فقر المدن داء ينهش أحياء شعبية في عمان
أسماء رجا لوثائقيات حقوق الإنسان رافقنا الأربعيني يحيى حداد كمراقب دور على الحافلات على احد خطوط النقل العام في مجمع المحطة، في جولة قمنا بها داخل هذا الحي الواقع شرق العاصمة عمان. قصص لسكان الأحياء يعيش حداد في احد الاحياء العمانية القديمة وهو حي المحاسرة كما يطلق عليه، حيث يعمل بأجر لا يتجاوز الخمسة دنانير في اليوم الواحد، ورغم ذلك فهو مضطر للعمل لساعات تتجاوز ال١٢، لسد رمق أبناءه الستة. ينظم حداد في اليوم الواحد، قرابة 30 سيارة مقابل 15 قرشا عن كل واحدة منها، ”نحن مضطرون للعيش بهذا المبلغ الزهيد، فعائلتي منذ أسبوع لم تتذوق طعام جيدا، فاليوم كان غداؤنا علبة لبن مع خبز، وبالأمس بيض، ودائما يضطر أولادي الفطور على خبز وشاي فقط”. بين جدران منزله الصغير الذي أخذ اللون الأسود جانبا من حيطانه، سقفه تتشكل منه مادة الزينكو. يشعر يحيى بالاغتراب والذي تبدو ملامحه مرسومة على قسمات وجهه كثيرة التجاعيد وبشرته الداكنه في بلده الأردن. وهي ببساطة يعزوها إلى وجودهم العددي ليس إلا. على حد تعبيره“ تأبى الحيوانات العيش في منزلي، حيث يتكون من غرفتين إحداهما للنوم واخرى مطبخ، وفي مساحة صغيرة من المطبخ نستقبل فيها الضيوف ، وفي احد زوايا المطبخ ايضا الحمام ، لا تتوفر فيه اي أساسيات “. ويتابع“ طوال الشتاء ننشر أدوات داخل المنزل لكي تقينا مياه الأمطار التي تسقط علينا من سقفه الزينكو “. هذا الرجل واحدا من سكان حي المحاسرة الواقع في منطقة جبل التاج في العاصمة عمان، على الرغم من عيشهم في كنف المدينة الصاخبة بالحياة، إلا أن ذلك لم يبعد عنهم فقر يصفونه بالشديد، بات ينهش أجسادهم الواحد تلو الآخر. لا يقتصر الحي على عائلة المحاسرة فقط، بل عدد سكانه يزيد عن 15 الفا، بات يجمع بين زقاقه من شتى المنابت الأردنية؛ كثافة سكانية لا يرافقها أي تحسن في الخدمات. حال حي المحاسرة الفقير يتشابه إلى حد كبير بأحياء أخرى في العاصمة عمان، كحي الطفايلة وحي الكركية وام تينة، حي الدباب، ووادي عبدون وغيرها. فقر الأحياء ووجود هذه الأحياء الفقيرة في العاصمة عمان ينفي الفكرة التي يرددها كثيرون حول تواجد الفقر كلما ابتعدت عن أطراف العاصمة، يقول الدكتور محمد الجريبع مدير مركز الثريا للدراسات المتخصصة بالفقر. ويؤكد جريبيع أن اهتمام الباحثين في هذه المرحلة بدا نحو فقر المناطق الحضرية "وذلك نتيجة اهتمام الدول والحكومات بالمناطق البعيدة أو النائية مما جعلهم يهمشون بعض المناطق داخل أحياء المدن الرئيسية وهي فعليا مناطق فقيرة كعمان " . فقر الحضر أو ما يعرف بفقر المدن يعتبرها الجريبيع ظاهرة قديمة لكنها لم تحظ بالاهتمام كالمناطق القروية والبادية، وهو ما يرجعه إلى "خطأ” في تنفيذ سياسات التنمية، "الأحياء العمانية الفقرية احد أخطاء التنمية، فجميع المبالغ الكبيرة التي صرفت على مشاريع التنمية لم تقلص حجم الفقر بل على العكس زادت منه، المؤسسات الحكومية التي عملت على معالجة الفقر كانت جهودها مشتته ، دون تركيز وتنسيق ، ووقت ومال مصروف ضائع من دون الوصول الى الفئة المستهدفة ". نهج إقصائي لأحياء الكاتب والمختص في شؤون الفقر احمد أبو خليل، يرجع فقر الأحياء العمانية إلى خلل في الجانب الإحصائي لمناطق الفقر في الأردن إضافة إلى انسحاب الدولة من الخدمة العامة في هذه الأحياء،"الإحصاءات لم توزع المدن بصورة جغرافية ضيقة حتى تشملها في الإحصاءات، إضافة إلى أن أمانة عمان في مجمل نهجها