ندوة تبحث "اشكالية الاعلام الثقافي في الزرقاء"

ندوة تبحث "اشكالية الاعلام الثقافي في الزرقاء"
الرابط المختصر

سعت ندوة عقدت في مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي يوم الاثنين 8 حزيران، الى تسليط الضوء على "اشكالية الاعلام الثقافي" في الزرقاء، وصولا الى اقتراح حلول لاخراجه من نطاق "النخبوية" الضيق الى رحابة اكثر جماهيرية.

 

ووصف بسام العنتري مدير التحرير في "وكالة الانباء العربية- البوابة" خلال حديثه في الندوة التي ادارها الصحفي ابراهيم ابو زينة، حال الاعلام الثقافي في الزرقاء والاردن عموما بانها "يرثى لها".

 

وقال العنتري، وهو ايضا مسؤول التحرير في صحيفة "هنا الزرقاء"، وسبق ان عمل مدير تحرير لعدة صحف محلية، ان "ادوار المسؤولية عما وصل اليه هذا الاعلام، ونحن هنا نتحدث عن الزرقاء، يتقاسمها الطرفان على السواء: وسائل الاعلام من جهة، والمثقفون ومؤسساتهم الثقافية الاهلية والرسمية من الجهة الاخرى".

 

واضاف انه "في ما يتعلق بوسائل الاعلام ودورها، فانني ادلل على هذه الحال التي يؤسف لها بحجم ونوعية التغطية والترويج للفعل الثقافي في المحافظة، حيث يمكن القول ان هناك تجاهلا وتهميشا له في مختلف وسائل الاعلام، المقروءة والمرئية والمسموعة والالكترونية، حتى ان النشر عن انشطة الزرقاء الثقافية في بعضها بات لا يجاوز رفع العتب".

 

وتابع العنتري انه "اذا ما جئنا الى التغطية من ناحية الحجم، نجد ان الصحف لا تتعاطى سوى مع نسبة ضئيلة من مساحة الفعل الثقافي في الزرقاء، والامر قد يصل حد التغييب احيانا في القنوات الاذاعية والتلفزيونية، فيما تكاد مثل هذه التغطية تنعدم في المواقع الالكترونية".

 

واذ بين ان "هذا النوع من الاعلام يعرف عادة بانه النافذة التي يطل الجمهور من خلالها على الثقافة"، فقد راى ان "النافذة ضاقت بالنسبة للزرقاء حتى غدت ثقبا، حيث ان حجم ما تنشره اليوميات مثلا حول مختلف قضايا المحافظة لا يتجاوز نسبة ثلاثة بالمئة من مساحة تلك الصحف، بينما لا يصل ما يعنى بالشأن الثقافي من تلك النسبة الى نصف الواحد بالمئة".

 

واكد انه "من حيث الجودة والنوعية، فالغالبية الساحقة من تلك التغطيات لا تتعدى الإشارة السريعة والسطحية التي لا تشبع القارئ، ولا تقنعه بما يحفّزه كي يتفاعل مع الحدث الثقافي، وهي اجمالا تدور في فلك المراسمية والبروتوكول".

 

وفي ما يتعلق بدور المثقفين والمؤسسات الثقافية، فقد اعتبر العنتري ان "اهل مكة ادرى بشعابها، والمثقفون هم الاقدر على تشخيص سبب غياب المنتج الثقافي ذي النوعية والجودة العالية، والقادر على فرض نفسه بقوة في مختلف وسائل الاعلام".

 

واستشهد في هذا الصدد بتصريحات لرئيس نادي اسرة القلم الشاعر صلاح ابو لاوي كان يعلق فيها على وضع الهيئات والصالونات الثقافية في الزرقاء، والتي يتجاوز عددها الاربعين، حيث اكد ان الاصل فيها ان تكون “رافدا حقيقيا للحركة الثقافية في اي بلد، لكنها عندنا اصبحت تقام للبهرجة التي لا ترجى منها فائدة ثقافية”.

 

ومضى قائلا ان "ابو لاوي يلاحظ كذلك ان هناك صالونات تنحى الى ان تمجد وترفع من شان انصاف المبدعين، بل وترفع من شأن أشخاص غير مبدعين على الاطلاق، معتبرا ان هذا الامر يقود الى حركة ثقافية بائسة”.

 

واذ ذاك، فقد خلص العنتري الى ان "للاشكالية وجهين: اولهما يتعلق بوسائل الاعلام، والثاني بطبيعة الفعل الثقافي بذاته، واللذين حتما يؤثر كل منهما ويتاثر بالاخر"، مضيفا "انني التمس العذر لنفسي في اجتناب الخوض في شأن المثقفين والثقافة، فللثقافة اهلها كما ذكرت، وهم الاقدر مني على تشريح واقعهم وتشخيصه واجتراح الحلول".

