"طعمة رمضان" مظهر حي للتكافل والتراحم في الزرقاء
ترسل الحاجة ام ابراهيم احفادها قبيل اذان المغرب الى بيوت الجيران محملين باطباق من وجبة الافطار التي اعدتها للتو، وذلك درجا على عادة "الطعمة" الرمضانية التي ورثتها عن الاباء والاجداد وتكاد تختفي من الزرقاء هذه الايام.
وغالبا لا يرجع الاطفال بالاطباق خاوية، حيث يعمد الجيران الى ملئها بما اعدوه من اصناف الاطعمة والحلويات، وهو ما يؤدي الى اثراء موائد الجميع بما لذ وطاب، والنفوس بمزيد من التواد والتراحم.
في بلاد الشام يطلق على هذه العادة الرمضانية العريقة اسم "السكبة"، وفي الخليج ومصر يسمونها "الطعمة"، والغاية منها تعزيز روح التكافل والمحبة بين الجيران خلال الشهر الفضيل.
يقول الحاج ابو ابراهيم "طعمة رمضان عادة توارثناها أبا عن جد، لكنها بدأت تختفي نتيجة الظروف المادية وضغوط الحياة اليومية التي ادت الى تباعد الناس عن بعضهم".
ويضيف "هذه العادة الكريمة تترك أثرا طيبا جدا وتزيد المحبة والود وتعزز قيم رمضان، كما انها تغسل القلوب من الغيرة والحسد، وفيها ايضا تقرب الى الله".
وبرغم انحسارها نسبيا في الزرقاء، الا ان ابا ابراهيم يؤكد ان الطعمة لا تزال متداولة بين الناس، ويتمنى ان تستمر "لاننا احوج ما نكون اليها في هذه الايام".
الحاجة ام رأئد، واحدة ممن يحافظون على عادة تبادل الاطباق مع الجيران، وهي ترى انها تجعل الموائد عامرة، فضلا عن ترجمتها لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي حث المسلمين على التكافل بقوله: "تهادوا تحابوا".
وفي ضوء مشاهداتها الشخصية، تؤكد ام رائد ان هناك عائلات لا تجد ما تفطر عليه وربما يقتصر طعامها على "علبة فول او حمص، في حين تزخر موائد اخرين بافخر الطعام من لحوم ودجاج".
والحال كذلك، فهي ترى ان "طعمة رمضان تخفف الحرج عن الفقراء من الجيران والأقارب"، مع اشارتها الى أن هذه العادة "تأثرت بانشغالات الناس بالتلفزيون الانترنت حتى فرضوا على أنفسهم عزلة جعلتهم لا يتواصلون في ما بينهم".
ودعت ام رائد المسلمين الى احياء عادة الطعمة التي وصفتها بانها سنة حميدة، وكذلك عادات التزاور، والى تحسس حاجات بعضهم خصوصا في رمضان.
ايمان الطاهر اكدت بدورها ان هذه العادة لا تزال موجودة بصورة واضحة وخصوصا في الاحياء الشعبية التي تمتاز بقدر من الترابط الاجتماعي بين سكانها.
لكن ايمان تلحظ ان الطعمة اخذت في التراجع في السنوات الاخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي الذي جعل الاسر غير قادرة على توزيع الطعام على الجيران كما كان عليه الحال في السابق.
وتؤيد ام نضال ما ذهبت اليه ايمان قائلة ان غلاء الاسعار ترك اثرا سلبيا على التواصل الاجتماعي بأشكاله، ومن ضمنه طعمة رمضان.
وتتذكر هذه المراة بحنين حلوى "الحلبة" التي كانت تعدها جارتهم وتجعل لها وللجيران نصيبا منها، وتقول ان عادة تبادل الحلويات والاطعمة اضفت على علاقات الجيران دفئا لا تزال تجده كلما زارت الحي الذي تركته منذ زمن.
وتوضح ام نضال "الى الان عندما ادخل حارة اهلي يستقبلني الجيران بالسلام والسؤال عن الاحوال"، مضيفة انها "تعتبرهم اهلها والجارات في مقام والدتها".
وتقول باسى ان الحياة حاليا غربت الناس عن بعضهم، وانها لا تعرف عن جيرانها الحاليين شيئا، ولا وتدرك وجودهم الا من خلال الخادمة التي تعمل في فناء البناية.
وتكشف ام ياسر، وهي امراة سورية لجأت مع عائلتها الى الاردن، عن ان تبادل اطباق الطعام مع الجيران كان له مفعول السحر، حيث ازال الحواجز بينها وبينهم، كما بدد من قلبها وحشة الغربة.
وتقول "بعد أن هجرنا قسرا من سوريا بسبب الحرب وشاهدنا تجنب الناس لنا هنا، قررت تطبيق سنة الرسول في تبادل الاطباق وطعمة رمضان، وهذا كان له دور كبير في خلق التقارب والمحبة بيننا وبين الجيران".
وبدورها، ترى الناشطة الاجتماعية ايمان أبو دلو أن "القيم الفردية التي سيطرت على تفكير الناس جعلت البعض يخشون نقصان طعامهم ان هم اقتسموه مع احد من جيرانهم او اقاربهم في رمضان، رغم ان الصدقة لا تنقص المال".
واعتبرت ان "طعمة رمضان تسهم في التخفيف من المشكلات الاقتصادية وحتى الاجتماعية "فهذا الصحن الصغير يقرب القلوب ويزيل البغضاء والحسد، ويقلل الحرمان ويطعم الجائع".
ومن جهته، يؤكد رشيد القطناني مؤذن وخطيب مسجد التوحيد ان "رمضان شهر تعاون ورحمة ومغفرة وعتق من النار، وفيه يستوي الغني والفقير وتكثر صلة الرحم".
ويضيف ان "الاطعام من اهم العادات الرمضانية حيث يسكب الجار لجاره من طعامه، وكذلك يتفقد من هو محتاج"، كما انه "من اجمل اشكال التعاون بين الناس التي لا زالت موجودة بالرغم من قلتها هذه الايام".
إستمع الآن