هنا تكمن العقدة

هنا تكمن العقدة

تقول مديرة عام صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إن أداء الاقتصاد الأردني على المسار الصحيح "رغم تحديات البيئة الخارجية".

التصريح مهم، توقيتاً ومضموناً، من شخصية اقتصادية دولية بثقل لاغارد. وفيه قدر من التقييم الصحيح، وإن انطوى في الوقت نفسه على بعض المجاملة.

لكن السؤال المهم: هل يسير الأردن فعلاً في الاتجاه الصحيح الذي سيوصله إلى بر السلامة، بعد سنوات من برنامج التصحيح القاسي؛ فيُنهي بالنتيجة فترة من المعاناة الاقتصادية، ليبدأ بعدها مرحلة جديدة يشعر المجتمع بحسناتها؟ هل سيُنهي الأردن برنامجه وقد حقق أهداف "الصندوق" وطموحات الناس في آن؟

تُبين لاغارد، في مقابلة خاصة مع "الغد" أجراها الزميل يوسف ضمرة، أن الحكومة الأردنية تسعى إلى تحقيق النمو المستمر، "ولذلك، فهي تطبق إصلاحات هيكلية تهدف إلى تخفيض البطالة وزيادة النمو".

تقدير المسؤولة الدولية يبدو صحيحاً فيما يتعلق بالأهداف المالية والنقدية لبرنامج التصحيح، والمتمثلة في ضبط حسابات المالية العامة، والحفاظ على مستوى ملائم من الاحتياطيات، وتعزيز النمو. أما التحدي الأكبر والأخطر للحكومة، فيتعلق بتحقيق منجزات في قضايا اقتصادية تمس الأردنيين وتؤرقهم، وهنا تكمن العقدة؛ كون تقييم ونظرة المؤسسة الدولية للقرارات يختلف تماما عن النظرة الشعبية. فتحرير أسعار المحروقات من وجهة نظر "الصندوق"، خطوة مهمة، أوجدت آلية شفافة لتسعير المحروقات، وخففت عبء دعم الوقود عن الموازنة؛ في مقابل تصنيفه من قبل المجتمع ضمن قرارات الجباية الحكومية.

ما لا تعلمه لاغارد أن الحكومة تتلمس طريقها خطوة خطوة، وبصعوبة؛ نظرا لافتقادها لخطة اقتصادية موازية لبرنامج التصحيح الاقتصادي المبرم مع الصندوق، ترسم لها خريطة طريق خلاص البلد من أزمة خانقة، والانتقال إلى مرحلة مريحة تقوم على خلق نمو حقيقي يزيل الشعور بالضيق الاقتصادي.

والخشية أن غياب هكذا خطة موازية لن يسعف الحكومة في حل مشكلات قد لا تزعج "الصندوق"، بقدر ما ستستفز المجتمع مع انتهاء تنفيذ برنامج التصحيح في العام 2016، الذي يفترض أن يكون عام التخرج من الصندوق.

وسط أحادية المسار، يمكن تخيل أين سيكون البلد اقتصاديا بعد أربع سنوات؛ إذ يُتوقع أن يقفز الدين كرقم مطلق، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. علماً أن من المتوقع بلوغ هذا الدين حدود 19 مليار دينار، أو ما يعادل أكثر من 80 % من الناتج المحلي الإجمالي، نهاية العام الحالي.

التحدي الثاني البارز يتمثل في قدرة الخزينة على الوفاء بالتزامات الدين. فمثلا، يستحق في العام 2015 سداد سندات بقيمة 700 مليون دولار تدفع مرة واحدة، كانت حصلت عليها المملكة في وقت وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، مضافا إليها أقساط الدين الشهرية والفائدة المقدرة بحوالي 700 مليون دينار شهريا.

ثمة تحد مستقبلي آخر يمكن التكهن به، يتعلق بمدى قدرة الخزينة على توفير مخصصات للإنفاق الرأسمالي الذي تموله المنحة الخليجية، بمقدار مليار دولار سنوياً، مع انتهاء هذه المنحة في العام 2016. البعض يرى أن هذه النقطة ليست مشكلة، لأن الدول الخليجية ستجدد المنح بعد العام 2016. لكن، هل تُبنى الخطط على التعويل والتخمين؟!

السؤال الأهم المرتبط بمحور الإنفاق الرأسمالي، يتعلق بقدرته على التخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة المزمنتين، وتحقيق التنمية الشاملة خلال السنوات المقبلة، بعد إنفاق مليارات الدنانير. وهذا السيناريو المتشائم ليس من الخيال، فتجارب الأردن كثيرة في هذا الصدد.

القول إن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح، يبدو دقيقاً فقط لناحية إصلاح التشوهات المالية والنقدية التي تعاني منها الموازنة العامة من عجز نتيجة سياسات الدعم وتوسع الإنفاق.

الحكومة تبدع في تنفيذ نصف المهمة باقتدار. أما النصف الثاني، فما يزال خارج التغطية؛ والقول إن الخطط الحكومية ستخفض الفقر والبطالة بحاجة إلى أدوات مختلفة، لا تتوفر اليوم بيد الحكومة، ولا ندري متى يتحقق ذلك!

الغد

أضف تعليقك