وثائقيات حقوق الانسان- اسماء رجا مجددا يعود قانون المالكين والمستأجرين المثير للجدل الى البرلمان الذي يبدو انه يقف امام فرصة ربما تكون الاخيرة لاجتراح معادلة مستحيلة للقانون ترضي الاطراف المحتقنة. ومنذ اقراره اول مرة عام 1994، ومن ثم تعديله في عام 2000 وبعدها في 2009 ثم في 2010 وفي 2011 واخيرا في 2012، كان القانون يقابل برفض صارخ تارة من المالكين واخرى من المستأجرين. وكثيرا ما كان الرفض يترافق مع احتجاجات واضرابات تصحبها تحذيرات مقلقة من مخاطر القانون على السلم الاجتماعي والامن الاقتصادي للبلاد. وتنبع تلك التحذيرات من حقيقة مساس القانون بحياة ومستقبل نسبة لا يستهان بها من سكان المملكة، وذلك في ظل وجود اكثر من 225 الف عقد ايجار سكني ونحو 200 الف عقد ايجار تجاري وفق ارقام جمعية المستاجرين. ولعل ما اكسب التحذيرات جدية هو حقيقة وصول القضايا التي استقبلتها المحاكم منذ سريان القانون الى اكثر من 23 الفا غالبيتها متعلقة اما باخلاء مأجور او رفع قيمة الايجار. وحظي التوجه نحو نزع فتيل الازمة التي كان سيتسبب بها القانون باول دفعة قوية عندما وقع 40 نائبا على مذكرة تطالب بمنح مشروع معدل له اعدته الحكومة صفة الاستعجال بهدف تدارك الموقف. ثم جاءت الدفعة الثانية التي ربما تكون الاهم عندما اصدرت المحكمة الدستورية حديثة النشأة قرارا ابطلت فيه اثنين من اخطر نصوص القانون. وصدر القرار بناء على طلب من محكمة التمييز صاحبة الصلاحية بإحالة الطعون بعدم دستورية قوانين واجبة التطبيق على قضايا منظورة أمام المحاكم. لجنة مقيدة وأتى قرار المحكمة الدستورية فيما كانت اللجنة القانونية في مجلس النواب تناقش مشروع القانون الذي يتضمن تعديل مادتين فقط هما (5 و 7) والمتعلقتين بما يسمى عرفا "العقود الممتدة بحكم الاستمرار القانوني" وليس القانون كاملا. وقد انتقد رئيس جمعية المستاجرين رائد عويدات تقييد اللجنة بهاتين المادتين تحديدا، معتبرا ان هناك مواد جوهرية اخرى بحاجة الى تعديل في القانون الذي وصفه بانه "غلّب مصلحة المالك على المستاجر". وانصب قرار المحكمة على المادة 5 من القانون، وجاء على شقين يتعلق اولهما بابطال النص الذي يمنع الطعن في قرارات المحاكم بشأن تقديرات بدل المثل للمأجور، وتاكيد حق الخصوم في الاستئناف اعمالا لمبدأ درجات التقاضي. اما الشق الثاني، فقد تناول الية احتساب بدل اجر المثل، حيث وجدت المحكمة أنها يشوبها البطلان ودعت المشرع الى ايجاد الية أخرى لتقدير هذا الأجر، وتركت له حق اعتماد هذه الالية. وينص القانون على جواز تعديل بدل الاجارة للعقود المبرمة قبل تاريخ 31 اب عام 2000 "بالاتفاق بين المالك والمستأجر واذا لم يتفقا يحق لاي منهما التقدم بطلب للمحكمة المختصة التي يقع العقار في دائرتها لإعادة تقدير بدل الإجارة بما يتناسب وأجر المثل في موقع العقار". ويضيف ان "على المحكمة البت في الطلب في مدة لا تزيد على ستة اشهر من تاريخ تقديمه، ويكون القرار بأجر المثل قطعيا ونافذاً من تاريخ تقديم الطلب". وفيما يتعلق بعقود الايجار المبرمة بتاريخ 31 اب عام 2000 وما بعده، فقد اعتبر القانون انها "تحكمها شروط العقد المتفق عليه سواء اكان العقار مخصصا للسكن او لغيره، وينقضي عقد الايجار بانتهاء المدة المتفق عليها”. وقد ادخلت اللجنة القانونية تعديلات على النص التزمت فيها برفع قيد التقاضي عن الدرجتين الأولى والثانية امتثالا لقرار المحكمة الدستورية. كما قررت استبدال عبارة بدل الاجارة بـ "بدل أجر المنفعة"، واعتمدت النسب للزيادات السنوية عوضا عن "بدل المثل"، واضافت على النص ما يفيد بالاستعانة بخبراء أهليين من نفس المنطقة التي يقع فيها العقار خلال اجراءات تحديد قيمة البدل. اشكالية النسب وبحسب ما يؤكده عويدات، فان فرض نسب باجر المنفعة تحقق عدالة وتخرج من اهواء البشر الى ارقام تحكمها نسب واسس محددة ترتبط بنسب التضخم صعودا وهبوطا وهي ارقام لا مجال للتلاعب فيها على حد تعبيره. وعلى النقيض من ذلك، فان رئيس جمعية المالكين محمد الكعابنة ينتقد النص الذي يتحدث عن الاستعانة لخبراء اهليين معتبرا انه قد يكون لديهم انحياز لاحد