النسور يحلق وحيدا!

النسور يحلق وحيدا!

يعترف رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، بأن الإجراءات الاقتصادية التصحيحية التي اتخذتها حكومته خلال الأشهر العشرة الماضية، تحتاج سنوات طويلة لتنفيذها في دول أخرى، وتحديدا تحرير أسعار المحروقات، والشروع بخطة تحرير تعرفة الكهرباء التي بُدِئ تنفيذ الجزء الأول منها العام الحالي.

اعتراف الرئيس يعكس إدراكه لكبر الخطوات التي اتخذها، مع رؤيته أن كلفتها السياسية والاجتماعية مقبولة، ما جعل التفاؤل مسيطرا على حديثه خلال لقائه كتّابا ورؤساء تحرير يوم أمس.

النسور يظن أن النهج الذي طبقته حكومته يصب في صالح المجتمع والأردن، مستذكرا النقد الكبير الذي تعرض له رئيس الوزراء الأسبق زيد بن شاكر، رحمه الله، خلال فترة رئاسته الحكومة، وبمعيته وزير المالية باسل جردانه له طول العمر؛ وكيف انقلب النقد إلى مديح اليوم، بعد إدراك المجتمع خير ما فعلت تلك الحكومة رغم قسوة قراراتها.

المزاج الطيب المرتاح لدى النسور يستند إلى المنجزات التي حققتها حكومته، حينما نجحت في إخراج البلد من أزمته المالية الخانقة التي وصلت حد عدم توفر رواتب لدى وزير المالية، تزامنا مع عجز الحكومة عن الحصول على قروض من البنوك المحلية.

هذا في الوقت الذي أظهرت بيانات مالية نشرت أمس أن الحكومة اقترضت خلال العام الحالي مبلغ 2.049 مليار دينار من البنوك المحلية.

تقديم المعلومات الحقيقية غير المشكوك في دقتها مسألة مهمة للرئيس شخصيا. لاسيما أنه يحاجج بأن ما قام به مهمة وطنية، وأن كل رقم ومعلومة قدما لا تشوبهما شائبة، وأن الحديث الصريح والعلاج الصحيح أتيا أُكُلَهما نتائج طيبة.

دلالات التعافي من وجهة نظر الرئيس مرتبطة بارتفاع الاحتياطي الأجنبي خلال العام الحالي إلى نحو 12 مليار دولار، بعد أن انحدر إلى نحو 5 مليارات دولار.

فيما معدلات التضخم لن تتجاوز نصف نقطة؛ ما يعني أن ارتفاع الأسعار لن يؤثر كثيرا على مختلف أنواع السلع والخدمات.

منظور النسور الإيجابي للاقتصاد مرتبط أيضا بحجم الإنفاق الرأسمالي المقدّر في موازنة العام الحالي بحوالي 1.25 مليار دينار، ممول من صندوق المنح الخليجية بمقدار 650 مليون دينار، والباقي من الخزينة؛ ويعوّل عليه في تحقيق النمو المطلوب وتوفير فرص عمل من خلال 130 مشروعا ستنفذها الحكومة خلال العام 2013.

الرئيس طلب العون من الإعلاميين في بعض القضايا، وبدا عاتبا على الاقتصاديين الذين انتقدوا فكرة إلغاء الدعم عن الخبز، ومَن اعتبرها إذلالا للأردنيين. وثمة أمر آخر يزعج الرئيس، يتعلق باستخدام تعبير "إملاءات" صندوق النقد الدولي على الحكومة؛ مشبها "الصندوق" بالطبيب الذي يشخص المرض ويقدم وصفته للعلاج، مبقيا الخيار للمريض بالالتزام بالوصفة من عدمه، ويبدو أن الحكومة تلتزم بحذافيرها.

وهو بذلك يستعير التوصيف الذي قالته مدير عام "الصندوق"، كريستين لاغارد، عن المؤسسة الدولية، في مقابلتها مع "الغد" التي نُشرت مؤخرا.الرئيس ألمح إلى شمول شرائح أوسع من المجتمع بضريبة الدخل؛ إذ أكد أن نحو 98.5 % من الأردنيين معفَون من هذه الضريبة، وبما يمثل تشوّها كبيرا على حد تعبيره.الوضع  يبدو ورديا من منظور حكومي، لكن المنطق الشعبي مختلف.

فحالة التفاؤل "النسورية" يقابلها قنوط ويأس شعبيان، وغياب للأفق، باستثناء انتظار قرارات زيادة جديدة لأسعار سلع استراتيجية، مثل المياه والخبز.وحتى القطاع الخاص لا يمتلك الروحية التي تتحدث بها الحكومة.

فوسط حالة التباطؤ الاقتصادي، والقلق من الوضع السياسي المحلي والإقليمي، يبدو القطاع الخاص مترددا في اتخاذ القرار الاستثماري والشروع بمشاريع جديدة يؤمن الرئيس أنها الحل الجذري لكل المشاكل الاقتصادية، وتوفير فرص العمل للشباب الأردني.

لدى الرئيس مبرراته للشعور بالإنجاز، حتى لو كان رقميا فقط.

ومن حق الناس أن تنتظر من الحكومة خدمة أفضل، وأداء ينعكس على حياتها. فبين ما يفكر فيه النسور وبين ما يظنه الناس، ثمة بون شاسع، فهل من الممكن تقليصه؟

الغد

أضف تعليقك