إنقاذ التحديث يتطلب التبيض و التغيير

لقد جاءت منظومة التحديث السياسي، لإحداث نقلة نوعية حقيقية في الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية وللتحديث على النظام السياسي الأردني، بإرادة ملكية سياسية، لتلتقي مع الإرادة الشعبية كمتطلب وطني وضرورة تاريخية في التحديث والتطوير نحو دولة وطنية ديمقراطية حديثة، وصولاً إلى الحكومات الحزبية البرلمانية .

إن هذا المشروع الوطني الكبير، سيحدد مستقبل الأردن السياسي، وهي استجابة لمواكبة تطورات العصر، ومتطلبات النظام البرلماني ليعبر عن إرادة الشعب وبأن الأمة مصدر السلطات.

إن المرحلة الإنتقالية التي تمر بها المملكة، تتطلب :

- تبيض السجون من كافة المعتقلين والمتعثرين ومن المحكومين، بإستثناء قضايا، المخدرات، وقضايا الشرف، والقتل العمد بغير صلح، والخيانة العظمى.

إن التبيض يعطي فرصة لإشاعة الإجواء العامة الإيجابية في البلاد، و التبيض كان على الدوام من نهج الدولة الاردنية بقيم وتقاليد هاشمية، وعنواناً لترسيخ قيم التسامح المجتمعي والسلم الاهلي، وبأن الدولة حاضنة لكل أبناءها، ولإستئناف بعضهم مسيرة حياتهم الإعتيادية . 

- إن التحديث السياسي، ومن قراءة للواقع، ووفق استطلاعات الرأي، جميعها تؤكد هذا الإحباط والعزوف وفقدان الثقة، وما يرافق من أوضاع إقتصادية صعبة على المواطنين .

وإنطلاقاً من المسؤولية الوطنية، ولإنجاح هذا المشروع الملكي الإصلاحي بأهدافه الوطنية الكبيرة، وعماد نجاحه يرتكز على الشعب الأردني، وعماده الشباب، الذين يشكلون أغلبية المجتمع الأردني بنسبة قد تتجاوز ٦٨٪، مما يتطلب مراجعة قانون الأحزاب السياسية، لتسهيل إنخراطهم في العمل الحزبي والمشاركة الحقيقية في الحياة السياسية، لإحداث التغير المنشود في تجديد النخب السياسية، وليكون التحديث، مشروعاً في إعادة إنتاج سياسي للدولة وتمكين حقيقي للمواطنين في صناعة القرار، وتحمل المسؤولية الوطنية في إيجاد الحلول لقضاياهم وفق الشرعية الدستورية، ممثلة بأحزاب وبرلمان،

إن التحديث السياسي على بنية النظام السياسي في إدارة شؤون الدولة، يتطلب تجاوز حالة التدوير للنخب، إلى التغير في النخبة السياسية، والتحفيز للعقول والكفاءات الأردنية للإنخراط الفعلي بالحياة السياسية، وهي التي يراهن عليها في تطوير نمط الحزبية، بوضع البرامج والحلول، لحزبية برامجية تنتمي لوطنها، ولتحريك كافة القوى الإجتماعية وفي كافة مناطق المملكة، وذلك لإستعادة الثقة بالدولة سلطات ومؤسسات .

- مؤسسة العرش، وهي الثابت في الدستور الأردني، مع النظام النيابي لنظام الحكم في الدولة، النيابي الملكي الوراثي، ومن السياق الطبيعي، أن تبقى مؤسسة العرش وسط حسابي، لا يقبل القسمة على جهة أو منبت أو اصل أو حزب أو طيف، أو نخبة بعينها ، فالإنتماء للوطن والولاء للدولة بسلطاتها وشرعيتها الدستورية، لا تقبل المزاودة من طرف على طرف، وكذلك الحال لا تقبل الإستقواء من اي طرف كان أو نخبة، بذريعة الإنتماء والولاء، وعلى حساب المجتمع الأردني، والمجتمع الأردني لم يكن يوماً مجتمع نخب ولن يكون.