 

واستدرك "لكنني ساتحدث عن دور وسائل الاعلام، والتي اجد ان الخلل في تغطيتها للشأن الثقافي يعود في المقام الاول الى الصحفيين المختصين بهذا الشأن، والذين هم في كثير من الحالات غير مؤهلين التاهيل الصحيح والكافي للقيام بالمهمة المرحوة، الا وهي اثارة اهتمام القارئ العادي وخلق جسور بينه والكتاب والأدباء والفنانين عامة".

 

وفي هذا السياق، فقد رأى العنتري ان "هؤلاء الصحفيين ينقسمون الى ثلاثة اصناف: الاول صحفيون درجوا على تغطية الحدث او الفعل الثقافي عبر كتابة خبرية تقليدية تركز على الاطار العام وتتحاشى الخوض في التفاصيل، وذلك لافتقارهم اصلا الى خلفية ثقافية وادبية تتيح لهم فهم هذه التفاصيل، وبالتالي تبسيطها للقارئ".

 

وتابع ان "الصنف الثاني هم صحفيون لديهم خلفية جيدة من الناحية الثقافية والادبية والفنية او هم اساسا ادباء او فنانون، لكنهم ايضا يتحاشون تبسيط المفاهيم وشرحها، لاعتقادهم ان ذلك ينتقص من القيم والابعاد الجمالية والفنية التي ينطوي عليها الفعل الثقافي، او ربما يجرح وضعهم الشخصي في اوساط النخبة المثقفة".

 

وقال العنتري ان "هذا الصنف من الصحفيين هو في رأيي السببب وراء خلق وتكريس حال الاعلام الثقافي باعتباره اعلاما نخبويا معزولا عن الجمهور، وبلا جسور تصل بينه وبين الادباء والكتاب والفنانين".

 

وتابع ان "الصنف الثالث من هؤلاء الصحفيين هم ادباء وفنانون احترفوا الكتابة لوسائل الاعلام، ودون ان تكون لديهم خلفية كافية حول اصول وفنون الكتابة الصحفية بما تتضمنه من قواعد ومحددات تكفل ايصال الرسالة الى القارئ باسلوب موضوعي وسلس ودقيق وبسيط على الفهم".

 

واكد العنتري ان "الصنف الاخير، بما لديه من مؤهلات، يتحمل كثيرا من وزر غياب القراءات التحليلية المعمقة والتفصيلية وكذلك النقد الحقيقي للمنتج الثقافي، إلى جانب تغييب أصحاب الفكر المبدع والجدير عن المشهد".

 

واعتبر ان "الحل للاشكالية التي جعلت الاعلام الثقافي مهمشا وفي احسن الاحوال نخبويا، يكمن في التوجه نحو الصحافة المتخصصة، بمعنى ان توكل مهمة الكتابة في الشان الثقافي الى صحفي يمتاز بسعة الاطلاع في مجالات الادب والفن، ويمتلك المهارات الصحفية اللازمة التي تمكنه من تغطية الفعل الثقافي وايصاله الى الجمهور واضحا وميسرا وجاذبا".

 

لكن العنتري ابدى تفضيله لان "يقوم بفعل الكتابة الصحفية في الشان الثقافي اشخاص من اهل الثقافة نفسها، على ان يجري تدريبهم على المهارات الصحفية اللازمة، والتي تمكنهم من اتمام المهمة بالصورة المطلوبة".

 

وساق في هذا الصدد "تجربة الصحافة المتخصصة في الدول المتقدمة، حيث توكل مهمة تغطية شؤون الطب مثلا الى طبيب والهندسة الى احد اهلها، وكذلك الفلك وغيره من العلوم، بعد ان يخضع هؤلاء الى دورات تدريبية في مهارات الكتابة الصحفية".

 

واكد العنتري ان "من شان وجود الصحفيين المحيطين بضروب الثقافة، والمثقفين المؤهلين للعمل الصحفي، احياء اعلام ثقافي قادر على تقديم تغطيات نوعية مصحوبة بقراءات تحليلية ونقدية تميز الغث من السمين، وبما يكفل تنحية المدعين وابراز اهل الابداع والموهبة الحقة، وخلق تواصل حي ونابض بينهم وبين الجمهور".

 

كما عبر عن اعتقاده بان ذلك سيكون كفيلا "بتعزيز فرص خروج منتج ثقافي جدير يفرض نفسه على وسائل الاعلام، فتستجديه ولا يبخل عليها، بل وربما نصل الى زمن يصير فيه الخبر الثقافي دائم الحضور على واجهات الجرائد والمجلات، ويحظى بصدارة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والالكترونية".

 

ودار في ختام الندوة التي حضرها مدير ثقافة الزرقاء رياض الخطيب وجمع من المهتمين، نقاش تناول واقع الاعلام الثقافي وسبل الخروج به من حاله الراهنة نحو افاق اكثر فاعلية وبما يسهم في اسناد ورفد الفعل الثقافي في المحافظة.