إلى صديقي الإلكتروني
لا استسيغ سماع كثير مما يسمى "مشايخ"، ليس لأن بعض آراءهم الدينية أو الفكرية سطحية أو لتشددهم أو لأنهم لا يعرفون كيف يوصلون معلوماتهم للناس، بل لأن كثيرا منهم يكررون حديثهم عن جزئيات فقهية وعقدية خلافية، بعيدا عن ما يوحد الأمة والمجتمع على اختلاف أجياله والأفكار التي يحملونها، يوحدهم في ظل آلاف الظروف الممزقة والمفرقة. عدم الإستساغه انسحب مؤخرا على كل محلل سياسي أو منظر تيار أو حتى ناشط أو صديق الكتروني.
أنماط التدين وأختلاف المذاهب أو الأديان بين عامة الناس أو المواطنين في الدولة الواحدة، سنة كونية، ونظريا يشكل ذلك مدعاة للتنوع والتعلّم والتعارف، كمزيج ألوان توحد في إطار صورة واحدة جميلة.
إلاّ أننا لا نُخرج إلاّ أسوء ما في الليبرالية والعلمانية والسلفية والوسطية واللآدينية إلى واقعنا، ذلك ليس لفهم مغلوط وعميق لما نحن عليه وليس لخلافات لها علاقة بالسلوك الديني والمعتقد بين الأفراد فقط، إنما لدور سياسي أمعل يده فينا.
فاختلاف الناس على مواقع التواصل الإجتماعي أو فيما يجري من حوارات ميدانية _ إن وجدت _ اختلاف على شخص تميم وشعره، وعلى بشار وجيشه، نصر الله وحزبه، انقلابات عسكرية أو خلاف على جماعة وجمعية، منع محاضرة دعوية أو المطالبة بإلغاء وإضافة مناهج تعليمية، وآلية محاربة الأفكار الوهابية والداعشية، مهنية النشرات الإخبارية ... وما إلى ذلك من خلافات أردنية يومية، وإن كان كل ذلك مغلف بصبغة دينية عقدية أو بحرية الرأي والتعبير إلاّ أن منبعه الأول ميول سياسية فردية وجمعوية على حد سواء.
لا زلت مؤمناً بوجود طريق ثالث يرفض حال التعميم المتطرف المنتشر بين جميع التيارات، القصة ليست إمّا جهاد نكاح أو مثلية جنسية، وليست محاربة الأرهاب بإحلال كل ما هو ممنوع بدعوى التنوير والتحرر، وليس من المنطق أن تكون داعش شماعة لمواجهة أخلاق المجتمع أو تحميلها إسقاطاتنا الفكرية والسياسية.
كما تسمح السلطات بإقامة حفلات ومهرجانات غنائية وثقافية فإنه يحق لشريحة واسعة في المجتمع أن تخطط وتنفذ نشاطات دينية وللطرفين الحق في اتباع ما يرغب، لا نريد من أحد ممارسة الوصاية على عقول أحد، وعلى كل الدعاة للمدنية والديمقراطية الحقيقية والحل المدني أن ينتبهوا إلى أن مقالاتهم، وآرائهم خرجت عن الطريق الصحيح لدعوتهم.
وإن كانت البنى الأمنية والسياسية أخطأت في أمساك العصا من المنتصف، وسمحت من خلال سياساتها الخاطئة بتغول طرف على آخر ولم تراع ضرورة الحفاظ على هذا التنوع، فإنه يقع على عاتق النخب الحزبية والدعوية والمجتمعية والدينية أن تلفت جيدا إلى حقيقة ما تشكله هذه الإختلافات بين جميع التيارات وتصاعده بين فينة وأخرى وما يمكن أن ينتج عنه لاحقا، وإن كان في الإختلاف سنّة فلنحرص على عدم تطرف المختلفين وتنمرهم على بعضهم البعض، وإن كان تنمرا الكترونيا.
وليتذكر الجميع ويقر في قرارة نفسه "أنا موجود، لأنك موجود، لأننا موجودون".