معتقلونا بالخارج يتقلبون على نار دبلوماسيتنا "الهادئة"

الرابط المختصر

وثائقيات حقوق الانسان- محمد شما في ما يشبه فصلا من كوميديا سوداء شهدتها ساحة مجلس النواب بالامس، تحول ملف الاردنيين المنسيين في سجون 39 دولة حول العالم، من قضية حقوق وحريات الى معركة اعداد وارقام عقيمة بين النواب والحكومة. كان عبد الرؤوف خضر والد المعلم الشاب علاء الذي يقبع في سجن التاجي في العراق منذ عشر سنوات، من ضمن ذوي المعتقلين الذين انتظروا بفارغ صبر جلسة مجلس النواب هذه، لعلهم يسمعون شيئا جديدا يحي الامل في نفوسهم التي يكاد يستوطنها اليأس. ولكن محصلة هذا الانتظار كانت خيبة امل مريرة، ومزيدا من القلق على ولده الذي لا تزال عشرات الاسئلة حائرة في راسه حول مصيره واسباب اعتقاله، ودون ان تسعفه مناشداته المستمرة لوزارة الخارجية في العثور على اجابات عليها.   واكثر ما يحير عبدالرؤوف هو عدم اكتراث الحكومة بابنه رغم انها هي من ابتعثته الى العراق من خلال وزارة التربية والتعليم من اجل استكمال دراسته العليا. وباسى يقول الاب ان حقيقة كون ابنه موظفا حكوميا لم تشفع له! ومع تشكل مجلس النواب الجديد، استيقظ الامل في نفس عبدالرؤوف في ان يضغط النواب على الحكومة حتى تتحرك وتبذل جهدا حقيقا في متابعة ظروف اعتقال الاردنيين في الخارج ومن ضمنهم ابنه علاء. وبالامس، كانت كل جوارح الرجل ومعه مئات من ذوي المعتقلين في الخارج مشدودة الى جلسة البرلمان التي كان مقررا ان يجيب خلالها وزير الخارجية ناصر جودة على اسئلة النواب حول هذه القضية. غير ان المفاجأة كانت باندلاع خلاف بين الوزير والنواب بشأن عدد المعتقلين الذين تحولوا في غمرة النقاش المحتدم من بشر غارقين في المعاناة الى مجرد ارقام صماء. فقد اعلن جودة ان عدد الاردنيين المعتقلين في اسرائيل هو 20 فقط، وذلك في اجابة على سؤال لرئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب بسام المناصير الذي احتج بانهم 321، واقترح تشكيل وفد نيابي لزيارة الدول التي لديها معتقلين اردنيين. وكانت احصائية رسمية لوزارة الخارجية كشفت في وقت سابق عن ان عدد المعتقلين في اسرائيل هو 338، مشيرة الى ان  العدد الكلي للمعتقلين الاردنيين في الخارج بلغ 1464 معتقلا منهم 1314 معتقلا لاسباب جنائية و 42 معتقلا لاسباب امنية و 108 معتقلا لاسباب اخرى، موزعين على 39 دولة في العالم. لكن وزير الخارجية اصر على ان عدد المعتقلين في اسرائيل هو 20 وان اي رقم اخر ليس سوى محض شائعات. واضاف ان هؤلاء تهمهم أمنية، مع اشارته الى ان اسرائيل هي من تحدد إذا ما كانت التهم جنائية ام امنية.  ولم يفت الوزير التاكيد على ان واجب وزارته يتمثل في تحقيق محاكمة عادلة لهم، والتواصل والزيارات كلما سمحت إسرائيل، اضافة الى بذل جهود لاعادة الذين تسمح انظمة الدول المسجونين فيها بتسليمهم للاردن لاكمال محكوميتهم. وعلى الدوام كانت وزارة الخارجية تؤكد انها تبذل جهودا متواصلة وحثيثة من اجل متابعة اوضاع وظروف معتقلينا في الخارج، ولكن في هدوء وبعيدا عن الاضواء الاعلامية. غير ان هذا الهدوء وتلك الجهود لم تسفر سوى عن اطلاق سراح اربعة من المعتقلين على مدى السنوات الخمس الماضية، وفق ما يعلنه الوزير جودة. مجرد شعارات لكن الأسير الأردني المحرر من إسرائيل، أنس أبو خضير، يؤكد من خبرته الشخصية ان ما يطرحه الوزير وكذلك الحكومة