من يحمي البيانات العضوية للاجئين السوريين في الأردن؟

 عمان نت حاولت الإتصال مرارا مع الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن ولم يجب على مكالماتنا

 

تقف منى في طابور طويل مع أكثر من خمسين شخص أمام ماكينة الصراف الآلي التابعة لبنك القاهرة عمان في المفرق والمزودة بآلة قارئة تتحقق من قزحية العين لمستحق المساعدة النقدية التي توزعها المفوضية على اللاجئين السوريين في الأردن. 

تتابع منى كل شهر جروبات الفيسبوك المتعلقة بالمساعدات في انتظار بوست يقول "نزلت البصمة" نظرًا لأن هاتفها لا يستقبل الرسائل النصية، من أجل أن تبدأ رحلتها التي تستغرق ست ساعات من عتبة المنزل حتى وصولها الماكنة وانتظار الدور والتقاط بصمة العين التي تصرف لها 100 دينار تسدد اغلبها لايجار المنزل. 

 

يستضيف الأردن 670 ألف لاجئ سوري مسجلون لدى المفوضية، 85.4% منهم مسجلون باستخدام البيانات العضوية. تشير البيانات العضوية أو البيومترية للخصائص البيولوجية والفسيولوجية للفرد مثل بصمات الأصابع وبنية الوجه وأنماط القزحية والشبكية والتعرف الصوتي وطريقة المشي وغيرها -بدلاً أو بالاضافة إلى البيانات الشخصية التقليدية مثل الاسم والعمر وعنوان السكن- من أجل تشكيل هوية رقمية مخزنة الكترونيًا تساعد في تحديد الهوية أو التحقق منها بناء على قاعدة بيانات تم جمعها سابقا. 

 

بدأت المفوضية في تطبيق نظام بصمة العين للاجئين السوريين بدلاً من البطاقة التقليدية في نوفمبر 2016، بعد شراكة وقعتها المفوضية مطلع العام نفسه مع بنك القاهرة عمان بصفته مجهز بمعدات مسح قزحية العين للاجئين والمواطنين على حد سواء منذ 2008 في 89 ماكينة صرف آلي موزعة على امتداد الأردن، رغم أن الأردن نفسه يقوم بجمع بصمات اللاجئين السوريين منذ 2013 في مراكز تسجيل اللاجئين الحدودية من أجل تزويدهم ببطاقات أمنية. 

 

وبذلك، يقدم اللاجئين السوريين في الأردن بياناتهم العضوية مرة من أجل الحصول على بطاقة أمنية بيومترية من الداخلية تعمل كهوية شخصية لإثبات وضعهم القانوني في البلاد كلاجئين، ومرة للحصول على بطاقة لاجئ من المفوضية تعمل كهوية وظيفية تخولهم للوصول إلى الخدمات والمساعدات مثل آلات مسح قزحية العين في ماكينة الصراف الآلي لبنك القاهرة عمان وأجهزة المحاسبة في بعض مراكز التسوق. 

 

حصلت منى على هوية امنية بعد اجتيازها الحدود الأردنية عام 2014، وتم تسجيلها في المفوضية بعد أسبوع من اقامتها في مخيم الزعتري، استحقت بموجبه 35 دينارا، وهي قيمة كوبون غذائي لشخصين يوزعه برنامج الأغذية العالمي ويصرف عن طريق مراكز التسوق التي تستخدم ماسح القزحية. عام 2016، تقدمت منى للحصول على مساعدات المفوضية النقدية وصرفت لها أول 100 دينار شهرية بعد عام من التقديم على خلفية كشوفات للمنزل واثباتات طبية عن حالتها الصحية. 

 

في كل الحالات التي سجلت فيها منى بصمة عينها، لم يقم أحد بتوضيح ماهية بصمة العين لها، كما لم تكن موافقتها مطلوبة للتسجيل رغم خصوصية البيانات البيومترية وإشكاليات الخصوصية في إدماجها بالعمل الإنساني. "ليش بدي أسأل؟"، لم تفرّق منى بين تسجيل بياناتها الشخصية والعضوية واعتبرت أن كلاهما إجباري للتواجد الشرعي في البلاد. على أية حال، تعتبر منى أنها لا تمتلك القدرة على رفض تسجيل بصمة العين، لأن رفض التسجيل يعني الحرمان من المساعدات. 

 

استخدمت المفوضية البيانات العضوية لإنشاء هويات رقمية في مجال العمل الإنساني لأول مرة في عملية اعادة اللاجئين الأفغان في باكستان إلى وطنهم بهدف القضاء على عمليات الاحتيال. توفر الهويات الرقمية إمكانية تحقق كبيرة من الهوية، لا يمكن للأفراد استبدال أو تمرير بصماتهم مثلما يمكن أن يحصل ذلك عبر البطاقات والكوبونات، لكن المفوضية لم تقدم نسب دقيقة عن الاحتيال قبل أن تشرع بتطبيق نظام البيانات العضوية. 

 

تحل الهوية الرقمية مشاكل الاحتيال إذا افترضنا وجودها وارتباطها المباشر بممارسات اللاجئين، لكنها تفرض أيضًا تحديات إضافية. تعزو منى استغراقها ست ساعات في صرف المساعدة إلى المسافة بينها وبين ماكنة الصراف الآلي الوحيدة بالمفرق والتزاحم الشديد عليها بالتزامن مع صرف نفقات العسكريين، والأعطال التقنية التي تصيب الآلة ووجود مقدم واحد للخدمة. 

