أصوات مقدسية في "مجموعة إلكترونية"

داود كتاب
الرابط المختصر

“المحطة القادمة جاد شخيم"... هذا ما يجرى إعلانه عبر مكبّر الصوت في الحافلات العامة المتجهة إلى منطقة باب العامود في القدس. عبارة جاد والتي تُستخدم في دول شمال أفريقيا ثبّتها مهاجر صهيوني، ولد أو ترعرع في إحدى تلك الدول. أما كلمة شخيم فهي العبارة اليهودية التوراتية لمدينة نابلس، فبدل أن يقول التسجيل الصوتي إن الركّاب مقبلون عن شارع نابلس كما هو مثبت على الشوارع منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي، فإن للشركة العربية التي تحصل على ترخيصها من وزارة المواصلات الإسرائيلية استخدامات كلمات وعبارات قد تصلح للمناطق اليهودية أو للركاب الإسرائيليين، وليس لركّاب القدس الشرقية، إذ يستخدم تلك الحافلات كل السكان الفلسطينيين. يقول أحد النشطاء إن "شركات باصاتنا الوطنية أسرلت منذ زمن وفي غفلة من الجميع، وأصبحت وزارة المواصلات الإسرائيلية هي جهة الاختصاص في ما يتعلق بهذه الخطوط، وأصحاب الشركات اليوم هم عبارة عن وسطاء أو سماسرة يديرون هذه الباصات لحساب وزارة المواصلات الإسرائيلية".

قد تكون العبارة عن شارع نابلس أقل الأمور التي يشكو منها سكان مناطق القدس، الذين يعتمدون على الحافلات العامة من خلال شركة أقيمت من خلال إقناع أصحاب امتيازات خطوط مختلفة في القدس، ومن القدس إلى باقي المدن الفلسطينية، بالاندماج تحت مسمّى اتحاد باصات القدس - رام الله. وموضوع الحافلات يُقزم أمام باقي المشكلات التي يواجها المقدسيون، وخصوصا في ما يتعلق بالارتفاع غير المعقول لثمن استئجار الشقق (بسبب منع إسرائيل بناء أحياء فلسطينية وسياسة هدم من يحاول البناء من دون ترخيص).

يقول النشطاء في المنتدى المغلق للمقدسيين إن ما يضخّه أهل القدس من أموالهم في اقتصاد مناطق السلطة شهريا على شكل مشترياتٍ استهلاكية متنوّعة، سواء في رام الله أو أريحا أو بيت لحم أو الخليل أو نابلس، يُقدّر بمئات الملايين، ومشمول بها جميع أنواع الضرائب لخزينة السلطة، وهذه بعشرات الملايين شهريا، وجب على خزينة السلطة إعادتها إلى دافعيها على شكل موازنات للقدس وأهلها، وهي حقوقهم، وهذا المبدأ العام لجباية الضرائب في أي دولة.

يعلق آخر: "أقل عائلة مقدسية تضخّ شهريا في اقتصاد السلطة 3000 شيكل على شكل مواد تموينية ومحروقات وسجاير ومطاعم ومقاه وأثاث وقاعات أفراح وذهب وجهاز عرايس و... و...و ... و...، عدا الاستثمار العقاري بكل أنواعه وإيداعات البنوك وقروضها والتأمينات والتعليم والجامعات و... والقائمة تطول".

منظمة التحرير والحكومة الفلسطينية في رام الله والفصائل الفلسطينية وغيرها من مرجعيات تتزاحم على شعار مرجعية القدس، ولكنها، في غالبها، لا تشكل سوى عناوين وشعاراتٍ هدفها ذاتي، وتبتعد عن العمل العام، رغم قولها عكس ذلك. ويعلق أعضاء المنتدى المقدسي بأن "المطلوب من مرجعيات القدس العمل الجاد لحصول القدس على حقوقها من موازنة السلطة الفلسطينية". ويقول آخر إن "القدس بحاجة لمرجعية تتحمّل مسؤولية العمل الجاد والتضحية والتعاون المثمر من أجل المقدسيين وقدسهم، بعيدا عن التنافس المصلحي والأهداف الشخصية".

