معدلات "منخفضة جدا" للانتحار بالزرقاء والدوافع اجتماعية اكثر منها نفسية
وصف استاذ علم الاجتماع مجد الدين خمش معدلات الانتحار في الزرقاء بانها "منخفضة جدا"، مؤكدا خلال محاضرة في مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي يوم السبت 10 تشرين الاول، ان دوافع هذه "الجريمة النكراء" هي اجتماعية وسياسية اكثر منها نفسية.
وقال خمش ان بيانات ادارة المعلومات الجنائية في مديرية الامن العام تظهر ان "الزرقاء التي يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة (شهدت) حالة انتحار واحدة في عام 2011، وحالة واحدة ايضا في 2012، ثم قفز العدد في 2013 الى 9 حالات، وانخفض بعدها في 2014 الى 7 حالات".
واوضح انه في ضوء هذه الارقام "يكون لدينا نسبة اقل من 1 بالمئة لمعدل حالات الانتحار في الزرقاء لكل مائة الف (شخص)، وهذا معدل منخفض جدا"، مشيرا الى ان "حساب معدل حالات الانتحار (يعتمد) عددها لكل مائة الف من السكان".
واشار خمش، وهو استاذ في قسم علم الاجتماع بالجامعة الاردنية، الى انه "مقارنة بالعاصمة عمان التي بلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، فان المعدل هو حالة وربع الحالة لكل مائة الف من السكان"، مؤكدا ان "هذا المعدل لا يزال منخفضا حسب الاحصائيات العالمية".
واستعرض خمش الاحصائيات المتعلقة بحالات ومحاولات الانتحار على مستوى المملكة على مدى السنوات منذ 2006 وحتى 2014، والتي تظهر ارتفاعها بشكل ملحوظ خلال السنوات الاخيرة.
وقال انه كانت هناك 120 محاولة انتحار و 26 حالة انتحار فعلية (انتهت بوفاة مرتكبها) في عام 2006، بينما تم رصد 39 حالة انتحار في عام 2007، في حين سجل عام 2008 نحو 170 محاولة و34 حالة، ومثلها في عام 2009، وارتفع العدد الى 49 حالة في عام 2010، ثم هبط الى 39 حالة في 2011، رغم ان ذلك العام شهد 300 محاولة انتحار.
واضاف ان عدد حالات الانتحار في المملكة قفز الى 86 في عام 2012، ثم والى الصعود في عام 2013 حيث سجلت 180 حالة، قبل ان يهبط العدد الى مائة حالة في عام 2014.
ورأى خمش ان "المميز لهذه السنوات عن غيرها، والمقصود 2012 و2013 و2014، هو حصول حراكات سياسية على مستوى الاقليم العربي في تونس ومصر وسوريا والعراق واليمن. وهو تماما ما سمي في الكتابات الصحافية بالربيع العربي".
ولفت الى ان تسليط الاعلام الاضواء على حادثة انتحار البوعزيزي في تونس، والتي آذنت بانطلاقة الربيع العربي، و"تعميمه وتقديمه لها بطريقة رومانسية ذات وهج عال"، اسهم في زيادة اعداد حالات الانتحار على مستوى الوطن العربي عموما.
وقال ان هذا الاسلوب الاعلامي في التعاطي مع حادثة البوعزيزي "اثر على بعض الافراد الذين لديهم قابلية لفعل الانتحار ممن يملكون ذواتا هشة اثرت عليها مشكلات الحياة من اخفاقات وظروف معيشية وغيرها".
واكد خمش ان التحليل الاجتماعي للاحصائيات، يظهر ارتباطا وثيقا بين ارتفاع معدلات الانتحار والاحداث التي واكبت سنوات الربيع العربي.
وقال ان انعكاس تلك الاحداث تمثل في عاملين رئيسين "اولهما: تاثير الاعلام على الجماعة والفرد بكيفية نقل صورة ..الانتحار، حيث نقلت ببهرجة اعلامية كبيرة اتصفت بالرومانسية، ما جعل البعض يعتقد ان الانتحار مقبول ومرضي عنه مجتمعيا".
واضاف خمش ان العامل الثاني هو "الاضطرابات السياسية الناتجة عن الربيع العربي، (والتي) خلقت في المجتمع العربي حالة من .. عدم وضوح المعايير الاجتماعية التي توضح للفرد ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وتوضح الابيض والاسود".
وشدد على ان "الاضطرابات السياسية والامنية جعلت المعايير في حيز المنطقة الرمادية، والتي تتسم بعدم وضوح الرؤيا لفئات محددة في المجتمع ممن لديها قابيلة للتأثر أكثر من غيرها".
وتطرق خمش الى مجموعة من الاسباب الاخرى التي تلعب دورا في رفع معدلات الانتحار، وتتراوح بين الاقتصادي المعيشي، والنفسي العاطفي.
وقال ان من بينها "ارتفاع عدد السكان حيث يصبح التنافس على الموارد شديدا في ظل تراجع (حجم) الموارد الطبيعية. وكذلك البطالة وقلة فرص العمل"، مضيفا ان "الفشل العاطفي يعد احد اسباب الانتحار" ايضا.
واشار خمش في السياق الى وجود اكثر من زيد عن 280 الف عاطل عن العمل في الاردن، محذرا من ان "البطالة تخلق لدى المتعطل نوعا من التوتر وعدم احترام الذات".
وعموما، فقد اكد ان "ثلثي حالات الانتحار لا تتأتى عن مرض نفسي بل تنتج عن اسباب اجتماعية وسياسية".
واقترح خمش عددا من الحلول للحد من الانتحار، والذي عرفه بانه "حالة مؤلمة للمجتمع تشعره بأنه فقد شخصا عزيزا قد يكون حدثا او رجلا او أمراة“.
وتتمثل هذه الحلول في اعادة تاكيد المعايير الاجتماعية من خلال الاسرة والاعلام والمدرسة والمسجد، والتركيز على التنمية البشرية، وتدريب الافراد في الجماعات الهشة على التعامل مع ضغوطات الحياة.
ودعا خمش في هذا الاطار الى انشاء خط هاتفي ساخن في عدد من المراكز الطبية والاجتماعية للتعامل مع الاشخاص ممن يحاولون او لديهم ميل للانتحار.
إستمع الآن