أحداث شفا بدران.. جرس جديد غطته أصوات الرصاص
ما يحدث هو إشكالية تفكك لمؤسسة اجتماعية بقيت تحاول التماسك، فالأمر الواضح أن الجاهة كانت مرتبة سلفاً، توجد خيام نصبت للاستقبال ، والجانب الشكلي هو في إظهار التقدير للعائلة المنكوبة، مثل جاهة الزواج، أي أن الترتيبات يفترض أن تكون مبرمة مسبقاً في خطوطها العريضة.
ما الذي حدث؟
لم يتمكن العقلاء من السيطرة على الشباب...
في البحث عن الأسباب نعود إلى دور العشيرة بوصفها بنية اجتماعية ترتب حقوقاً وواجبات، وفي وضع مأزوم، تجد العشيرة نفسها غير قادرة على القيام بأدوار التكافل الاجتماعي، وبالتالي، فالشرعية التي تكتسبها أصبحت محلاً للتساؤل من حيث المبدأ.
السياح فكرياً، وما أكثرهم، يرفضون الاعتراف بدور العشيرة في الأردن، وكأن الكتالوج الديمقراطي لا يمكنه أن يستوعب غير تفاعلات مجتمعات سويسرا وهولندا!
ليكن، ما يحدث لا يمكن أن ينصب في تعريف دولة حديثة، التعريف العمومي، الذي يليق بالعقلية الأوروبية، ولكن هل تفكيك العشيرة دفعة واحدة يخدم المجتمع ككل؟
الأزمة الاقتصادية تقف وراء الحالة الراهنة، وعلينا الانتباه إلى وجود قنبلة متفجرة تتمثل في الشباب الذي لا تقنعه الوعود السياسية بالمستقبل، فأنت عندما تحدثني عن إصلاح اقتصادي سيثمر بعد عشر سنوات، فعليك أن تعلم أن ذلك يمكن أن يحل مشكلة وطن ومجتمع وأجيال جديدة. ولكن عليك أن تدرك في المقابل أن هذه السنوات التي تذهب سدى من حياة كثير من الشباب وتدفعهم للكفر بكل المنظومة، ثم عندما تحدث شاباً في منتصف العشرينيات عن الأجيال القادمة وهو لا يستطيع أن يكون أسرة ويسهم في إنتاج الجيل الجديد في المدى المنظور، فما الذي تتوقعه منه في النهاية.
الانفلاتة التي وقعت غذتها لحظة عصبية، ووجدت صداها لدى الشباب لمحاولة أن يعلنوا عن وجودهم بصورة أو بأخرى، ولتفريغ عنف متراكم لعله لم يتحول اليوم إلى ممارسة انتقامية، وما زال يمكن أن نستبقيه عند مدخل السبب والاستجابة، والفعل ورد الفعل، ولا يتحول إلى عنف أعمى وروتيني يمثل موازاة لتكفير المجتمع ومحاكمته بالجملة من خلال تجسيده بين فئات يمثل إصابة طرف من الفئة انتقاماً من كامل وجودها.
لنتحدث خارج التفاصيل الضيقة رجاءً، فما يحدث هو ارتداد عن الأردن الذي بنيناه معاً، وتواضعنا على تفاهماته سويةً، أما الأخلاق العربية فالوضع داخلها مبرر ومن قبل رفضت تغلب مثلاً وساطة الحارث بن عباد، وخرجت اليمامة لتطالب بوالدها حياً من جديد، وكانت حرب الجميع ضد الجميع.
التفاهمات العشائرية هي قصة أردنية لا توجد في مجتمعات كثيرة، وليست نتاجاً لأخلاقيات بدوية بالمناسبة، ولذلك فمن غير الحكمة أن نرى أحداث اليوم غير أنها دليل على وجود تغيرات جذرية يجب أن نلتفت لها قبل فوات الأوان.