يحظى الجانب المالي باهتمام مقدسيين عديدين، فيسأل أحدهم، "وإلى أين وصلنا بموضوع الشيكل من كل فاتورة اتصالات للقدس". فيما يقول آخر: "كل ما يجرى رصده ماليا للقدس هو رفع عتب وصرف بالقطارة، ومن دون رؤية وخطة استراتيجية شاملة، موازنة عادلة من الخزينة العامة تستحقها عاصمة التي تتعرّض للطحن الممنهج اليومي، ومشاكل أهلها المرابطين لا تتسع لها أرض ولا سماء، والمرجعيات عن ملفّ القدس (يا للأسف أصبحت القدس "ملفاً" حسب ما يجرى تداوله في المجالس! رغم أن هناك أسماء عديدة لمرجعياتها)، يعمل بعضهم بما يتوفر لديهم من موارد مالية محدودة جدا لما تستحقه العاصمة، ويجوبون الأرض مشكورين للبحث عن مساعدات لطلابنا الجامعيين أو لمشافي ومؤسسات المدينة".

تقول مسؤولة سابقة عملت في مواقع مهمة على المجموعة الإلكترونية نفسها: "كلما أتذكّر سنوات الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات وهج القدس ودورها وقادتها ورجالاتها ومؤسّساتها الثقافية والسياسية والإعلامية والنقابية والتنظيمية والرياضية والاقتصادية، وأقارنها بما صار حالها اليوم، أدرك أنه مخطط ومدروس وخبيث". ويشكو آخرون من أن الصرف لغير الأهداف سيكون كبيراً لهم. بل يخال الكل أن يكون كبيرا عليهم. هذا يرمي "فتّيشة" هنا وذلك يرمي مضة هناك، هذا يبعبع وذلك يدلي بتصريح، ولكن لا أحد ينير الطريق. وهناك من يطالب بالعمل الجماعي: "لو نظّمنا صفوفنا بشكل جيد وأخرجنا عنواناً يعمل بإخلاص وشفافية داخليا وخارجيا باسم القدس ومن أجل القدس... راح نفتح كل أبواب الدعم للقدس". ويشكو آخرون المرجوّة، وحتى الاستغلال بعيدا عن الشفافية: "قسم كبير من المساعدات تأتي تحت راية القدس وتصرف تحت رايات غير راية القدس". "أهل القدس يجرى استغلالهم؛ التقليل من مكانتهم وليس فقط الوطنية، ولكن الإنسانية. القدس تمتلك قلوب العرب، ولكن بعض العناوين التي عملت باسم القدس وأهل القدس للأسف لم يحترموا انتماءهم للقدس ولا مكانتها في قلوب العرب. لدينا أكثر من عشرة مليارات دولار مرصودة للقدس حسب قمم القدس المتتالية، ولكن العرب لا يثقون لا بالسلطة ولا بهيئات أخرى خرجت في الفترات السابقة، وخذلت الجميع بطريقة عمل غير منظمّة وغير منتجة".

نُشرت مشكلة التسجيل الصوتي في حافلات القدس على الموقع المذكور، وتم إيصال الشكوى إلى الشركة الخاصة التي تملك الامتياز، والتي عالجت موضوع التسجيل، ولكن ذلك فتح باب الشكاوى الأكثر عمقا، التي تخصّ العائلات وكبار السن وذوي الإعاقة، من تأخر الحافلات أو وجود ركّابٍ كثيرين ما يصعب أن يستفيد الجميع من خدمة المواصلات العامة. ويبقى السؤال: هل يستطيع القائمون على موقع إلكتروني متواضع تحقيق اختراق حقيقي للمشكلات العميقة التي يواجهها المقدسيون تتعدّى حل إشكالية بسيطة، مثل التسجيل الصوتي على حافلة تابعة لشركة خاصة؟