شركس الزرقاء.. التاريخ والحكاية

الرابط المختصر

تزامنت بدايات توافد الشراكسة على منطقة الزرقاء مع انطلاق اعمال بناء سكة الحديد عبر الرصيفة وصولا الى عمان عام1902، فاسهموا في بنائها بسواعدهم، قبل ان يشاركوا لاحقا عام 1926 في تشكيل قوة الحدود "الزنار الاحمر".

 

وبحسب عدنان بزادوغ، احد المؤرخين الشراكسة المعاصرين، فقد استقبلت الزرقاء مع انشاء السكة نحو 800 مهاجر شركسي قدموا اليها من عمان وصويلح وناعور وجرش، والتي شكلت اولى حواضن الشراكسة لدى هجرتهم من وطنهم في  القفقاس الى الاردن عام 1864.

 

وقال بزادوغ ان هؤلاء المهاجرين "تم اسكانهم في الزرقاء للاستفادة منهم في مد سكة الحديد عبر مدينة الرصيفة"، واقاموا لهم بيوتا بعدها قرب المعسكرات وبمحاذاة السيل، ولم يلبث ان شارك قسم منهم في تشكيل قوة الحدود التي كان يطلق عليها "الزنار الاحمر" كناية عن الزنار الذي كان افرادها يربطونه على وسطهم وله ذيل يتدلى عن يمين لابسه.

 

وكما يذكر الكاتب زياد ابو غنيمة، فقد "بدأت هجرة الشركس من القفقاس لأول مرة عام  1858 م بشكل متقطع، ولكنها تزايدت خلال الفترة الواقعة بين عامي 1864 – 1878 م ، وقد تركوا وطنهم حماية لدينهم أمام محاولات القمع والإبادة (على يد القيصرية الروسية)، وتحمَّـلوا المشاق والصعاب في هذا السبيل، وارتضوا بأن يستبدلوا بلادهم القفقاسية الخضراء الجميلة وجبالها الشاهقة وغاباتها الكثيفة ومياهها الوفيرة بوطنهم الثاني الأردن".

 

وحسب بزادوغ، فان عدد عائلات الشركس المقيمة في الزرقاء اليوم هو نحو 120 عائلة، اي ما يوازي 500 فرد، موضحا ان الشراكسة انخرطوا بقوة في الحياة العامة مع بدء استقرارهم في الزرقاء، حيث عملوا في مهن الحدادة والنجارة والحرف الاخرى كصناعة الاحزمة والجلديات.

 

وذكر من الامثلة الرائدة ورشة الحاج فتحي ابزاخ للجلديات وورشة لتصليح الماتورات التي كان يملكها يحيى علاء الدين، واخرى انشأها موسى شوماف لصنع العربات الخشبية والاثاث المنزلي، ومطحنة نجم الدين بارسيق قرب المعسكرات.

 

واضافة الى ذلك، يقول بزادوغ، ان الشراكسة عرف عنهم انخراطهم في الجيش العربي، ومشاركتهم في معاركه وبذلهم الشهداء، مؤكدا ان علاقتهم ببقية مكونات المجتمع الزرقاوي امتازت بمودة لا يعكرها شئ.

 

علم وتقاليد

يتألف العلم الشركسي الذي يعود الى ما قبل الهجرة  الشركسية ، من لون واحد هو الاخضر وعلى صفحته اثنتا عشرة نجمة صفراء، وثلاثة سهام صفراء كذلك، ولكل مكون في هذا العلم دلالة خاصة، كما يوضح بزادوغ.

 

وشرح  بزادوغ  قائلا ان اللون الاخضر السائد كناية عن السهول الخضراء التي تمتاز بها بلاد الشركس، والنجوم تمثل عدد القبائل المتحدة وهي 12 قبيلة (القبرطاي، الابزاخ، البزادوغ، بسلاني، ناتخواج، حاكوتش، تشمغوري، حتقواي، مامكغ،يجارقوي، ماخوس) .

 

وتابع ان السهام الثلاثة دلالة على السلم اذ ان الفارس الشركسي في رحلات الصيد السلمية التي يقوم بها لا يحمل الا ثلاثة سهام فقط .اما في الحرب فهو يحمل ما يزيد عن عشرة.

