إلغاء فعاليات المجتمع المدني: مزيد من التضييق على الحياة العامة

اعتصام سابق لمؤسسات مجتمع مدني أمام مجلس النواب

لا يشترط القانون المعدل لقانون الاجتماعات العامة لعام 2011 الحصول على موافقة مسبقة من الحاكم الإداري لتنظيم فعالية ما، فيما تنص المادة الرابعة منه على ضرورة إشعار المحافظ  قبل 48 ساعةً من الموعد المحدد لإقامة الفعاليّة، لغايات ضمان سلامة الاجتماع. 

 

وفي حال عدم إشعار الحاكم الإداري يصبح الاجتماع غير قانوني، لكن الموافقة المسبقة ليست متطلباً، إذ جرى تعديل هذا البند في القانون المعدل استجابة لمطالب إصلاحية، كما تقول المحامية نور الإمام. 

 

يتضمن القانون في المادة السابعة منه منح الصلاحية للحاكم الإداري بإلغاء الفعاليّة إذا رأى أن مجرياتها قد تؤدي إلى تعريض الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة للخطر أو المس بالسلامة العامة، وعلى الرغم من أن النص يحدد أسباب المنع، لكن الحكام الإداريين يتوسعون في استخدامه، ويلجأون لإلغاء فعاليات لأسباب لم يأت القانون على ذكرها.

في هذا التقرير، رصدنا أربعة عشر فعالية أُلغيت خلال عامي 2018 و2019، وأخرى مطلع 2020، وتوزعت تلك الفعاليات بينَ ندواتٍ حواريَّةٍ ومؤتمرات قائمة عليها جمعيات ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، بينما استثنيت النقابات والأحزاب من الرصد، لكن وزارة الداخلية أقرّت بإلغائها فعاليتين فقط، صنفتا على أنهما مؤتمرات، تحت ذريعة عدم قيام المنظمين بإشعار الحاكم الإداري قبل عقدها، أو بسبب تعارضها مع حرية المعتقد الديني، وإخلالها بالأمن والسلم المجتمعي. وفقاً لردّ الداخلية على طلب معلومات تقدمت به معدّة التقرير حول عدد فعاليات المجتمع المدني الملغاة ونوعها في العامين الأخيرين.

 

ضغوط مستمرة

في الوقت الذي تكافح فيه منظمات المجتمع المدني بضراوة لتجاوز التدخلات والضغوط المستمرة من قبل الداخلية، لكن أساليب التضييقَ على عملها تتخذ أوجهاً متعددة، ولا تنحصر بالرفض المسبق لإقامة الفعاليات أو إلغائها، كما وثقت معدة التقرير، إذ تلجأ السلطات إلى طلب نُسخٍ من البيانات الخاصة بالمنظمة أو الجمعيَّةِ، وتطلب تعديلها أو حذفِ نصوصٍ منها، كما تمنع ضيوفاً من الحضور أو المشاركة، كما حدث مع الكاتب والباحث الفلسطيني معين الطاهر، الذي منع من حضور ندوةٍ أقامتها جمعية السافرية للتنمية الاجتماعية حول صفقة القرن في الثامن من فبراير/شباط 2020.

 

وقد تُلغى جلساتٍ أو مؤتمرات بسبب اعتراض السلطات على المتحدثين فيها، وبهذه الممارسات، تقلص الحكومة الحيّز المتاح للمجتمع المدني، كما بيّن تقرير مفوضيّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الخاص بالأردن عام 2018، وجود تحديات وعوائق تحول دون إحراز التقدم في هذا المجال، من ضمنها السياسات المتعلقة بقضايا الحريات العامة بشكلٍ عام، وحريّة الرأي والتعبير، الأمر الذي يعدُّ مخالفًا للدستور الأردني الذي كفل حريّة الرأي والتعبير، في الفقرة 1 من المادة 15، والتي قضت بأن "تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون".

وتبدي مديرة مركز تمكين الحقوقي للدعم والمساندة ليندا الكلش استغرابها من رفض محافظ  العاصمة تنظيم ورشة تدريبية للصحفيين، تتعلق بإعداد مواد صحفية حول العمال المهاجرين وقضايا الإتجار بالبشر، كان يعتزم المركز عقدها عام 2017، قائلة "لا نعرف لمَ تم الاعتراض ولا على أي أساس".

