محمود الزيودي: النشاط الثقافي بالزرقاء "ميت" والفن آخر اهتمامات الحكومة
- حرماني من الدراسة بسبب الفقر حفزني ان أقرأ الكثير، والقراءة قادتني الى الكتابة
- اكلت "كتلة" من ابي بعد مشاركتي باول نشاط سياسي، لانني اضعت خلاله فردة الصندل
- حبيب ينتمي الى فرع مقدس من قبيلتي ورحيله ترك فراغا كبيرا
- تراجع الدراما الاردنية محزن واسبابه المشكلة اولا واخيرا اقتصادية
- الفنان الأردني مثل الرمح ما بينحط في خُرج
- الزرقاء انجبت اغلب الفنانين والأدباء الأردنيين على الإطلاق
- انا قلق,,و"الله يعين جيل يلفي ورانا.."
بعد مسيرة حافلة بعشرات الافلام والمسرحيات والمسلسلات والبرامج الاذاعية والتلفزيونية تمثيلا وكتابة واعدادا، لا يرى الفنان محمود الزيودي غضاضة، بل هو يفخر في ان يعرف على بنفسه بانه "بدوي راعي اغنام".
في مقابلة مع "هنا الزرقاء"، روى الزيودي فصولا من سيرته الثرية والممتدة، وشخص الواقع "المحزن" للفن والفنانين والادب والادباء في الاردن، مقارنة مع الماضي المبدع عفوية ونقاء.
وعندما كان يتحدث، فبلسان مخضرم خبير شكلت اعماله حجر زاوية في عالم الفن الاردني الذي طاولت شهرته ذات يوم رقعة العالم العربي على اتساعها، وفي نفس الوقت، ببساطة ابن القرية الصغيرة التي ما فارقته ولم يفارقها.
شرارة الفقر
الفقر كان الشرارة التي اشعلت الابداع في نفس الزيودي، ابن قرية غريسا شمالي محافظة الزرقاء. والتي خلدها في مسلسله الشهير "قرية بلا سقوف"، كتعبير عن وفائه لها ولما تمثله من رمزية لبساطة واصالة ونقاء القرية الاردنية.
ويوضح الزيودي هذه الحيثية المفصلية قائلا "حرماني من الدراسة بسبب الفقر حفزني ان أقرأ الكثير، والقراءة قادتني الى الكتابة، فبدأت اكتب مقالات قصيرة في صحف القدس لأن أغلب الصحف الأردنية كانت تصدر في القدس".
ويتابع "بعدها بدأت أكتب الحوار، وعرضت لي اول مسرحية عام 1972 واسمها الضباع، ومنها انتقلت من حياة العسكرية التي امتدت الى 11 عاما، وتطوحت في أغلب المناطق النائية والمأهولة سواء في البادية الأردنية أوالضفة الغربية".
بعد العسكرية مباشرة عمل مذيعا ومعدا في الاذاعة الاردنية، واستهل مسيرته فيها ببرامج: آداب في البادية، وأريافنا وبوادينا. والاذاعة مدرسة في نظره لأنها اشتملت على مكتبة نادرة جدا لا توازيها الا مكتبة الجامعة الاردنية كما يقول.
القراءة لا تزال هوايته الاولى، فلا يمر يوم لا يكون في يده كتاب او مجلة، او وقت يمضيه في تصفح الانترنت، وتاتي الزراعة في المرتبة الثانية، فالى اليوم يزرع بيده وينكش حول الاشجار ويقلمها.
كانت مجموعتا توفيق الحكيم: "المسرح المنوع" و"مسرح المجتمع" هما اكثر ما اثر في الزيودي ودله على بدايات الطريق.
لكن طيف قراءاته امتد ليشمل مؤلفات الاديب الروسي مكسيم غوركي ومواطنه الكاتب المسرحي انطون تشيكوف، والاديب والشاعر الفرنسي فكتور هوغو وامثالهم من الادباء العالميين.
ومن فضائنا العربي، برزت ضمن قائمة قراءات الزيودي اعمال الاديب المصري نجيب محفوظ والروائي السوري حنا مينا وعبقري الرواية العربية السوداني الطيب صالح.
خرابيش حبيب
مع انتقال بوصلة الحديث عن الادباء والشعراء الى الاردن، ذكرنا امامه الراحل حبيب الزيودي، فهاجت الذكريات.
"حبيب ابن قبيلتي، وهو ينتمي الى فرع مقدس من القبيلة -الفقراء- لأنهم مثل أصحاب الطرق أو الزوايا الصوفية. حتى ان جده سليمان عندما كان يحضر الى مضاربنا كان الناس يلتفون حوله ليتبركوا به".
