إعلان الحرب على «الوصاية»: تساؤلات في الأردن عن «الخطة ب»
أبلغ الصمت لا يغني عن الكلام. وقد يعكس حراكاً ما، لكن خلف الستار والكواليس. ورغم كل الضجيج الذي يثيره حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني المعارض تحت عنوان إعلان حرب على الوصاية الأردنية في المسجد الأقصى، فإن الحكومة الأردنية تجتهد في التواصل الدبلوماسي مع كل الأطراف التي يمكنها أن تؤثر في المعادلة الإسرائيلية، لكنها دخلت في حالة من الصمت والهدوء، حيث لا بيان ولا تصريح باسم الناطق الرسمي للخارجية، ولا موقف من رموز الحكومة. وحيث أيضاً لا إطار للصورة يمكن أن يفهم منه أن الأردن يعترض على ما تسميه وسائل الإعلام الإسرائيلية بخطة جديده للتقاسم المكاني، الأمر الذي يثبت ليس عدم وجود هوامش للمناورة والمبادرة في حراك أردني خلف الستائر بقدر ما يثبت أن الحكومة لديها تفصيلات وتفاصيل وتتحرك ضمن خطة محددة على الأقل غير واضحة الملامح وغير معروفة للرأي العام.
يزداد شغف الرأي العام الأردني بمحاولة استبيان الخطة بخصوص الوصاية تحديداً في المسجد الأقصى والقدس، ورغم أن أوراق القضية الفلسطينية برمتها مختلطة للغاية، ودخلت المساحات مؤخراً بعضها ببعض لكن سياسياً مثل مروان الفاعوري، يخاطب الحكومة مصراً على أن الشعب الأردني من حقه معرفه قواعد الاشتباك.
وإن على الحكومة أن توضح تفصيلاتها وجاهزيتها لـ “الخطة ب” التي يحاول فيها العدو الإسرائيلي فرض بصمات ليس التقاسم المكاني فقط في المسجد الأقصى، ولكن أيضاً حسم الصراع بخصوص الأراضي المحتلة وسط صمت عربي وتواطؤ إقليمي ودولي، كما يلاحظ الفاعوري وهو يعبر عن مخاوفه من أن يتمكن العدو من فرض أجندته في النهاية، خصوصاً إذا ما ترك الأردن وحيداً في مواجهة أجندات اليمين الإسرائيلي.
لا يوجد تقدير موقف علني تجاه الشارع الأردني بخصوص التحديات التي تفرضها مناقشات الكنيست الإسرائيلي على نحو مباغت قبل عدة أيام لخطة التقاسم المكاني الجديدة، وعنوانها العريض فرض السيادة على القدس.
ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في حالة تواصل مع ممثلي كل اللاعبين في القوى الدولية، لكن بالنسبة لطاقم الخارجية الأردنية فالخطة التي يتحدث عنها اليمينيون المتشددون في إسرائيل اليوم تحت عنوان تغيير الأمر الواقع لا يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي، خلافاً لأنها عدائية جداً للغاية تجاه الأردن والشعب الفلسطيني.
لكن إسرائيل -كما يلاحظ بيان صدر باسم حزب جبهة العمل الإسلامي- تبدل في معطيات الواقع، وبات لديها خطة يمينية لتغيير ما يسمى بالـ “ستاتس كو” في معادلة القدس، والحكومة الأردنية تواصل الصمت ولا تسمح بعد حتى للشعب الأردني والرأي العام بالزحف إلى تصدر المشهد الشعبوي دفاعاً عن الوصاية؛ واحد من الألغاز التي لا يمكن فهمها، خصوصاً أن الأردن يحافظ على تلك التوازنات التي يطالب بها الإسرائيليون عموماً.
لكن مجاناً ودون مقابل، فالعلاقات الأردنية الإسرائيلية تحترم في التقدير والتشخيص والتحليل اليوم من جانب واحد، وعلى النخبة الأردنية -كما اقترح علناً وزير البلاط الأسبق مروان المعشر- أن تستيقظ؛ لأن الخطة التالية لليمين الإسرائيلي هي حسم كل الملفات وعلى حساب الأردن، وقد ألمح الدكتور المعشر في نقاش مع “القدس العربي” لذلك صراحة ودون تردد.
ما هي الخطة “ب” في قواعد الاشتباك؟ ذلك السؤال يتكرر على لسان كبار المسؤولين. ومخضرم من وزن طاهر المصري، يعتبر أن إشارات العداء الإسرائيلي أو عداء اليمين الإسرائيلي وخططه في استهداف الأردن، وطناً وكياناً وشعباً، كانت بادية للملامح مع بواكير مشروع تصفية القضية الفلسطينية، متسائلاً ما إذا كانت هناك قوة دولية أو اعتبارات يمكن أن تمنع اليمين الإسرائيلي من تنفيذ ما يخطط له اليوم.
ميزان الوضع في الاعتبارات الأردنية الإسرائيلية يسير لصالح الإسرائيليين. وعمان في أبعد مسافة ممكنة عن روسيا وعن إيران و”حزب الله” اللبناني. وعمان لا تقيم أي علاقات رسمية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وعمان في قمة الاتزان، والجملة المنضبطة تجاه مجمل فعاليات الكيان الإسرائيلي.
وكل ذلك لا يشفع أو لم بشفع بعد حتى لبروتوكول وبرنامج الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة؛ فمنابر الإعلام اليميني الإسرائيلي مفعمة بتلك الإشارات التي تؤسس لحالة وداع مع الوصاية، لا بل تتحرش بها بطريقة لافتة للنظر، فيما بقي حزب جبهة العمل الإسلامي وحيداً وهو يؤكد ليل نهار بأن ما يجري من خطط ونقاشات هو إعلان حرب على الوصاية وعلى الأردن والأردنيين.
*القدس العربي