من هاوي إلى مصمّم أزياء محترف: كيف قام أحد اللاجئين بصناعة أزياء الغد

قبل إطلاق أي رصاص أو أصوات حرب مرعبة التي اجتاحت مدينة حلب من جميع زواياها، كان وسيم سودا طفلاً يافعاً يتعلم حرفة الخياطة من والده. علّمت الأزمة السوريين الكثير من الأشياء، إلا أن أهمّها بالنسبة لوسيم كانت مغادرة المكان الذي وُلد وترعرع به وقضى فيه طفولته، ليتخذ وسيم أولى خطواته الاحترافية في الأردن: شاب وحيد ومبتدئ يتمتع بمهارات حرفية.

موهبة وسيم منتشرة في كل ركن من أركان العالم. إلا أنه وفي ظل المنفى، وجد وسيم شغفه وحدّد هدفه وسعى وراء حلمه، لأنه يؤمن بأن إزدهار الموضة والأزياء ليس محدود لباريس أو ميلان أو روما.

بعد وصوله إلى الأردن في عام 2012، بدأت مسيرته المهنية في تصميم الأزياء، وبدأ في التعلم واكتساب المزيد من الخبرة من خلال تلقي دروس خاصة في الخياطة وتصميم الأزياء. ويوماً بعد يوم، بنى وسيم مهنة من شأنها أن تساعده في التغلب على تحديات الغربة، وبعد عشر سنوات وضع بصمته في مجال الأزياء والموضة في الأردن.

عمل وسيم في أكثر من خمس شركات مختلفة منذ وصوله، بحيث كان دائماً يسمع نفس العبارة من كل هذه الشركات: “لن ننساك… وبمجرد أن نصل إلى هدفنا، سيتم ترقيتك”. تلك العبارات تركت أثر على وسيم في تكريس كل طاقته وتصميمه وشغفه لمساعدة هذه الشركات في الوصول إلى أهدافها. وفي يوم من الأيام، عاد وسيم إلى المنزل محاطاً بخيبة الأمل واليأس، وحينها أدركت زوجته أن الوقت قد حان لتسويق إسم وسيم بدلاً من استمراره كموظف لدى أحدهم.

يقول وسيم: “بعد إيصالهم لأهدافهم، كنت دائماً أتلقى نفس الجملة: أنت مجرد موظف يمكن استبداله، لقد قمت بعملك وليس أكثر”.

في المرة الأخيرة التي سمع فيها هذه الجملة، تغيّرت القصة وقلبت حياة وسيم رأساً على عقب. كانت يمنى، زوجة وسيم وداعمته المخلصة، على يقين بأن وسيم شخص لا يمكن استبداله وأنها لا تريد أبداً رؤية خيبة الأمل في عينيه مرة أخرى. وهكذا خطرت لها فكرة في فتح مشروعهم الخاص والمختص في الخياطة وتصميم الأزياء والذي وجده وسيم صعب التنفيذ وذلك لعدم امتلاكهم المال والأيدي العاملة الكافية.

لم تقم يمنى بالإستسلام، بل وقامت بمساعدة وسيم لنأمين الأموال اللازمة لإطلاق هذا المشروع. كما وقامت بالإلتحاق بدورة مقدمة من مؤسسة التعليم من أجل التوظيف (EFE) في مجال التسويق الرقمي والتي تعلمت من خلالها أساسيات التسويق الرقمي والإعلان، مما مكّنها من إدارة جميع ما يتعلق بالتسويق لهذا المشروع والمبيعات. نتيجة لذلك، تأسس مشروعهم الخاص “برادايس فاشون” بناءً على خبرة وسيم في تصميم الأزياء والخياطة، حيث تولت زوجته جميع ما بتعلق بالتسويق والطلبات.

 

وسيم وزوجته، يمنى عطري، يقومان بالتحضير لأحد الطلبات. ©مفوضية شؤون اللاجئين / ليلي كارلاي

تخصص مشروعهم في تصميم وخياطة البدلات الرسمية وأطقم متناسقة والفساتين الرسمية. بعد مواجهتهم للعديد من التحديات وأيام طويلة من العمل الدؤوب، توسعت صفحة مشروعهم على مواقع التواصل الاجتماعي من 200 متابع إلى 81,000 متابع في أقل من عشرة أشهر وأصبحت معروفة بين الكثير من الأردنين.

 

صفحة مشروع وسيم على مواقع التواصل الإجتماعي

قالت يمنى: “أنا فخورة جداً بهذا العمل الذي بدأ في غرفة صغيرة، بآلتين للخياطة ومكواة، ولكن بحرفية استثنائية”.

لقب وسيم كـ”لاجئ” لم يكن أبداً عائقاً أمامه. بل في الواقع، لعب إصراره وطموحه دور أكبر في مواصلة حياته وتحقيق حلمه.

قال وسيم “لن أتوقف بسبب اللقب. ولن أستسلم لأنني لاجئ. اعتبرت هذا البلد وطني الثاني خصوصاً بعد أن تلقيت الكثير من اللطف والدعم من الناس هنا”.

بعد عشر سنوات، لاحظ وسيم تحسناً ملحوظاً في حياته حيث كان ذلك نتيجة المراحل المختلفة التي مر بها: الشغف والتصميم والثبات والدعم المستمر من زوجته.

في المستقبل، يأمل وسيم وزوجته بفتح مخيطة ومتجر (بوتيك) خاص بهم والذي سيتضمن تصميم وبيع فساتين الزفاف والمناسبات وغيرها من الملابس الرسمية للسيدات. بالنسبة لهم، هذا العمل لا يتعلق بوسيم وزوجته فقط، إنه تراث سينتقل إلى أبنائهم.

أضف تعليقك