وهذه ليست المرة الوحيدة التي يجري فيها التضييق على نشاطات مركز تمكين، إذ تكرر الأمر لدى عقد مؤتمر حول الاتجار بالبشر العام 2019، والذي استضاف أشخاصًا من شرق آسيا وأميركا اللاتينيّة، ورغم حصولهم على تأشيراتٍ لدخول الأردن، وتزويد الجهات المعنية بصور جوازات سفرهم، لكن المبالغة في تتبع بياناتهم لدرجة طلب أسماء أمهات المشاركين، وتواريخ ميلادهن، بدت إجراءات غريبة، على حدّ قول كلش. 

 

منظماتٌ تُخفي إلغاء فعالياتها

تمتنع منظمات كثيرة عن كشف إلغاء الحكومة لفعالياتها، خوفاً من مضايقة السلطات لها، أو حرمانها من تنظيمها لاحقاً، كما يوضح مدير مكتب منظمة هيومان رايتس ووتش في عمان آدم كوجل، معتبراً أن الإعلان عن إلغاء الفعاليات هام لفهم أبعاد المشكلة، أما صمت المؤسسات عن ذلك يشكل جزءًا من المشكلة.

 

ينظر ممثل المنظمة الدولية كوغل على طلب الموافقات المسبقة أو إشعار الحاكم الإداري لتنظيم فعالية، بكونه يقيد حقوقاً أساسية من ضمنها حق التجمع السلمي المكفول لكافة الناس، وللحكومة وضع حدود لهذا الحق في حال وجود تهديد لأمن المجتمع، مع ضرورة أن يكون الإلغاء هو الحل الأخير، ولا بدّ أن تتناسب الإجراءات التي تتبعها الحكومة قبل كل نشاط مع خطورته. 

المؤتمرات في الفنادق، على سبيل المثال لا الحصر، لن تشكل خطراً، كما يرى كوغل، لكن الإلغاءات تحدث نتيجة عدم تفضيل الحكومة لشخص بعينه أو لديها رغبة باستبعاده، وتفاوض الحكومة مع المنظمات حول الأشخاص المسموح حضورهم، ومنع آخرين أو رفض أو إلغاء جلساتٍ أُخرى، هو تحديد يؤثر على حق حرية التعبير.

 

"على الشرطة التواجد لحمايّة الناس وتأمينهم باتباع الإجراءات المناسبة، ويمكن لها أن تلجأ لإلغاء الفعاليّة في حال عدم وجود طريقة مناسبة لحمايتهم"، ويتابع كوغل، إن الإلغاء يحدث في حال كان يُقصدُ بتلك الفعالية إثارة العنف، ما يتسبب بمهاجمة الفندق أو مكان إقامتها، لكنَ الأردن لا يحتوي على فعاليَّاتٍ من هذا النوع، بالتالي لا حاجة للإلغاء، على حدّ قوله.

 

وواجهت "هيومان رايتس ووتش" قرار إلغاء فعالية لها في عمّان خلال شهر ديسمبر العام 2019 وعادوا وعقدوها في اليوم التالي، فيما يقول كوغل إن هناك صعوبة بعقد أي اجتماعٍ أو نشاطٍ. 

 

إساءة استخدام القوانين

هناك العديد من المضايقات التي تتبعها الأجهزة الأمنيّة للتضييق على المجتمع المدني مثل تغيير أماكن الاحتجاجات، لكن الضغط الأكبر يحدث منذ بدايّة تقديم الإشعار وحتى بدء الفعاليّة، لأن الحاكم الإداريّ قد يقوم بإلغائها في أية لحظة، بحسب رئيسة مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان) إيفا أبو حلاوة، مؤكدة ضرورة الاكتفاء بالإشعار للمحافظ، طالما كانت الجهات المقيمة للفعاليات مُرخصة، والأمن ينتشر في كل مكان، فلا داعي لموافقة مسبقة.

 

ولم تبادر أي من مؤسسات  المجتمع المدني إلى الطعن بقرار الحاكم الإداري المتضمن إلغاء الفعالية أمام المحكمة الإدارية، ذلك لعدم تسليمهم قرارا رسميا بالرفض، وعادة ما يتم التبليغ هاتفياً، أو يتم تبليغ المكان الذي ستعقد فيه الفعالية بقرار إلغائها، بحسب الإمام، مؤكدة أن هذه الإجراءات، بالإضافة إلى منع أحد من المشاركة في أي فعالية لعرض أفكاره، يُعدُ شكلاً من أشكال فرض الرقابة على حريّة التعبير.