هو إقصائي للمناطق التي فيها فقر، فانسحاب الدولة من الخدمة العامة زادت حياة سكان هذه الأحياء فقرا وبؤسا ". أستاذ علم الانثربولوجي في جامعة مؤتة، عبد العزيز محمود، يعتقد أن فقر المدن ناتج عن تغير بحاجات كانت غير أساسية وأصبحت فيما بعد أساسية وضرورية، ويقول: "على الرغم من توفر فرص العمل في العاصمة عمان إلا أن الأسر ذات الدخل المتدني أصبحت لا تستطيع تلبية احتياجاتها نتيجة لمتطلبات الحياة الكثيرة ". حسب محمود فأن عدد السكان ممن يعيش في المدن في الأردن يصل إلى 85% ، فيما يصل نسبة سكان الأرياف والبادية نحو 15% ، وهذا ما يؤكد وجود تجمعات فقيرة في المدينة، لها ميزة عن غيرها من التجمعات الفقيرة في الأرياف والبوادي على حد تعبيره "دخلها متدني، عدد الأسرة فيها كبير، لا تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية ". الفقر سمة السكان حكايات الفقر في هذا الحي لا تنتهي، فإلى الجوار من عائلة حداد، تقطن عائلة أبو رامي، الذي غادر منذ الصباح ليلتحق بعمله كعامل نظافة في أمانة عمان لقاء اجر لا يتجاوز 200 دينار، وهذا ما يضطر الزوجة للهرب مع أبناءها إلى منزل أسرتها في حي آخر لكي تتمكن من إطعام أبناءها الخمسة، "الراتب لا يكفي عائلتنا،خاصة أن علينا ديون كثيرة، ولا نستطيع الطبخ دائما أو شراء فاكهة، فمعظم وقتي أقضيه عند أمي لكي نتمكن أنا وأبنائي من تناول طعام غداء أو عشاء عندها". فصلا الشتاء والصيف على حد سواء، يشكل كابوسا مرعبا بالنسبة لأم رامي الأربعينية، وتطلب من المسؤولين زيارة منازلهم ليتعرفوا على طبيعة معيشتهم كما تقول،"بيتي مكون من غرفتين فقط، وفي الشتاء مياه الأمطار تملأ البيت لان سقف المنزل مصنوع من الزينكو وأبقى طوال الليل مستيقظة لأحرك أطفالي وهم نيام من زاوية إلى أخرى، أما في الصيف فتدخل الجرذان والحشرات إليه “ . وعبر درج طويل من حجارة مصفوفة بجانب بعضها مما يجعله يشكل خطرا على مستخدميه، استطعنا الوصول إلى منزل منير عطية الذي يعيش وأبناءه الستة في منزل ابنهم المجاور لهم بسبب سقوط سقف منزله المصنوع من الزينكو في شتاء العام الماضي كما توضح لنا زوجته أم عامر، "لسنا قادرين على توفير ثمن وجبة العشاء ، فكيف سنستطيع شراء لوح زينكو لإصلاح منزلنا ،فجميعنا ننام فوق بعضنا البعض في غرفة واحدة عندي ابني المجاور لنا". الزوج عطيه الخمسيني لديه عجز مرضي يصل إلى 75% وبالرغم من ذلك لم تقم وزارة التنمية بالكشف على حاله وأسرته منذ سنوات، "أنا لا استطيع العمل لاني مريض ، وابني هو من يتحمل مصاريف عائلتي المكونة من 6 افراد وعائلته ايضا". الزوجة هي الأخرى تعبت من التفكير بكيفية انقاذ اسرتها من خطر الفقر لكن دون جدوى، فهي لا تقوى حتى على ان تاخذ قرضا لعمل احد المشاريع خوفا من عدم قدرتها على السدا "نناشد الملك عبدالله الثاني لزيارتنا فوضعنا ماساوي حيث نحصل على المياه من الجيران لانه لا نملك القدرة المالية على شراء ساعة مياه ". اما جارتهم الاخرى نهى عزيز ، فهي الاخرى لها حكايتها مع الفقر،وتدرك ان للفقر ضريبة يدفعونها الفقراء وابنائهم من دمائهم وعافيتهم ، وكانت للتو قد وصلت الى منزلها مساءا بعد دوام يوم كامل كخادمة في احد المنازل “زوجي يعمل براتب لا يتجاوز170 دينار كعامل نظافة ،وهذا ما يضطرني للعمل وترك ابنائي طوال النهار دون عناية ، ونتيجة أيضا تراكم الديون علينا والتي قمنا فيها ببناء غرفة ثانية لمنزلي سقفها من الزينكو لكي تأويني وابنائي الخمسة “ . يتبع
إستمع الآن