ويروي بعض فصول بدايات علاقتهما قائلا "احضر لي حبيب خرابيش على دفتر ولا زلت محتفظا بها. فاوصيته بان يقرأ للشعراء. واذكر اول رائعة من روائعه (يا صاحب التاج روحي تفتدي التاج)، كان حينها معي في سيارتي وكنا متوجهين الى عمان. وما ان قال اول بيت من القصيدة حتى اوقفت السيارة والتفت اليه وقلت له اكمل القصيده واعمل على نسقها".
"كنت فخورا جدا بحبيب، وكتبت عنه دراسة من 3 فصول نشرتها في جريده الدستور".
"غيابه ترك فراغا كبيرا. كان شاعرا سليط اللسان يحاكي في سلاطة لسانه الشاعر مصطفى وهبي التل-عرار- وقصائده لم تنشر كلها في الكتب لان بعضها يحتوي الهجاء، وهي رقابيا لا تنشر".
طقوس الكتابة
بالعودة للحديث عن محمود الزيودي كاتبا، فهو عنده طقوس تتفرد في بعض عناصرها وتتشابه في عناصر اخرى مع طقوس الكتابة عند الادباء المعروفين خصوصا بتزاحم الافكار وتدافعها في مخيلاتهم القلقة.
وعن ذلك يقول "أخرج قلما وورقة واكتب الفكرة في خمسة أسطر. وان جلست أكتبها فيما بعد تأخذ مني 4 أو 5 ساعات كتابة. لكن الآن تغيرت الأمور فأصبحت أتحدث و السكرتيرة تطبع".
"تاتيني الفكرة في الليل أحيانا، او وأنا أقود السيارة، واحيانا اخرى وانا اعمل في المزرعة. فاما ان أكررها مرارا في ذهني او اكتبها ملاحظة، وفيما بعد تصبح الخمسة اسطر 400 او 500 صفحة ثم مسلسلا في 30 حلقة".
ويحتل مسلسل "الطواحين" مكانة خاصة في قلبه، فهو كما يشرح لنا "يتكلم عن المعمار الجميل في المدن الاردنية، والذي هدمه اصحابه واقامو مكانه بنايات تجارية ومولات".
اما مسلسل "قرية بلا سقوف" الذي تناول فيه قريته غريسا، فهو يعتبر انه بات الان وثيقة مهمة، حيث "يروي كيف كانت منازلها وطرقها وكيف صارت".
واكثر ما يميز هذا المسلسل كما يقول هو انه تم تصويره في بيئته الصحيحة.
تراجع الفن
تراجع الفن في الأردن، امر يبعث الحزن في نفس الزيودي، وهو يرده الى عوامل اقتصادية مرتبطة بالعرض والطلب وتقلبات السياسة، ولكنه في نفس الوقت يبدو واثقا من قدرة الفنان الاردني على مواجهة كل ذلك واثبات نفسه.
"صحيح خف الإنتاج في الأردن..خرج محمد عزيزية الى القاهرة وسائد بشير الهواري يُخرج في الكويت ومجموعه من الفنانين والفنانات يقاسمون المصريين في أدوار مسلسلات و أفلام كبيرة.. لكن الفنان الأردني مثل الرمح ما بينحط في خُرج".
"انا واع للمشكلة،، أولا وآخرا مشكلتنا اقتصادية..نحن ضُربنا عندما صارت أزمة الخليج بعد غزو الكويت، جرى تصنيفنا من دول الضد، الدول المساندة لصدام حسين. وهذا الكلام غير صحيح, وهذا الكلام اوضحه جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله في كتابه الابيض".
"دول الخليج التي كانت على الاغلب تشتري مسلسلاتنا توقفت عن شرائها, بل وتوقفت عن شرائها بحقد لدرجة ان منتجا اردنيا كان عنده مسلسل كرتون اعطاه لصديق له مصري كتب عليه اسماء مصرية بدلا من الاردنية وأرسله للبيع فأرجعته المحطة الخليجية وقالت له: هذه أصوات اردنية نحن نعرفها.. و..لا تعدها".
اما الان، كما يقول الزيودي فقد "تغيرت الظروف السياسية واصبحت هناك تحالفات جديدة وبدأت المحطات تأخذ انتاجنا, لكن في زمننا هذا تكلفة المسلسل عالية جدا والمنتح اذا لم يضمن ربحا من المسلسل فهو غير مستعد لانتاجه. فالمسلسل الجيد يكلف ما بين مليون ومليون ونصف المليون دينار، هذا إذا كان إنتاجا جيدا".