ممثلة بوزارة الخارجية هو مجرد شعارات لا اساس لها على ارض الواقع. وقال ان التحرك الأردني الرسمي مجرد فقاعة تزول بانتهاء الضغط الشعبي عليها، كنا نرصد في السجون الاسرائيلية اهتمام دول بمعتقليها هناك بينما نحن أبدا لم نلق اهتماما من حكومتنا. واضاف ابو خضير أن إهمال الحكومة وعدم متابعتها اطلق يد اسرائيل للتنكيل بالأسرى الأردنيين لديها. وضرب مثلا حول قيام الحكومة بسحب الرقم الوطني من الأسير رأفت العسعوس والأسير المحرر وائل الحوارني. ومن جهته ايضا، يؤكد علي الصقور الذي تعتقل سوريا شقييقه ابراهيم منذ العام 1999، ان الحكومة تتقاعس عن متابعة قضية شقيقه حد الاهمال التام. ويقول “الحكومة الأردنية تعلم باعتقال شقيقي، لكنها لا تريد متابعة ملفه او ملفات المعتقلين الأردنيين الآخرين". ويضيف علي الذي لم يوفر طريقة لأجل الضغط على الحكومة لمتابعة قضية شقيه ابراهيم "نحن نطالب بالبديهيات فقط. ان يقوم السفير الأردني أو اي دبلوماسي أردني في سوريا بزيارة السجون السورية لمعرفة ما اذا كان معتقلونا على قيد الحياة أم لا". ولا يخفي علي خشيته على شقيقه ويقول ان "الحرب التي نرصدها في سوريا والقتل المجاني غير بعيد عن المعتقلين في هناك". والد المعتقل الأردني في اليمن حازم الحراسيس ينتقد هو الاخر وزارة الخارجية على تقصيرها في متابعة ملف اعتقال ابنه الذي صدر بحقه حكم بالسجن 3 سنوات بتهمة الإرهاب الى جانب خمسة آخرين واجهوا نفس التهمة. ويقول ان "السفير الأردني في اليمن كان يتحرك من تلقاء نفسه في متابعة ملف أبني واردنيا اخر يدعى عبدالله البزايعة، لكن الخارجية لم تلتفت إلى اعتقاله وكأنه ليس أردنيا". ويضيف ان وزارة الخارجية الاردنية “لم يكن لها أي دور على الإطلاق، رغم مراسلاتي المتكررة وزيارتي لليمن وإشعار السفارة الأردنية هناك". دبلوماسية قاصرة وعلى صعيده، يرى النائب السابق والناشط في ملف المعتقلين لطفي ديرباني أن "الدبلوماسية الأردنية في الخارج لا ترقى لمستوى المواطنين وهذا الخلل ناتج عن إهمال حكومي لملف المعتقلين". ويؤكد ديرباني أن الدولة عليها مسؤولية متابعة حالات اعتقال رعاياها لدى الدول الاخرى مهما كانت اسباب اعتقالهم. ويقول "حتى من يعتقل لأسباب جرمية وجنائية فالاهتمام والمتابعة تشمله، فما بالنا بمعتقلين لاسباب سياسية أو غير واضحة". بمنطق الدبلوماسية، فان على السفراء الأردنيين في الخارج التحرك بشكل مستمر ودائم لمتابعة ظروف من يعتقلون والبقاء في زيارات دائمة في أماكن اعتقالهم، هذا ما يفهمه النائب السابق لدبوماسية الدول. وكما يبلغنا ديرباني، فانه يعكف على اعداد مذكرة سيوجهها إلى مجلس النواب لأجل تبنيها وتتضمن حث رئيس الوزراء على التحرك والمطالبة بالأردنيين المعتقلين في الخارج. ومن جانبه، يعتبر الخبير الدستوري ليث نصراوين ان هناك تقصيرا من قبل الدول في ما يتعلق باوضاع المعتيقلين الاردنيين في الخارج. ويقول نصراوين ان "هذا ليس مفاجئا لكون الدستور الأردني يخلو من أية إشارة إلى حقوق الأردنيين المقيمين في الخارج؛ فالمعالجة اقتصرت على حقوق الأردنيين وواجباتهم داخل حدود الأردن". ويضيف انه "بالتالي لا مسؤولية قانونية على الدولة وتحديدا الخارجية الأردنية" في هذا الصدد. ويرى ان هذا الواقع يتضمن حرمانا للأردنيين في الخارج من متابعة الدولة لشؤونهم وتطبيق حقوقهم المدنية والسياسية.  