إسلاميو الأردن يشكون من "هندسة الانتخابات" رغم "التحديث"

الرابط المختصر

"أصبحنا كأهل القرية في قصة الراعي والذئب، لم نعد نصدق ما تقوله الحكومة من نيتها في الإصلاح".. بهذه العبارات يصف ثابت عساف الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، المشهد السياسي بعد أن أعلن الإسلاميون مقاطعة الانتخابات البلدية، وانسحاب القائمة البيضاء من انتخابات نقابة المهندسين.

 

يصف الإسلاميون ما يجري بـ"هندسة الانتخابات" قبل أن تبدأ، وظهر هذا المصطلح بقوة في الانتخابات النيابية الماضية حيث جرى ترتيب أوراق المرشحين، والضغط على بعضهم للانسحاب، إذ تتهم قوى سياسية "الدولة العميقة" بأنها وراء مثل هذه الهندسة.

 

تشاؤم الإسلاميين إلى جانب قوى سياسية أردنية أخرى من مستقبل الإصلاح ليس بجديد، لكنه يأتي بعد تعهدات ملكية بالإصلاح وحث الأحزاب على المشاركة السياسية من خلال مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شارك بها الإسلاميون أنفسهم.

 

يرى عساف  أن "النظام السياسي في الأردن هو الذي يتحمل آلية تحول العلاقة ليس فقط مع الحركة الإسلامية، بل مع كل القوى الفاعلة في المجتمع، من خلال تحطيم كل مؤسسات المجتمع المدني والسياسي والضرب بعرض الحائط كل الدعاوى للإصلاح وتحديث المنظومة السياسية".

 

يفسر عساف عودة التأزيم مع الحركة الإسلامية بـ"وجود استحقاقات في المنطقة تستوجب استهداف كل القوى وعلى رأسها الحركة الإسلامية كممثل من ممثلي الشعب الأردني وتطلعاته السياسية".

 

وشاركت الحركة الإسلامية بثلاث شخصيات باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شكلها العاهل الأردني وضمت 92 شخصية؛ أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي السابق حمزة منصور، وعضو المكتب التنفيذي للحزب وائل السقا والنائبة السابقة ديمة طهبوب.

 

المشاركة بحسب عساف في اللجنة تأتي "من باب قيام الحركة بكل ما هو مطلوب منها في ظل الواقع المتاح لها، لكن الجهات الرسمية مصرة على استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في مواجهة الإرادة الشعبية والدعوات للإصلاح وتحديث المنظومة السياسية".

 

الحكومة تشدد على تنفيذ مخرجات اللجنة

 

الحكومة الأردنية بدورها تشدد على أنها ماضية في تشجيع الحياة الحزبية، وشدد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة يوم السبت خلال مناقشة مسودة المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتقرير حالة البلاد 2021 على "أهمية الحوار مع الأطياف السياسية والاستماع لوجهات النظر المختلفة للوصول إلى توصيات تسهم في إثراء العمل وتجويده ويستفيد منها صانع القرار".

 

وأكدت الوزارة على "وجود خطة تنفيذية لدى الحكومة لمخرجات اللجنة الملكية، موجهة لكافة الوزارات ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية هي النقطة المحورية لهذه الخطة".

إلا أن الإسلاميين يرون أن "التطبيق العملي على الأرض هو ما يعكس ما يفكر به الوجدان الرسمي" بحسب عساف، الذي يضيف: "كل ما يقال من دعاوى أخرى لا يعكس الحقيقة، إنما هي ذر للرماد في العيون ومحاولة لشراء الوقت، كون التطبيق على الأرض يكذب ذلك، لذا فإننا تعاملنا مع تحديث المنظومة السياسية بحذر؛ كنا جزءا من المشهد دون الموافقة على كامل المخرجات التي حاولنا تحسينها".

 

وتضم قوى سياسية أخرى صوتها إلى جانب الحركة الإسلامية، بالتشاؤم من وجود نية للإصلاح، بعد ممارسات أمنية على الأرض، كما يقول ناشطون في الحراك الأردني لـ"عربي21".

 

وشهدت مناطق مختلفة من الأردن مساء الخميس والجمعة، احتجاجات على اعتقال ناشطين سياسيين يومي الأحد والاثنين، وطالب المحتجون بالإفراج عن المعتقلين "وإعادة ثروات البلد".

 

واعتصم محتجون من قبيلة بني حسن (أكبر القبائل الأردنية) مساء الخميس في مدينة الزرقاء رافعين شعارات "المساعدات والمنح في بطون الفاسدين، #وثائق_باندورا".. و"الحرية للمعتقلين.. النظام هو المسؤول".

"غير متفائلين"

أمين سر حزب الشراكة والإنقاذ، أيمن صندوقة، يقول : "نتلقى رسائل متناقضة حول الإصلاح، الإجراءات العملية ابتداء من نقابة المعلمين وإيقافها وحبس مجلسها، والتضييق على حزب الشراكة ورفع دعوة قضائية بحله، رسالة واضحة للناس للرجوع إلى الخلف".

 

ويضيف: "نحن غير متفائلين بمستقبل البرلمانات القادمة التي تقول الحكومة إنها ستكون حزبية، ستتم هندستها كما هندست الأجهزة الأمنية انتخابات نقابة المهندسين، لا نعول على هذا على الإطلاق".