 

وعلى الرغم من أن استخدام هذه التكنولوجيا يسهل الوصول للمستحقين على نطاق واسع كجزء من أهداف التنمية المستدامة التي تدعو إلى توفير الهويات القانونية للجميع في محاولة لحماية الحقوق مثل الوصول للتعليم والرعاية الصحية والشمول المالي، إلا أن كبار السن والعجزة والمرضى بالتحديد من يعانون من إصابات في عيونهم يتعذر عليهم الاستخدام الميسر للماكنة بدون أن يستغرق ذلك الكثير من الوقت واستخدام القطرات وتعطيل طابور الانتظار. 

 

ولّدت هذه المنظومة من محاولة منع التحايل طبقة أخرى من التحايل التي يمارسها أصحاب التكاسي الذين يوقفون سياراتهم قرب البنك لانتظار كل الذين استنفذوا فرصهم في استخدام الآلة دون أن يتمكنوا من صرف مستحقاتهم. تقول منى أنها كثيرًا ما تضطر عندما تعجز عن فتح عينيها في مواجهة أشعة الشمس إلى أخذ سيارة أجرة برفقة نسوة أخريات لصرف المساعدة في احدى فروع البنك في الزرقاء. تدفع كل واحدة منهن لصاحب السيارة 7-10 دنانير من المساعدة المتوقع صرفها عند الوصول.

 

لا تشكك منى بأن المفوضية تقوم بمشاركة بياناتها مع المنظمات الدولية الأخرى أو الدول المانحة للمساعدات، لكنها لا تعتقد أنها تقوم بمشاركتها مع الحكومة السورية. تستشهد على ذلك بزيارتها لمركز طبي تابع لمنظمة الكاريتاس حيث "أخذ الموظف بطاقة المفوضية وحكالي عن كل مساعدة اخذتها بدون ما يسألني سؤال واحد"، بحسب منى.  

 

تقنيًا، تزود المفوضية أطرافًا آخرين بإمكانية الوصول للخادم الذي يخزن صور القزحية لغايات التحقق، لكن مقدم الخدمات المالية (بنك القاهرة عمان)، أو مشغل الخدمة (شركة irisguard)، أو المنظمات الدولية الأخرى لا تملك الوصول للسجل الشخصي للأفراد أو البيانات -ما لم يتم أخذ موافقتهم عند التسجيل بحسب ورقة ارشادية نشرتها المفوضية-، ما عدا قدرة الحكومة الأردنية على الوصول لبيانات المفوضية لغايات أمنية "متى كان لذلك فائدة في إظهار الحقيقة"، بحسب المادتين 88 و89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. 

 

لا يوجد في الأردن حتى الآن قانون خصوصية يحمي بيانات المواطنين رغم أن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة قدمت في 2014 مسودة مشروع قانون حماية البيانات الشخصية ولم يتم إقراره بعد جولة من الاستشارات المدنية وسلسلة من المخاوف الرقابية. تقول المحامية والمستشارة القانونية مريانا أبو دية أن القانون - في حال إقراره ونفاذه - ينطبق على جميع الأشخاص الطبيعيين بغض النظر عن جنسيتهم طالما كانت بياناتهم داخل حدود المملكة الأردنية الهاشمية. 

 

تضيف أبو دية أن الهويات الرقمية تفرض تحديات إضافية حول جمع البيانات وتخزينها وحمايتها وإمكانية مشاركتها في ظل عدم وجود قانون يحدد هذه الالتزامات، مشيرةً إلى أن ضوابط حفظ البيانات قد تكون محمية في مواجهة الشخص المخترق بموجب قانون الجرائم الالكترونية لكن العلاقة التعاقدية ما بين الطرفين غير واضحة المعالم. 

 

يصبح استخدام الهويات الرقمية للاجئين مع الوقت أكثر انتشارًا في ظل حاجتهم الملحة للمساعدات النقدية والعينية، لكن استخدام الحلول الرقمية في العمل الإنساني يتقاطع مع حقوق اللاجئين الأساسية في حماية خصوصيتهم وحريتهم خصوصًا وأن 22% فقط من اللاجئين يفضلون استخدام بصمة العين بهدف التخلص من البطاقات وأعطالها وإمكانية ضياعها، في حين يفضل 78% استخدام بطاقة الصراف الآلي أو لا يعتبرون أنفسهم يملكون الخيار فيما سيتلقونه، بحسب دراسة أجراها معهد التنمية الخارجية. 

 

التكنولوجيا ليست محايدة وعندما لا يتم مسائلتها تصبح أداة لتعزيز هيمنة السلطة على الطبقات الأضعف، ولذلك يجب إعادة السلطة للمستفيدين الأساسيين في حال رغبتهم بتقديم بيانتهم العضوية من عدمها بدون أن يسبب لهم ذلك الحرمان من المساعدات، وفي ظل إجراءات شفافة وواضحة لحماية بياناتهم وحماية حقهم في الوصول لخدمة متوفرة وميسرة وشمولية حتى لا تنتج إجراءات إدماج اللاجئين تجاربًا واقعية في إقصائهم. 



 

أضف تعليقك