ألم نكتف من قتل النساء!

الحياة ليست سهلة على النساء في كل مكان وهي صعبة في بعض البلدان والثقافات وأكثر صعوبة في بلدان وثقافات أخرى.. ولكنها في بعض الأماكن والمجتمعات تجربة يومية لمحاولة النجاة..

كم هي سخيفة وسيريالية أمزجتنا أحكامنا تجاه صانعات الحياة والاستمرار.. بأن نسمح لأنفسنا أن نقرر متى تطلق فتاة نفسها ومتى تحبسه.. أن نلعب دور القدير المتحكم بمصائر بنات يستهلكن حياتهن ومشاعرهن بترقيع الأحلام لتدريس أخ وعلاج أب ورعاية زوج والإهتمام بابن..وتجبر بأن تبقى أحلامها بل حاجاتها هي مقيدة برسم المزاج والمكارم والتفضل وتحميل الجمايل والمقايضة...

ونستمر بتناول وجبة عشاءنا ونحن نسمع والقاتل المسجل بالهوية أب يشرب الشاي بعد انتهاء مطاردتها في الشارع العام...بحماية ذكور عاطلين عن العمل والإحساس  لما لا فهناك مزيد من وقت قبل أن تصل الشرطة!!! .

ألم نعتد بعد على دماءهن تسال.. ألم يحاول زوج قبل ذلك ذبحها وأكتفي بقلع عينيها على أصابعه وابنته بحضنها.. ونجح آخر بذبحها وهو يحاول إقناعها بالهدوء وهو يجز عنقها، فيما التحقت بالركب ضحية جديدة لمجرد أنها أخفقت في مادة دراسية جامعية وقبل أن يذهب خيالنا إلى حيث يذهب دائما.. لم ترتكب ذنبا ولم تكن على علاقة بأحد، هي فقط  امرأة في مجتمع لا يرى النساء إلا عبئا ومسؤولية يرغب الجميع بالتخلص منها، كي لا يكون هو الجاني يسلمها لزوج يقوم بالمهمة على أكمل وجه.

أمس كانت أحلام وفاطمة واليوم رانيا وغدا ربما تكون اي واحدة تقرأ هذه السطور أو زميلة عمل أو دراسة أو جارة نراها كل يوم أو في ذات الحي نراها ولا نعرف عن أحلامها وآمالها.

 

فتاة ماركا، فتاة مستشفى الجامعة، والدة الرصيفة، ومسميات أخرى مختلفة، تتشابه بأنها جاذبة لمصّاصي دماء مواقع التواصل الإجتماعي الذين يتكاثرون في ظلمة أخبارها الكاذبة ووحل شائعاتها. تجذبهم قصص قتل النساء وغموض أسبابها، من دون التفكير بأنهن ربما كن ضحايا أشقاء مدمني مخدرات، أزواج رافضين دفع النفقة، آباء غاضبين لسبب أو آخر، أو مجتمع لا يطيق فكرة أن النساء يملكن عقولا بالفعل، قصص وأسباب عديدة كلها تبرّر حوادث القتل والعنف بأشكاله على النساء.

مهما اختلفت التبريرات والأسباب، يقفز إلى الأذهان، مباشرة وبلا وعي ومن دون أدنى تفكير، أن كل امرأة قتلت على يد ذكر من العائلة هي بالتأكيد ضحية جريمة بداعي الشرف (مصطلح يدعو نشطاء وناشطات بإلحاح إلى الكفّ عن استخدامه)، لأن قتل إمرأة لا يمتّ للشرف بصلة، ببساطة، والحاجة لإقرار قانون لتجريم العنف الأسري يمنع إفلات الجناة من العقاب، بحجة إسقاط العائلة للحق الشخصي، إذا كانت الضحية فتاة.

ترزح فتيات ونساء تحت طبقات متتالية من العنف، كلما أزلنا طبقة انفجرت في وجوهنا أخرى؛ فإذا لم يسمح المجتمع بتزويج الفتاة، قاصرةً أو مرغمة، حرمها من حرية التنقل والاختيار. وإن سمح لها بالدراسة حرمها من العمل لاحقا، وإذا أجبرها على العمل حرمها من راتبها أو أجبرها على تحمل بيئة عملٍ مسيئة أحيانا. تفيد دراسة لمنظمة "أكشن إيد" أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بأن "أردنية من بين كل خمس عانت من أحد أشكال العنف في مكان العمل".

 

ليس الإعلام بريئا بالكامل من دماء فتيات مراقة على صفحاته، كنا نعاني قبل "الإنترنت" من لون بعضه "الأصفر"، وننتقد عدم مراعاته معايير المهنية، وتحامله على النساء، وعدم استخدامه لغة مراعية أخلاقيات المهنة، وأنه في تغطياته يحمّل النساء، الضحايا، دائما عبء الجريمة، بعباراتٍ إيحائيةٍ تثير الشك، وتضرب عفة الضحية وأخلاقها. اليوم معاناتنا من انحياز الإعلام وتحامله باتت أعمق، إذ أصبح المحتوى، فوق كل ما ذكر، مرهونا بمزاج "إعلام السوشال ميديا" ومريديه، وأبطال "البث المباشر" .

يقول أحدهم: القصة أكبر من أخ عذّب أخته وضربها بعنف بأداة حادّة وقيدها بالجنازير وحبسها في حمام البيت، مانعا عنها الإسعاف، وضرب والدته لأنها تدخلت لنجدتها، وتسبّب بعرج لشقيقتها. ويعلن ببرود أنه يجب سماع الرواية الأخرى لذكور العائلة، وأن "هناك دائما تفاصيل مسكوتا عنها وحجة ليس كل ما يعرف يقال!!".

القصة فعلا أكبر من ذلك، التفاصيل تحمل كارثة بمؤشرات مرعبة، تنسف كل الجهود الداعمة للعدالة والمساواة في المجتمع، ورسائل مفخّخة مخفية لحجم الكراهية تجاه النساء، فضحها حجم التفاعل الاجتماعي المؤيد لضرب النساء والدعوات إلى قتلهن، والتحامل على كل من يدافع ويدعو لوقف سيل العنف الجارف تجاههن، فإن كانت مدافعة توصف بأنها "بلا أخلاق"، وإن كان مدافعا فهو "ديوث"، وإن كانت مؤسسة مجتمع مدني فهي تمارس الجاسوسية على البلد.

أضف تعليقك