- التدرج في التحديث، الذي أُعتمد كمبدأ في التشريعات وصولاً للحكومات الحزبية البرلمانية، وهذ التدرج ليأخذ بالواقع المجتمعي الثقافي والسياسي، ولتجاوز كافة السلبيات التي ترافقت مع الحياة الحزبية، ومخاوف الإنتساب إليها، والانتخابات النيابية بسلبيات قوانينها، التي أوجدت ثقافة وسلوكيات إنعكست سلباً على دور البرلمان الوطني، رقابة وتشريعا، إلى حد فقدان الثقة بركن الحكم الأساسي، مما أوجد عزوفاً شعبياً عن المشاركة في الانتخابات، ولتبقى الأبواب مشرعة عن التعبير الشعبي خارج أطر الشرعية الدستورية للدولة. فالتدرج، لم يأخذ بالإعتبار في موضوع الثقافة الحزبية وتشكيل الأحزاب، وهي حجر الرحى في المشروع الوطني الإصلاحي، وكأنها اختصرت لأهداف شخصية محددة. 

- النقلة النوعية لحياة برلمانية وسياسية وحزبية، يجري محاولات إختطافها، بتدوير ذات النخب التي استمرأت وجودها في السلطة، وتحت ذرائع واهية، ومتطفلين على الفكر الحزبي، والإنتقال السياسي مجتمعياً وثقافياً في إدارة شؤون الدولة، وذلك بالإدعاء من ضرورة وجود أحزاب قوية وقبل التحول المجتمعي الثقافي والسياسي، وعلى حساب مسار التحول الإجتماعي المنشود، بأحزاب تتشكل من إرادة المواطنيين، بتحديد أولويات قضاياهم، للتعبير عنها في عملية إنتخابية، وكأن مشروع التحديث السياسي، أصبح لذوي النفوذ ورجال السلطة، ولمن يمتلكون المال، ومن اجل خدمة هؤلاء، جاء التقيد والعوائق والعقبات في تشكيل الأحزاب بحجة التنظيم، ولكن الواقع هو للإبقاء على ذات النخب من النفوذ والمال، علماً بأن كافة الشروط المطلوبة لوجود كتل حزبية برلمانية، وتعزيز الهوية الوطنية للحزبية، قد جاءت بنصوص تشريعية في قانون الانتخابات النيابية، كعتبة الحسم ٢،٥٪ وأن تتشكل القائمة من تسعة دوائر انتخابية، وتمكين المرأة والشباب في مقاعد متقدمة من القائمة الحزبية، والأصل أن تبقى تشكيل الأحزاب ميسرة، لتوطين الحزبية في كافة المناطق كثقافة مجتمعية، ولتؤطر الناس أولويات قضاياها وحاجاتها في إطار التنظيم الملتزم بالقانون والدستور، ولتصبح الحزبية قنوات للعمل السياسي، في إطار شرعية الدولة الدستورية. وفلسفة الحزبية البرامجية، تستند على تنظيم الرأي العام في أطر ملتزمة بالدستور والقانون، لتجذير مفهوم أحزاب الدولة على مختلف أطيافها، ولتعمل وفق منهج الدولة، أحزاب تتوافق مع طبيعة نظام الحكم في الدولة (نيالي ملكي وراثي) بمعنى حزبية كآلية انتخابية برامجية بين الشعب وصولا للبرلمان، وهي ما تعرف لحزبية موازرة البرنامج، وليس حزبية تكتلية شمولية، وما تعرف بحزبية العضوية الملتزمة بعقيدة (سياسية) وسلوك. 

ولكن المؤسف حقاً، أن يتم الإلتفاف على مشروع الوطن الكبير بأهدافه نحو الشعب الأردني، كمشروع شعبي نهضوي تجديدي للدولة الاردنية، وأن يتنطح لهذا المشروع الحداثي، من غير اهل الفكر ولنكتفي بترديد مصطلحات، دون مضمون حقيقي لعملية الإنتقال الفعلي وعلى أرض الواقع وبما يلمسه كل مواطن في أرجاء الوطن ، إلتفاف بالتدوير والتعليب والتفصيل، إلتفاف يكاد أن يفشل هذا النموذج الديمقراطي الأردني المتجدد والنابع من الذات الوطنية الأردنية، لتعزيز بناء الدولة الوطنية الأردنية، هذا التدوير الذي أرهق الوطن واتعب الدولة وافقد الشعب الثقة بكل مشروع إصلاحي. 

نعم لمراجعة سريعة من دوائر القرار، وصانع القرار، بحسم وحزم لإنقاذ التحديث بمتطلبات التبيض وتمكين الشعب من أدوات حقيقية للتغير، نحو دولة وطنية ديمقراطية حديثة في مملكة أردنية هاشمية هادئه ومستقرة مزدهرة . 

أضف تعليقك