أمين الخطيب والقدس
... اننى سوف اموت قهرا على القدس وعلى ما يجرى فيها .. ان القدس ليست كتلك التي عملت منها اجلها ومن اجل اهلها .. ..القدس عندى شئ اخر لا مثيل له بالعالم,, ويا للأسف ما اراه هو مدينة محطمه بيد ابناءها وبيد الاخر
هذه الجمل جاءت متلاحقة سريعة، وكأنها اندفاع نهر جارف ، كان محبوسا خلف السدود العالية في اعماق القلب الحزين المجروح، انها جمل خرجت من فم انسان قدم للمدينة اكثر مما قدمه الكثيرون منا الى هذه المحبوبة الغالية ، وفي النهاية اصبح وحيدا معزولا في بيته، الذي كان قبله جميع القادة السياسيين والحزبين والنقابين وحتى المواطنين ، فهذا البيت لم يغلق ابوابه ليوم واحد ، حتى عندما اتصل صديقنا جمال غوشه كان الرد فورا وبدون تردد : اهلا وسهلا تعالوا فورا ! وبدون أي سابق انذار ..!
اننا نتحدث عن د امين الخطيب ذلك الطبيب الذي اطلق عليه البعض لقب عميد العمل الخيري في فلسطين ، وهو اكثر من ذلك بكثير، فهو قدم كل شئ من اجل القدس اولا وفلسطين ثانيا، من جنين شمالا وحتى رفح جنوبا ، مرورا بأريحا شرقا وحتى حيفا غربا، اعتقل وسجن لاكثر من سبع مرات عرف السجون العربية والإسرائيلية ، وهذا لم يمنعه من الاستمرار بالعطاء الخيري الذي اضاف الكثيرين اكثر من أي تهديد اخر ، قدم كل شئ بدون أي مقابل، ولكن في المقابل كان جزاءه من هؤلاء الذين اجلسوهم على كراسيهم العالية، هو التجاهل ونكران للجميل، فهذا الرجل يعيش في بيت متواضع للغاية وبالإيجار ، يعتمد على الخدمات الصحية التي توفرها له كوبات حوليم وليست المراكز الطبية التي بناها بيديه، من مستشفى المقاصد وجميعه الهلال الاحمر وغيرها الكثير، هذا الرجل الذي جمع عشرات ملايين الدولارات طيلة فترة نشاطه الطويلة ، ليس من اجل نفسه ، بل من اجل الجميع من اجل كل انسان محتاج، وهنا تذكرت المثل الذي قاله الصديق جمال اسعيد صاحب الامثال الشعبية التي لن تجدها في اية موسوعة شعبية، عندما قال ان حال د امين الخطيب هذه الايام ينطبق عليها المثل الشعبي القائل اصحابك حولك لما كرمك دبس ، واصحابك باعوك لما كرمك يبس ..
ما علينا
المهم ، ان زيارة د امين الخطيب تلك الشخصية الاسطورية بالمعايير الحالية كانت بالنسبة لي شئ غير متوقع، فانا لا اعرف هذا الانسان الا طبيبا بلباسه الابيض في عيادته في دير الارمن قبالة مستشفى الهوسيبس في طريق الالام بالبلدة القديمة ، حيث كانت عيادته مزار لسكان القدس ، ومن كل مكان حتى من القرى المحيطه وكما قال صديقنا الفنان صاحبه البصمة الفنية الواضحة في القدس جمال اسعيد بانه لا زال يذكر كيف ان الخطيب كان يقوم بفحص المريض ويشخص مرض ويعطيه الادوية من عنده مجانا ، وان لم يتواجد الدواء في عيادة الطبيب الانسان ، كان يعطى من جيبه الخاص ثمن الدواء ، من اجل شراءه من صيدليات القدس.. بينما قال احد الاصدقاء في جلسة من جلسات قصر الحمراء في نهاية شارع صلاح الدين الرائعة المسائية ، بان احدى السيدات لا تزال تذكر كيف ان د امين الخطيب وبخها بصورة قاسية بسبب مرض طفلها ، كان يوبخها وهي تشعر بان والدها هو الذي يوبخها .. هكذا كان د امين الخطيب الطبيب الانسان الذي قدم حياته قربانا على مذبح مدينة القدس بكل محبه ، فهي المدينة التي قال عنها كل شئ ، وانه اشتاق ان يقبل كل حجر فيها ، اشتاق ان يسير في باب حطة والواد وان يصافح الطفل الصغير قبل الكبير وان يشترى الكعك والفلافل وان يجلس عن الاصدقاء وان يتنفس هواء القدس الطاهر السماوي الذي لا يساويه هواء الارض برمتها!
اطال الله بعمرك يا طبيب القدس ويا عروة بن ورد القدس .. فانت واحد وحيد.. لا يريد ان ينظر حوله ليرى البنيان الذي تعب من اجله ينهار من الداخل.. وكانه يقول لنفسه يا خساره نحن نبنى وهم يهدمون... انهم يهدمون القدس
ويضيف د الخطيب وقد خانه جسده فاقعده في منزله البسيط الذي يدل على بساطة هذا الانسان العظيم : ان اكثر من يقهرنى ، هو بعدي عن القدس رغم اننى استطيع ان اراها عبر النافذه وهذا شئ صعب للغاية ان تراها ولا تستطيع ان تلمس حجارتها وان تسير في ازقتها وان ترى وجوه اهلها الطيبين..!
انها القدس عندي يا بنى .. ادعو الله ان يمكنى من السيرة في شوارعها ولو لمرة واحدة قبل ان اغادر هذه الدنيا...
للحديث بقية