 

ومعظم المواثيق الدوليَّةِ تجمع على عدم إخضاع حريّة الفرد للتقييد، أو كبح تعبيره، إلا وفقًا لمعايير محددةٍ وبشكلٍ دقيق لا تفرض قيودًا تنكر من خلالها حريّة الاجتماعات، وهو ما كفله الدستور الأردني في المادة 128، والتي نصت على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".

 

تنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، والتي صادق الأردنُ عليها على أن "لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها"، ويستثنى منه ما يتعلق باحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

 

ترى المنسقة الحكومية لحقوق الإنسان عبير دبابنة، ضرورة دراسة الأسباب المؤديّة لإلغاء الفعاليات وتقييمها في حال كانت تتعلق بالأمن المجتمعي أم لا، وغير ذلك، يمكن للمواطنين ممارسة الأنشطة الاجتماعيّة والثقافيّة التي لا تُخل بالأمن، إذ أن الفعاليات محكومةٌ بالأنظمة والتعليمات ويمكن للمواطنين الاستفسار في حال رفض إقامتها.

 

الدبابنة ترى أن القوانين تحكم تنظيم المعلومات، لذا فإن إشعار الحاكم الإداري ليحاط علمًا بأن هناك فعاليَّةً ستعقد يساعد الحكومة على القيام بواجبها بتأمين الناس وحماية مصالحهم، مشيرة إلى أن التشريعات وُجدت لحمايّة المواطنين ومصالحهم، ومن حق الأفراد عقد الفعاليات، وعلى الحكومة حمايتها وتنظيمها.

 

تقدمت معدة التقرير بطلب الحصول على المعلومات إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان في تاريخ الثلاثين من كانون ثاني/يناير الماضي لتوثيق الفعاليات الملغاة في العامين الماضيين، لكن المركز وبعد ثلاثة أسابيع، أجاب بأنه وثق فعالية واحدة لجمعية بيئية ألغيت فعاليتها.   

 

نص كتاب طلب الحصول على المعلومات

 

وواجه مركز الفينيق للدراسات الإقتصاديّة والمعلوماتيّة تلك التضييقات على فعالياته، بحسب مدير المركز أحمد عوض، الذي يشير إلى أن محافظ العاصمة منعهم من تنظيم فعاليتين عام 2018، وحدث المنع لواحدة منهن قبل موعد انعقادها بساعتين، ما دفع إدارة المركز إلى التواصل مع رئاسة الوزراء التي تدخلت وسهلت عقدها.

 

كما تظهر تجربة مركز العدل للمساعدة القانونية أن المضايقات تتزايد على فعالياتهم، والتي تنقسم إلى تدريبات أو ندوات، وغالباً ما يحضرها ويشارك فيها أفرادٌ من الأمن العام، وفقاً لمديرة المركز التنفيذيّة هديل عبد العزيز، التي تبدي استغرابها من إجراءات الداخليّة المتبعة، من حيث طلب أسماء المشاركين والتضييق على النشاطات، أو تقديم إشعارٍ للمحافظ ورفضِهِ، رُغم مضيِّ 3 أيامٍ على تقديمه، وهذا يتجاوز المهلة المتاحة قانونياً.

 

يذهب عوض إلى أن بعض الحكام الإداريين يمارسون ما لا يدخل ضمن صلاحياتهم المقتصرة على توفير الحماية للراغبين بتنفيذ الأنشطة، وليس الحصول على موافقات من أجل تنفيذها كما ينصّ القانون، وبهذه الممارسات يخالفون المادة 4 في قانون الاجتماعات العامة، والتي تقضي بأن "يقدم الإشعار بعقد الاجتماع العام أو تنظيم المسيرة  لدى الحاكم الإداري قبل الموعد المعين لإجراء أي منهما بثمان وأربعين ساعة على الأقل".

 

ومن جهتها، تبين أبو حلاوة أن منظمات المجتمع المدني حاولت الاعتراض على هذه الإجراءات من خلال لقاءاتها الدائمة مع الحكومات السابقة، لكن تلك اللقاءات قلّت في عهد الحكومة الحالية.

 

*يحتوي ملف اكسل على الفعاليات الملغاة وعناوينها والجهات المنظمة لها وفق الرصد الذاتي

 

ي

 

*بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR

 

أضف تعليقك