قانون بمستوى عالمي

قانون بمستوى عالمي

عندما تأسست النافذة الاستثمارية الواحدة، قبل سنوات، كدائرة في مؤسسة تشجيع الاستثمار، ساد تفاؤل بقدرتها على التخفيف من مشاكل المستثمرين، وتقليل شكاواهم المستمرة من طول الإجراءات وتعقدها.

خرجت "النافذة" إلى حيز الوجود. لكن، وللأسف، لم يكن لها من اسمها نصيب، فلم تتمكن من لعب الدور المطلوب منها في تحسين بيئة الاستثمار. على العكس، باتت "النافذة" مصدرا للشكاوى من قبل مستثمرين عانوا من طول الإجراءات وتأخرها، بدلا من تبسيطها.

اليوم، لدينا مشروع قانون جديد للاستثمار، موجود بين أيدي النواب. والخشية أن لا يتمكن القانون من ترجمة السياسات والطموحات لجذب الاستثمار الأجنبي، وتحقيق التنمية المحلية.

يصف خبير مهم متابع للشأن الاستثماري، مشروع قانون الاستثمار الجديد بـ"المنتج الهجين"؛ إذ شارك في صياغته أكثر من وزير صناعة، تعاقبوا على الوزارة خلال السنوات العشر الماضية، أي منذ وضع قانون مؤقت للاستثمار ما يزال نافذاً حتى الآن.

الغريب أننا في بلد نتحدث فيه كل يوم عن أهمية الاستثمار، ويدرك مسؤولوه أهمية المشاريع الإنتاجية في حل المشكلات المالية والاقتصادية. لكن كل ذلك لم يُترجم تشريعيا، ولم يفلح في جعل قانون الاستثمار أولوية قصوى لا تحتمل التأجيل.

نظريا، حديث الحكومات عن الاستثمار وجذبه كثير. أما عملياً، فإن الأمر يبدو مختلفا. إذ لم يكن جذب الاستثمار مهماً فعلاً، بدليل تأخر وضع قانون دائم مستقر ينظم هذا القطاع، لنحوعقد من الزمن!

الحكومة الحالية أدركت أهمية القانون؛ فأقرّته وحوّلته إلى السلطة التشريعية. لكن النظر إلى مواد مشروع القانون يشي بأنه لن يكون قادراً على ترجمة الرغبة الرسمية في جذب وتعزيز الاستثمار من ناحية، وتنمية الصادرات من ناحية أخرى.

قد لا يلتفت العامة إلى مثل هذا القانون، باعتباره تشريعاً اقتصاديا يهم المختصين فقط. وقد يمر من دون ضجة إعلامية. لكن ذلك لا يلغي حقيقة أنه تشريع غاية في الأهمية، بحكم نتائجه وتبعاته على كل الأردنيين، بشكل مباشر أو غير مباشر، لاسيما على صعيد توفير فرص العمل، وبالتالي تخفيف معدلات البطالة والفقر.

المستثمرون يهتمون بالتقارير الدولية، والمؤشرات المرتبطة بالاستثمار بشكل كبير؛ وكثيرا ما يعتمد قرارهم الاستثماري عليها. والأردن لم يحقق نتائج طيبة على صعيد كثير من هذه المؤشرات. فمثلا، تراجعت مرتبة الأردن في تقرير تكلفة أداء الأعمال، الصادر في العام 2013، إلى المركز 106. وفي مؤشر بدء الأعمال تحديداً، تراجعت المملكة 11 درجة، لتحتل المرتبة 103. هذا إضافة إلى التراجع في مؤشر حماية المستثمرين.

تحسين مكانة الأردن في المؤشرات الاقتصادية العالمية، ضرورة؛ بعد أن تراجعت هذه المكانة خلال السنوات الماضية، وبما أثّر على قدرة البلد على جذب حجم مناسب من الاستثمارات التنموية، لناحيتي الكم والنوع.

ماهية القانون الجديد للاستثمار ستلعب دورا في تحسين تلك المؤشرات، ما يتطلب مناقشة التشريع مع جميع الجهات ذات العلاقة.

ثمة ملاحظات كثيرة لدى مختلف القطاعات الاقتصادية على مشروع القانون. وإقراره بأفضل صيغة، يتطلب التواصل مع المعنيين في تلك القطاعات، لتجنب المطبات مستقبلا. لاسيما أن مختصين يرون أن مشروع القانون، بطبعته الموجودة لدى النواب، لن يغير كثيرا في المشهد الاستثماري.

خلال أشهر، سيكون لدى الأردن أول قانون دائم للاستثمار، بعد سنوات من الغياب. وهو يجب أن يراعي أحدث الممارسات العالمية في مجال جذب المستثمرين وتسهيل عملهم، حتى يجني الجميع نتائجه الإيجابية المتعددة.

التنافس العالمي والإقليمي على جذب الاستثمارلا يتوقف، والكل متأهب لجذبه. ونحن في الأردن اقتصاد محدود الموارد، وسوقه صغيرة، ما يجعل دخول سوق المنافسة وإحراز نتائج، مرتبطين بسنّ قانون عصري يفهم لغة العالم الجديدة

الغد

أضف تعليقك