ويتابع: "السلطة تستخدم جماعة الإخوان كفزاعة كي يبرروا إجراءاتهم، الحقيقة هي أنهم يحاصرون الإرادة الشعبية ويمنعونها من الخروج إلى السطح".

 

محطات التصعيد بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة الأردنية عديدة، لكنها بلغت ذروتها في الربيع العربي وما رافقه من هجمات مرتدة على الحراك الشعبي، حيث قامت السلطات الأردنية خلالها بسحب الغطاء القانوني عن الجماعة، والتضييق على فعالياتها، وسجن بعض قيادييها على اعتبار أنها المحرك الأساسي للثورات.

أما القيادي في الحركة الإسلامية زكي بني ارشيد، فيقول : "ما زالت الأزمات تُحكم قبضتها، وتنذر بالمزيد، لا يظهر الضوء من نهاية النفق والنهاية قاسية، المشكلة ليست في حضور الإسلاميين أو غيابهم، فلا مشاركتهم قادرة على اختراق حاجز الفساد ولا مقاطعتهم كفيلة بمحاصرة الاستبداد".

 

يتابع: "مع غياب إرادة الإصلاح، وضياع البوصلة الهادية إلى طريق الخروج، سيبقى الدوران الحلزوني حتى نصل إلى القاع، أما بخصوص العلاقة مع النظام، فتحتاح إلى إعادة ترتيب وتعريف لمكانة ودور القوى الوطنية، والسؤال موجه إلى النظام كيف ينظر أصحاب القرار إلى الشعب؟ هل هم مصدر السلطات كما نص الدستور؟ م إنهم توابع ورعايا وشلايا غير مؤهلة لممارسة الديمقراطية والاختيار؟ ألا يجدر بمن يهمه الأمر أن يلاحظ تعمق الأزمة بين النظام وبقية المكونات السياسية والقوى المدنية ومؤسسات المجتمع الأهلي".

 

يعتقد بني ارشيد أن "الأردن بحاجة إلى مقاربة جديدة يعترف بموجبها النظام بأهمية ودور الإرادة الشعبية، وعندها يكون الجواب على سؤال مستقبل العلاقة مع الإسلاميين".

"تقوقع الإخوان"

 

يرى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، أنه "تاريخيا كانت جماعة الإخوان المسلمين من النظام، لكن أضحت هناك تغيرات مرتبطة بالإقليم جعلت النظرة للإخوان ككل متشككة؛ هل يريدون ممارسة السلطة واحترام قواعد اللعبة أم أبعد من ذلك، هذه النظرة هي التي تحكم طريقة التعامل مع الإخوان".

 

يتابع: "في ضوء التحديث والرؤية الجديدة للحياة السياسية فإن الوضع الطبيعي أن يشارك الجميع، لكن هنالك شكوى من ناشطين سياسيين ومن بينهم الإخوان من مسألة التضييق، ويضرب الإخوان مثلا بما حصل معهم في انتخابات المهندسين من حشد مضاد، بالنسبة للإخوان هذا غير عادل"، وهو ما انتهى بالانسحاب من الانتخابات".

 

يتوقع شنيكات أن "المرحلة القادمة ستنتهي بتقوقع الإخوان حول أنفسهم في ظل تجاربهم الحالية ومنها مقاطعة الانتخابات البلدية، وقد يحدث صراع داخلي بين تيار غاضب يدعو إلى العمل الدعوي بينما هنالك تيار يراهن على المشاركة السياسية، وهؤلاء يتراجع حجمهم، والآن أصبح محدودا، وهذا قد يؤدي إلى انشقاقات أخرى في حال قرر هذا التيار المشاركة بشكل فردي في البرلمان، مع احتمالية أن يذهب جزء منهم نحو التطرف".

 

ويعتقد أن "كل حزب لا يشارك في العملية السياسية يحكم على نفسه بالإعدام حتى لو كانت هناك عقبات، وهذا ما حدث مع الإخوان عندما قاطعوا الانتخابات فقد تراجعت حصتهم في البرلمان، والسمة العامة هي التراجع بغض النظر عن الظروف الموضوعية المحيطة بالانتخابات".

 

ويضيف: "أعتقد أن الرؤية العقلانية هي أن على الدولة أن تدرس الأسباب والسياقات التي يوردها الإخوان في المقاطعة، لأن الانتخابات في كل دول العالم هي فرصة لتثبيت الاستقرار وحمايته وضمان الاعتدال، وإتاحة المجال أمام كافة القوى السياسية وليس الإخوان فقط، لكي يكونوا جزءا من العملية السياسية، ويساعدوا في تحقيق التغيير الإيجابي الذي ترنو له كل النظم السياسية، وضمان النمو السياسي".

 

ويوجه الإسلاميون رسالة إلى النظام السياسي على لسان الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي ثابت عساف، مفادها "أنه لاستعداء القوى السياسية فاتورة سيدفعها النظام الذي سيجد نفسه في يوم من الأيام مضطرا للإصلاح للحفاظ على ذاته، لكن لن يجد من يصدقه وقد فقد كل القوى السياسية".