وتطرق الى مشكلة يعاني منها هو نفسه وقال "كتبت مسلسلا عن تأسيس الأردن بقيادة الملك عبد الله الأول بن الحسين من 30 حلقة، وكتبته تحت اشراف الدائرة الثقافية في الديوان الملكي..ولغاية الآن يراوح ما بين الديوان الملكي ورئاسة الوزراء ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون..وتعيقه المشاكل المادية فانتاجه مكلف ويحتاج مركبات وديكورات ولباس من ذاك العهد".
معاناة المثقفين
المشاكل التي يواجهها الفن والفنانون لا تكاد تختلف كثيرا عما يعيشه الكتاب والمثقفون، كما يرى الزيودي، وذلك من حيث ان منبعها جميعا هو معضلة الامكانات المادية وغياب الدعم الرسمي.
"بالنسبة للتلفزيون وحتى لوزارة الثقافة، القضية اولا واخيرا فلوس، والحكومة الان ملطوشة في الديون وفي الضرائب وفي المشاكل الأخرى، والفن آخر اهتماماتها على الإطلاق، بينما في الدول الأخرى الثقافة والفن جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية".
"للابداع جهتان، جهة تجارية مثل التلفزيون والمسلسلات، وجهة ثقافية وهي المسؤولة عن نشر إبداع الأديب، وهو الذي لا يحصل الا بواسطة وزارة الثقافة، وحتى النفقات التي نستلمها من الثقافة لا نستفيد منها فلسا احمر لانها تذهب للمطبعة. فالناشر ياخذ في أغلب الأحيان المبلغ مباشرة من الوزارة".
وروى في السياق تجربة شخصية حيث استعان بالوزارة من اجل طباعة كتاب، وقد استلم الناشر المبلغ كاملا، فيما تنازل له هو عن كل شيء ولم يحصل كمؤلف الا على 200 نسخة ليهديها للأصدقاء.
امر اخر يشير اليه الزيودي وهو انه "في زماننا الحالي يعاني الكتاب في كل أنحاء العالم من منافسة الانترنت ، كما ان القارئ غير مستعد لان يخاطر بقوت عياله ويدفع مثلا 10 دنانير ثمنا لكتاب".
كما ابرز معاناة الكتاب والمثقفين من عدم وجود متنفسات لهم مثل المسرح او مقهى كمجلس للأدباء والمثقفين الاردنيين على نمط مقهى ريش في القاهرة والذي تاسس عام 1908 ويعتبر أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية.
وذات الامر ينسحب على الزرقاء التي قال الزيودي انها تفتقر الى منتدى يتيح للمثقفين أن يجتمعوا ويتناقشوا داخل أروقته، رغم انها انجبت اغلب الفنانين والأدباء الأردنيين على الإطلاق.
وعموما يصف الزيودي النشاط الثقافي في الزرقاء بانه ميت، حتى مع وجود مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي.
ويقول انه سبق وان نفذ في المركز عددا من النشاطات وشارك في ندوات ومحاضرات لكن "كان لا يحضر سوى 5 او 6 اشخاص...وأقصاها 10".
ويضيف انه في احدى المرات كان لديه نشاط في المركز وأخبروه انه يوجد معرض تشكيلي...وحرصا منه على دعم وتشجيع الفنان دخل الى المعرض بنية شراء أي لوحة من باب التشجيع،لكنه فوجئ ان كل زوار المعرض هم أقارب الفنان.
هذا العزوف يفسره الزيودي ببساطة قائلا انه ناجم عن حقيقة ان "الناس مشغولون في معاشهم اليومي".
ذاكرة الزرقاء
لا تزال ذاكرة الزيودي حية بصور الزرقاء المدينة في زمنها العتيق، وفي نفسه حزن على ما الت اليه حالها اليوم.
وهو ليس كالاخرين الذين غادروها مع اول سانحة، فهي لا تزال احد مراتع الصبا الاولى والجارة اللصيقة لقريته غريسا التي استقر فيها بعد تقاعده وبعد ان جال اصقاع الدنيا.
ويروي فصولا من ايام الزرقاء الخالية التي يصفها بانها لا تزال عالقة في ذاكرته كما الحلم.
"كان والدي يعمل في بقالة في شارع الحمراء، وكان الناس يحضرون من الأرياف على البهائم من حمير وخيل وبعارين، كانوا يربطونها في الخان الواقع على مربع السعادة الرئيسي حاليا مقابل صيدلية الزرقاء الحديثة، كان الواحد منهم يترك دابته في الخان مقابل قرش، فيعلفونها ويسقونها، وبعدما ينهي عمله يستردها ويمتطيها عائدا من حيث جاء".
اول نشاط سياسي له في الزرقاء، لا يزال ايضا حيا في الذاكرة، وبقوة، حيث انه ارتبط بعلقة ساخنة تلقاها على يدي والده.