الاطراف، مطالبا بان يكون الخبراء محلفين من وسط متخصص بالخبرة. اما اعتماد النسب فقد رأى الكعابنة انه خيار غير مجد وخاصة للعقارات المستاجرة قبل عام 2000 والتي هي بالاصل ذات اجور قليلة. واشار الى ان الأخذ بالنسب سيؤدي الى احداث إشكاليات جديدة بين الطرفين حيث لا يمكن تطبيقها الا في حدود منطقة جغرافية واحدة ذات خصائص متشابهة نظرا للتطور الاقتصادي المتسارع في المواقع التجارية. فيما يتفق الكعابنة مع قرار زيادة اجراءات التقاضي لثلاث درجات ويرى فيها احقاقا للعدالة بين الطرفين. على ان رئيس جمعية المستاجرين يرى ان هذا القرار والذي لا يشمل الاحكام الصادرة قبل السابع من اذار، وهو تاريخ اعلانه من المحكمة الدستورية "لا يحقق العدالة بين المستاجرين انفسهم". ويوضح انه بموجب القرار فان جميع الاحكام التي تصدر بعد هذا التاريخ خاضعة حكما لدرجات التقاضي، في حين يجب شمول القرارات التي صدرت منذ سريان القانون الباطل دستوريا، وذلك حتى تتحقق العدالة. على صعيده، ينتقد الخبير القانوني ليث نصراويين المشرع الاردني الذي اوجد القانون واعطى المتخاصمين حق اللجوء الى المحاكم التي انيط بها تحديد اجر المثل بالاستعانة بخبراء اهليين. ويقول نصراوين ان الاجدى بالمشرع ان ينظم العلاقة بين المالك والمستاجر وان لا يحيل الامر الى القضاء. ويضيف ان التعديل لم ياخذ بعين الاعتبار اختلاف الخبرة بين شخص واخر واحتمال خضوع الاراء للاهواء بحكم الطبيعة البشرية. ويتابع قائلا ان التعديلات اغفلت مدة اشغال العقار وطبيعة المنطقة التي يقع فيها، معتبرا ان على القانون ان يميز بين المحل التجاري والسكني اضافة الى شهرة المحل التجاري ومكان وجوده. جدلية التوريث وفي ما يتصل بالمادة السابعة من القانون والتي لا تقل جدلية واهمية عن المادة الخامسة لتعلقها باشغال الماجور بعد وفاة المستاجر الاصيل، فان هذه المادة عموما تلقى رفضا من جمعية المستاجرين وترحيبا من المالكين. وبحسب ما ينص عليه القانون قيد التعديل في مادته السابعة فانه "إذا توفى المستأجر فلأفراد أسرته الذين كانوا يقيمون معه في العقار عند وفاته الاستمرار في إشغال المأجور لمدة ثلاث سنوات من تاريخ الوفاة". "أما العقار المؤجر لغايات أخرى فلورثة المستأجر الشرعيين أو احدهم الاستمرار في إشغال المأجور لمدة ست سنوات من تاريخ الوفاة، وذلك في العقود المبرمة ما قبل 31-8-2000 على أن يراعى بدل المثل في كل الأحوال" . واقر القانون نصا يقول انه «في العقود قبل 31-8-2000 يستمر حق الاستمرار في إشغال المأجور لغايات السكن إلى الزوجة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى أو في الانفصال الكنائسي مع أولادها إن وجدوا كمستأجرين أصليين في حالة صدور حكم قطعي من محكمة مختصة. وكما يؤكد رئيس جمعية المستاجرين رائد عويدات، فانه يقف ضد مبدأ تقييد التوريث معتبرا ان "الهيئات المعنوية لا تموت وتبقى مستمرة بالنسبة للعقارات التجارية، كما ان عقد الايجار هو تمليك لمنفعة والمنفعة شرعا وقانونا تورث" . في حين اعتبر رئيس جمعية المالكين محمد الكعابنة ان المورثين اصبحوا معيلين لا معالين وان المالكين هم المتضررون في هذه الحالة وعليهم انتظار اخر شهر الحصول على ايجار يعليلهم ويعيل اسرهم على حد تعبيره . مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، يقول في دراسة قانونية وحقوقية للقانون، "إن إلغاء عقود الإيجار بشكل واسع وتشريد الناس هو أمر مخالف لالتزامات الأردن بموجب القانون العالمي لحقوق الإنسان. وقد ينجم عن هذا الإلغاء فوضى على مستوى كبير بالنسبة للمالكين والمستأجرين. ولمواجهة هذه المشاكل المحتملة، تقترح الدراسة تشكيل لجنة لدراسة هذه النزعات وتأمين سكن بديل، مع ضرورة إجراء دراسة وافية وبحث قانوني للتأكد من أن أي إجراء حكومي أو تعديلات قانونية لا تتعارض مع التزامات الأردن العالمية”. وعلى هذه الوتيرة، تستمر المواقف المتضادة بين المالكين والمستاجرين، وهي مقدر لها ان تتواصل في ظل حقيقة ان اي قانون سياتي، سيخلف بالضرورة خاسرين ورابحين، لان العدالة في مثل هذه القوانين تكون على الدوام شبه مستحيلة.