبير عن حالات درامية خاصة، أما أن تكون جميع مشاهد العمل مصورة وفق هذه التقنية، لتصبح إحدى مثالب العمل التقنية.

تمثيل غير متناغم

الانتقاد الثاني هو الفارق الكبير في الأداء بين ممثلين معروفين مثل مكسيم خليل وعبد الحكيم قطيفان ومازن الناطور ومرح جبر وسوسن أرشيد وعزة البحرة، رغم التفاوت بين أداء هؤلاء نفسهم والذين يعدون من الصف الأول، وممثلين مبتدئين يبدون وكأنهم لأول مرة يقفون أمام الكاميرات.

لا بلح الشام ولا عنب اليمن

ربما أخفق صناع مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” أيضاً في جعل لكنة أو لهجة معينة سائدة في حوار أبطال العمل شبيهة بلهجة “أهل القصر” الخليطة في حال رغب مؤلفه أخذنا في ذاك الاتجاه، ولم يتمكن من توحيد تلك اللهجات لتصبح بيضاءً أكثر وتطغى على كامل الحوارات بين أبطال المسلسل.

مثل هذه الفوارق في مستوى الأداء تخلق نوعاً من التنافر، ولم تنجح في منح العمل إيقاعاً متناغماً يحرص عليه المخرجون، عادةً، عبر الاعتناء باختيار أبطالهم وممثليهم وفق مقاييس تقود في النهاية إلى تكامل أدوارهم معاً، غير أن ذلك لم يتحقق في “ابتسم أيها الجنرال”.

الجرأة ليست جديدة

ورغم ما قيل عن المسلسل الذي كتب له السيناريو سامر رضوان، قد أنجز بعيداً جداً عن مقص الرقيب، وإنه سيشكل سابقة في مجال الدراما، واختراق ملفات مسكوت عنها، إلا أن ما رأيناه في الحلقات الأولى هو مجرد ثيمة نمطية تكررت في عديد من الأعمال عن الصراع على السلطة، وخفايا أجهزة المخابرات التي تلتقط كل شاردة وواردة من أجل ضبط الأمن وحماية الرئيس وحاشيته، فلا جديد هنا أيضاً.

إيجابيات

ربما تكون مخيلة الكاتب سامر رضوان التي ذهب بفكرته بعيداً جداً -حيث القصر الجمهوري وأحداث لا يراها أحد باستثناء الحلقة الضيقة المقربة جداً من الرئيس- عن أي فكرة مشابهة إحدى الإيجابيات التي تسجل لصالحه، بالإضافة إلى -وهو الأهم- التأكيد دوماً على أن “الفساد المتغول سياسياً واقتصادياً واجتماعياً” هو أصل كل بلاء وسبب انهيار الدولة وهي على ما يبدو أن الكاتب اتخذه “إنجيلاً” في جميع أعماله السابقة وخاصة مسلسل “الولادة من الخاصرة” ليظهر عمق شخصيته ومداركه السياسية كمعارض. 

لم تنته جميع حلقات المسلسل، وعملياً، لا يمكننا الحكم عليه ككل، ولكن ما بدا كسلبيات يمكن تفاديها في حالة واحدة هي ما دام الكاتب سامر رضوان وضع أمامه هذا التحدي في أن يوعد الجمهور بعمل غير مسبوق وصلت به الجرأة إلى سرد تفاصيل داخل القصر الجمهوري هو أن يكمل ويوضح ما وصل إليه في باقي حلقات المسلسل وأن يظهر كيف تدار السلطة من جانبها السياسي أيضاً ولا يعتمد كثيراً على “الأكشن” والأهم من هذا تسليط الضوء على “كيف يدير الاقتصاد في البلدان الفاسدة سياسياً” وأن يعطينا نماذجاً من هذه الجوانب حتى يكون العمل متكاملاً على قدر جرأته وتحدياته.

<img decoding="async" width="1024" height="587" src="https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023-1024x587.webp" alt="" class="wp-image-612007 lazyload" srcset="https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023-1000x574.webp 1000w, https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023-1024x587.webp 1024w, https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023-768x441.webp 768w, https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023-400x229.webp 400w, https://arabic.arabianbusiness.com/cloud/2023/03/30/Smilegeneral28032023.webp 1180w" sizes="(max-width: 1024px) 100vw, 1024px" />

خريف البطريرك

كل من قرأ رواية “خريف البطريرك” وغاص في وأحداثها وتفاصيل حبكتها وعباراتها المجلجلة، سيعلم أن هناك ربط ما بينها ومسلسل “ابتسم أيها الجنرال” وخاصة في الفصل الأخير من الرواية؛ التي حاز كاتبها على نوبل للآداب في 1982 عن روايته الأشهر والأكثر مبيعاً حول العالم مئة عام من العزلة، حيث تحكي تفاصيل نهاية الطاغية الذي لم يقدر أحد عليه سوى “شخص يبدو أنه قادر على التسلل من ثقوب بابه دون أن يمس الأقفال، والرتاجات فهو يدخل ويخرج على هواه…. إنه الموت…. سيدي الجنرال”.

وعلى الرغم من عدم معرفة كيف ستكون نهاية “الجنرال” في مسلسل سامر رضوان قبل وصولنا للحلقة الـ 30، إلا أن نهايته في خريف البطريرك كانت كلعنة ضحاياه الكثر تطارده باسم “عزرائيل ملك الموت” الذي يأبى أن يستسلم له “الجنرال” فيصرخ في وجهه “ساعتي لم تحن بعد.. ينبغي أن أموت نائماً وفي مكتبي، كما قرأت العرافات في قصعات الزيت” ليجيبه صاحب الحقيقة الوحيدة “كلا.. جنرال، لن تموت إلا هنا، حافي القدمين، مبهدل الثياب”.

وليدرك الجنرال في تلك اللحظات “بعد سنوات من الوهم، أن المرء لا يحيا، وإنما يناضل من أجل البقاء، ويتعلم بعد فوات الأوان أنه مهما طال به العمر، لن يستطيع أن يتعلم أكثر من كيف يعيش؟”.. وينتهي بموته “عصر الأهوال المديد”.