"أكلت كتلة من أبي يقام لها ويقعد اثر مشاركتي في مظاهرة بعدما قام رحمة سيدنا الملك حسين بطرد كلوب باشا. ففي المظاهرة اضعت فردة من الصندل وعليها أكلت الكتلة. ماكان يهم ابي النشاط السياسي كل ما كان يهمه ثمن الصندل لاننا كنا عائلة فقيرة".
"كان في الزرقاء اكبر سوق حلال في المنطقة، وكان قاسم بولاد (تولى رئاسة البلدية في ثلاثينيات القرن الماضي ولاكثر من ربع قرن) يرش الشوارع وقت العصر بالمياه ليزيل عنها الغبرة، وكان مجتمع المدينة صغيرا والكل يعرف عن الكل".
"وأثناء بحثي في المراجع للكتابة عن تاريخ الزرقاء وجدت ان الفرانين اضربوا احتجاجا على رفض رئيس البلدية بهاء الدين عبدالله (اول رئيس للبلدية- 1928) رفع الأسعار...فما كان منه الا انه ارسل سكرتير البلدية الى عمان وابتاع 60رطل خبز وعرضها للبيع في بسطة في شوارع الزرقاء مما اضطر الفرانين الى ان يتراجعوا عن اضرابهم".
ومن المفارقات "ان بهاء الدين عبدالله زرع شارع عمان بالشجر، ولما استلم ابنه من بعده منصب رئيس للبلدية قام باقتلاع تلك الاشجار!".
"في الزرقاء ربطتني علاقة مع مجموعة كبيرة جدا من المثقفين والفنانين، منهم معالي طاهر حكمت والذي كان قطبا ثقافيا في الزرقاء، ورغم انه غير منتج للثقافة لا يكتب، إلا أنه كان يهتم بنا. ومنهم ايضا فخري قعوار وسميرة خوري ومازن عجاوي والقائمة تطول. وكثير منهم ظل على وفائه للزرقاء..وآخرون غادروا الى عمان".
أكثر ما يحب في الزرقاء المدينة هو "السوق القديم ..شارع الملك عبدالله حيث درست لمدة شهرين في مدرسة صلاح الدين بجانب البلدية، بالإضافة الى شارع الحمرا والذي كانت كل مبانيه من لبن التراب والتي تغيرت اليوم وأصبحت كلها حديثة".
"أما شارع السعادة وحي الحاووز فكان شبه الحي الراقي، والغويرية كنا نتمشى فيها. اما ما تبقى من كل ذلك الان؟ مدينة غريبة علي. ان سرت حاليا في الزرقاء أتوه واضطر أن أسأل".
ذكريات الزمن العتيق كانت تتدفق على لسان الزيودي بحنين لا تخطؤه الاذن، ولكن حديثه عن المستقبل الذي ينتظر الابناء والاحفاد كان مشوبا بقلق عميق لخصه باستحضار كلمات الشاعر الشعبي الراحل عيد ابو جابر: "الله يعين جيل يلفي ورانا .. ما اظن يلحق فطور المسايير".
الزيودي في سطور
محمود عليوي منصور الزيودي ولد عام 1945 في قرية غريسا بمحافطة الزرقاء.
درس المرحلة الابتدائية في مدرسة القويره في البادية الاردنيه الجنوبية، وعمل في أولى سني حياته في قوات البادية من عام 1961 - 1972 ثم عمل في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية كمنتج برامج من عام 1972 - 1978 ثم رئيسا لقسم الفنون الشعبية في وزارة الثقافة الأردنية 1980 - 1994.
له عشرات الأعمال المسرحية والإذاعية والتلفزيونية وغيرها.
مثل 9 مسلسلات، وكتب 14 مسرحية، و8 افلام قصيرة، كما كتب للدراما التلفزيونية 45 مسلسلا فضلا عن اعداده وتقديمهه 9 برامج اذاعية و5 برامج تلفزيونية.
حصل على العديد من الجوائز من بينها:- ميدالية الحسين للإبداع في مجال السيناريو والحوار،،،،جائزة رابطة الكتاب الأردنيين ،،، جائزة مهرجان كراتشي ،،، جائزة مهرجان بغداد،،،، جائزة مهرجان الدار البيضاء،،، جائزة مهرجان القاهرة 1996 ،، جائزة مهرجان القاهرة 2000، جائزة مهرجان القاهرة الذهبية للاذاعة والتلفزيون 2007 عن مسلسل الفجر ياتي مبكرا وموضوعه سيرة الملك حسين بن طلال ،،،، جائزة أفضل سيناريو عن مسلسل عوده أبو تايه مهرجان القاهرة للاعلام 2008...
إستمع الآن