ويقترح نصراوين “إنشاء وزارة هجرة أردنية تهتم بالأردنيين في الخارج، أسوة بكثير من الدول، أو على الأقل أن يكون القسم فاعل داخل وزارة الخارجية في متابعة شؤون الأردنيين والتواصل معهم". وتفرض الاتفاقيات الدولية أو الثنائية على الحكومات الاهتمام برعاياها، كما هو منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي دخل في الجريدة الرسمية في العام 2006. الناشطة الحقوقية لين خياط تؤكد من جانبها أن "ميثاق الأمم المتحدة يلزم الأطراف الموقعة عليه باحترام حرية الاشخاص وضمان حرية تنقلهم وفق أطر المادة 11 وحتى لو كانت الدول موقعة أو غير موقعة، فهي ملزمة للدولة. وترى خياط ان تعرض المواطن للاعتقال في الخارج دون ان تبدي دولته اي اكتراث هو امر من المؤكد ان يخلق أزمة ثقة بين الطرفين خصوصا اذا كان العامل السياسي والاقتصادي هو المتحكم في علاقة الأردن مع الدولة التي يعتقل فيها المواطن. وترى خياط أن أقل ما يمكن فعله للدولة "هو تقديم استجواب للدولة المعتقلة للمواطن، لتبيان دواعي الاعتقال وإشعارها باهتمام الدولة بمواطنيها". يأس حقوقي وبدوره يؤكد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع الأردن، عبد الكريم شريدة، ان الحكومة تتجنب اثارة قضايا المعتقلين الاردنيين مع بعض الدول خشية الاضرار بعلاقاتها معها في المجالات الاقتصادية والتجارية. ويقول "رصدنا اجتماعات أردنية مع دولة أخرى يوجد فيها أردنيين معتقلين، ولم نرصد ملفات المعتقلين على أجندة الحوار، ما يعني أنها أسقطت لصالح العلاقات التجارية والاقتصادية”. واعتبر شريدة ان هذا الواقع كان على الدوام عاملا اساسيا في تكريس فشل الدبلوماسية الاردنية المستمر في متابعة اوضاع المعتقلين في الخارج.  وعدا عن الدور الذي تلعبه معادلات التجارة والاقتصاد، فان شريدة يشير الى حالة استخفاف بالمواطن الاردني تجعل الحكومة لا تعيره اي اهتمام، ولا تكلف نفسها حتى التفكير فيه. ويشير في هذا السياق الى قيام السلطات العراقية بإرسال كتاب إلى الخارجية الأردنية قبل شهر تطالبها بتزويدها بأسماء الأردنيين المعتقلين في العراق لأجل التفاهم على نقلهم إلى السجون الأردنية لإكمال باقي مدد محكومياتهم، لكن الخارجية لم تجب حتى اللحظة. وكما يؤكد شريدة فان الدولة ملزمة بمتابعة رعاياها حال اعتقالهم في اي دولة انطلاقا من مسؤوليتها تجاههم. وهو هنا يدعو الحكومة الى قراءة ما كتب على جوازات السفر باسم الملك، كما يطالب الوزراء والسفراء بالاهتمام بالأردنيين في الخارج. ويخلص رئيس فرع المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن الى ان المطلوب من الحكومة واضح، وهو العمل من اجل ضمان المحاكمات العادلة للأردنيين في سجون الدول وترتيب زيارات لأهاليهم، وتفعيل الاتفاقيات التي تنقل على اثرها محكومية الأردني في بلده. ومن جهته ايضا، فقد دعا مدير مركز الجذور لدراسات حقوق الإنسان، فوزي السمهوري، الحكومة إلى قراءة نص التزام الدولة بمواطنيها المنصوص عليها في جواز السفر، ويقول انه "إلتزام لا يحتاج إلى تذكير". كما حث سمهوري الحكومة على ان تقرأ بتمعن الرسالة النقاشية التي نشرها الملك مؤخرا والتي تؤكد أن الأردنيين من مسؤولية الدولة. وقال انه إذا كان هناك إهمال من الحكومة على صعيد متابعة اوضاع المعتقلين في الخارج، فالمطلوب الضغط المدني عليها من اجل العمل للافراج عنهم.