"وسلامي لكم"..!

"وسلامي لكم"..!

أخبار عجلون، لغاية مساء أمس، عن أحداث الشغب والمواجهات والاحتجاجات، مقلقة وخطرة. لكن كل ما يعرفه المواطنون الأردنيون عن سبب هذه الأحداث هو سطر واحد فقط، يخلو من المنطق، ولا يمكن أن يفسّر لنا ما حدث حقّاً؛ ولماذا هذه التطوّرات الغريبة الرهيبة!

ما هو هذا السطر؟..

هو تصريح لمصدر أمني، بأنّ هذه الاحتجاجات تأتي على خلفية "انتحار" أحد أبناء عشائر عجلون في عمّان، حين ألقى بنفسه من أعلى بناية بعد مطاردة الأمن الجنائي له، على خلفية قضايا سابقة. هذا هو الخبر فحسب، وسلامتكم.

لا أحد يخبرنا لماذا لجأ الشاب إلى الانتحار مع أنّها قضايا عادية! وإذا كان الأمر كذلك، فما هو سرّ هذا السخط والغضب الشديد الواضح من قبل المواطنين، وبما وصل حد محاولة اقتحام مبنى المحافظة ومحاصرته وإطلاق النار عليه، وتعطيل المحوّل الرئيس المزوّد للمدينة بالكهرباء، وإغلاق الطرق الرئيسة، وتعطيل حركة المرور في المملكة، وإحراق الغابات والأشجار في مشهد أحزننا جميعاً!

لم نجد مسؤولاً واحداً يقدّم لنا تفسيراً مقنعاً واضحاً مفهوماً حتى نفهم، كحدّ أدنى، ما يحدث في هذه المحافظة. وبدلاً من ذلك، يملأ الفراغ كمٌّ هائل من علامات الاستفهام والحلقات المفقودة! فإذا كان الشاب مطلوباً على خلفية قضايا متعددة وانتحر إرادياً، لماذا هذا الاحتجاج العنيف؟ هل قابل المسؤولون أهل الفتى والناس المحتجّين وشرحوا لهم الصورة؟ أم أنّنا أمام حالة استقواء وتنمّر على الدولة فقط؟ وهل شيوخ العشيرة وكبار محافظة عجلون متواطئون مع هذه الاحتجاجات، أم أنّهم فقدوا السيطرة الأدبية والتقليدية على الجيل المتمرّد الجديد؟!

المواطنون يجدون أنفسهم في هذه المتوالية من التساؤلات، بعد أيام قليلة على أحداث معان الخطرة، التي امتزجت بها التساؤلات نفسها، وغابت بشأنها الرواية الرسمية المقنعة للإعلام، فلم نجد توضيحاً محدّداً يربط لنا ما بين أحداث العنف وتبادل إطلاق النار وقتل أحد المطلوبين، وشخص آخر بالخطأ، والكمين لقوات الأمن الذي أودى بحياة وإصابة عدد من رجال الأمن؟ فما علاقة ذلك بالتيار السلفي الجهادي (الذي ينفي أي دور له)؟ ولماذا جاءت الأحداث متزامنة مع احتجاجات العاطلين عن العمل؟.. إلخ.

بدأت دوّامة معان وانتهت من دون حلول حقيقية، كما يقول أحد المراقبين من المدينة، الصديق صالح أبو طويلة، على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وما تزال نتائج الأزمة معلّقة، وتداعياتها مفتوحة!

الملاحظة الجوهرية والمحيّرة، يا جماعة، في رصد ما حدث ويحدث في هاتين المحافظتين من أحداث وتطورات وتداعيات خطرة وحساسة، هي أنّ الحكومة اختفت تماماً عن المشهد. فرئيس الوزراء لم يعلّق بحرف واحد، بل كان أثناء اشتباكات معان في زيارة لمدينة رام الله؛ وأثناء أحداث عجلون ربما يتحدث عن شأن آخر مختلف تماماً، وكأنّنا نتحدث عن حكومة في دولة أخرى، أو لكأن هاتين المحافظتين، عجلون ومعان، تقعان في بلدٍ آخر غير الأردن، أو أنّ أي قضية خارج عمّان ليست من اختصاص الحكومة!

الحكومة في حالة غيبوية سياسية. لكن في هاتين الأزمتين، لا يمكن إيجاد أي تفسير لهذا التبخّر الرسمي السياسي! فإما أننا أمام قضية هيبة الدولة، ومن المفترض أن تكون رسالة الحكومة واضحة وصارمة، وتدعم رجال الأمن وتضع حدّاً للتنمر على القانون وتحشد الرأي العام والإعلام خلفها، وهذا لم يحدث بالطبع! أو أنّنا أمام أزمات مركبة ومعقدة، ودور الحكومة فيها من المفترض أن يكون إطفاء الحرائق وإيجاد الحلول، والاشتباك مع المجتمع المحلي!

أما أن يكون لا هذا ولا ذاك، فهذا أغرب شيء؛ فهل نحن في بلدٍ واحد، أم جزر معزولة ومغتربين تقطّعت بينهم الأخبار وغابت الصورة الكلية عن الجميع، وبحاجة إلى برنامج إذاعي يساعدنا على تبادل رسائل الطمأنة والأخبار فيما بيننا!

الغد

أضف تعليقك