عمالة الاطفال في الزرقاء..اقرب الى العبودية!

الرابط المختصر

صرخ معلم الكراج في الصبي النحيل الذي اختفت معالم وجهه الوجلة تحت طبقة من زيوت وشحوم السيارات "يا ابن الـ (...) كل هذا الوقت وانت تحضر الفطور، ضعه هنا وقم بفك اطار تلك السيارة قبل ان افك رقبتك..".

ومن فوره انكب الصبي الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره على تنفيذ المهمة بنشاط مفتعل ينم عن رغبة جامحة في ارضاء معلمه المعروف بين اصحاب الكراجات بطبعه الحاد وعدم توانيه عن ضرب صبيانه لاتفه الاسباب.

كانت آخر علقة تلقاها هذا الصبي اليتيم قبل يومين عندما نسي كماشة داخل سيارة زبون، ولكن ما آلمه اكثر من العلقة كان قرار المعلم خصم قسم من راتبه الهزيل الذي لا يتجاوز ثمانين دينارا.

ويُسر لنا عامل في كراج مجاور قائلا "هذا الصبي هو المعيل الوحيد لاسرته بعد وفاة والده، وقد اخرجته امه من المدرسة وجاءت به الى هنا قبل تسعة اشهر، ويومها كادت تقبل يدي صاحب الكراج حتى يوافق على تشغيله".

ولا يكاد اي من الكراجات الواقعة في مجمعات الحرفيين العديدة في الزرقاء يخلو من عمال اطفال بعضهم دون العاشرة من العمر، وغالبيتهم يعملون برواتب متدنية وفي ظروف اشبه بالعبودية.

وتشكل كراجات اصلاح السيارات واحدة من الحاضنات الرئيسية لعمالة الاطفال في الزرقاء التي تتصدر محافظات المملكة  في حجم هذه العمالة.

وتستحوذ محافظة الزرقاء على ما نسبته 29% من الحجم الكلي لعمالة الاطفال في المملكة، تليها العاصمة بنسبة 28% ومحافظات الجنوب 8% ومحافظة اربد 12%.

واضافة الى الكراجات، فان الاطفال يقبلون على العمل كبائعين في الشوارع وعلى الإشارات الضوئية وفي ورش النجارة والحدادة وأعمال الدهان فضلا عن المطاعم والمخابز.

ويعمد اصحاب العمل الى تشغيل الاطفال رغم علمهم بان ذلك مخالف للقانون الذي يحظر تشغيل من هم دون سن السادسة عشرة وباي صورة من الصور.

ويجد امثال هؤلاء في تشغيل الاطفال فرصة لانفاق اقل على الرواتب فضلا عن انهم مطواعون ولا يرتبون التزامات من حيث التامين الصحي او الضمان الاجتماعي او غيرهما من الحقوق التي يفترض ان يتمتع بها العامل البالغ.

ومعظم الاطفال العاملين هم اما متسربون من المدارس او ان اهلهم انتزعوهم من مقاعد الدراسة وجاءوا بهم الى الكراجات لتعلم الصنعة وكسب بعض النقود.

على ان الامر لا يخلو احيانا من اطفال يعملون ويدرسون في نفس الوقت كما هو الحال مع الطفل العامل صلاح الدين.

ويقول هذا الطفل معللا سبب انخراطه في العمل ومؤكدا ان ذلك ليس على حساب الدراسة "بدي اجيب مصاري.. وأنا بهتم بدراستي".

ويبرر يوسف عويس، وهو احد اصحاب العمل قبول البعض تشغيل الاطفال خلافا للقانون، ويقول ان "الطفل يضطر للعمل، وايجابية العمل انه يمكن يحل مشكلة أسرة" محتاجة.

ويقر عويس بان عمل الطفل في سن مبكرة يؤثر على تكوينه النفسي وكذلك على مستقبله. ويقول ان "العمل بالتاكيد يؤثر على حياة الطفل وعلى دراسته وتحصيله العلمي".

وحسب تقرير للمرصد العمالي الاردني، فان الأطفال العاملين يتعرضون لمخاطر ابرزها الضرر من الآلات الثقيلة والأصوات العالية والمواد الكيميائية، ولإصابات بحكم عدم موائمة قدراتهم الجسمانية وطبيعة الأعمال التي يقومون بها.

وكما تبين المرشدة التربوية نوال ابو السكر، فان معظم الأطفال العاملين يتعرضون لأخطار خلال عملهم بعضها جسدي كالحرارة والمواد الكيماوية والضوضاء، والبعض الاخر معنوي ويتمثل في الضغوط النفسية والاستغلال والقسوة.

وتؤكد ابو السكر ايضا ان "عمل الطفل في سن مبكرة يؤدى إلى حرمانه من الحصول على قدر مناسب من التعليم ويجعله يتحمل مسئوليات أكبر من سنه".

ويقول الباحثون والمختصون ان الأعمال التي تمارس فيها سلوكيات استغلالية نفسية وجسدية على الطفل تؤدي إلى زرع الإحساس بالدونية والظلم، الأمر الذي يدفع العديد من الأطفال إلى الانحراف والتمرد على معايير وقيم المجتمع.