 

وبدورها، تتحدث لينة سطاس زوجة بزادوغ، وهي باحثة وتحمل شهادة بكالوريس في علم المكتبات، عن لغة الشراكسة وعاداتهم وتقاليدهم التي لا تزال حية يتوارثونها بحرص واجلال.

 

وتقول سطاس ان اللغة الام يبدأ صغار اطفال الشركس بتعلمها من والديهم منذ نعومة اظفارهم ويحرص الاباء على مخاطبة اولادهم بها داخل البيت، حيث لا توجد في الاردن مدراس تدرس اللغة الشركسية باستثناء مدرسة "الامير حمزة بن الحسين" في العاصمة عمان وتقوم بتدريسها كثقافة عامة.

 

وتبين ان اللغة التي يتم تعليمها لاطفال الشركس هي لغة محكية وقليل من المختصين يتقنون كتابتها.

 

ومن ناحية اخرى، تشير الى ان مما يحرص الاهل على نقله الى ابنائهم فن الرقص الشركسي الذي يتقنه جميع الشراكسة، ولهيئته وحركاته "معان خاصة، فالشاب الشركسي يمثل في الرقصة النسر الذي يفرد جناحه ليحمي الفتاة التي تمثل طائر البجع".

 

وتلفت سطاس الى ان "الفارس الجيد عند الشركس هو الراقص الجيد. لان الرقص يحتاج الى لياقة عالية وقدرة من الراقصين على الوقوف على اطراف اصابع القدم، وهو يدل على لياقة الشاب وعنفوانه وشخصيته". مبينه انه "خلال اداء الرقصة لا يجوز للفتاة ان تعطي ظهرها للشاب".

 

وتطرقت سطاس الى الاكلات الشركسية، والتي لازالت تلقى رواجا واشهرها، اكلة الشبس والباستا، والتي يتكون فيها الشبس من الدقيق المحمص والدجاج والجوز، والباستا من الارز والبرغل اللذين يطهيان ويحركان بعصا خشبية تدعى "البلاغ" حتى تشكلا معجونا متماسك القوام.

 

ومن المعجنات "الحلفة " التي تقلى بالزيت وتشبه الى حد كبير السمبوسك، حيث تحشى اما بالبطاطا او بالجبنة الشركسية التي تصنع بشكل خاص لهذه الغاية، ومن الحلويات "اللقوم"، و مكوناته السكر واللبن والطحين ويقلى ايضا بالزيت.

 

الخطيفة

من العادات الاجتماعية المتوارثة والتي لايزال الشركس يتبعونها عند الزواج عادة "الخطيفة"، والتي تعرضت لمغالطات علقت في اذهان بعض المجتمعات الاخرى بسبب الجهل بحيثيات وتفاصيل هذه العادة.

 

وقالت سطاس انه يكون هناك "اتفاق بين الشاب والفتاة اللذان يريدان الزواج ويكون اهل الطرفين على دراية بهذا الموضوع فقد سبقت التحضيرات لهذه اللحظة من خلال تكرار مقابلة الشاب للفتاة في نوادي الشركس بحضور اهل الطرفين لاجل التعارف والتقرب. وتطلع الفتاة ذويها بصراحة تامة على مجريات الامور ضمن ثقة عائلية مطلقة تمنح من الاهل للفتاة".

 

واضافت انه "يوم  الخطيفة يكون الاتفاق على ساعة معينة يمر الشاب مع اشبينه (الشخص الذي يريد ان يستضيفه) وبعض نساء العائلة كالشقيقات وبنات العمومة، ليأخذ الفتاة وتكون برفقتها فتاة أخرى من اقاربها او معارفها، ويقوم الشاب ومن معه من قافلة باطلاق ثلاثة أعيرة نارية في الهواء اعلاما لاهل المنطقة ان هناك حدثا قد وقع".

 

وتابعت ان الفتاة بعدها "تخرج الى بيت كبير القوم او صديق عزيز لاهل الشاب ويغادر الشاب الشركسي بيت ذويه الذين هم على علم تام بما سيقوم به ولدهم ويقيم عند احد اقاربه او معارفه. وفي اللحظة نفسها يقوم اهل الشاب بارسال جاهة الى بيت اهل الفتاة لطلبها لولدهم بهدف الزواج. ويحضر اهل الفتاة الى بيت اهل الشاب ويسألونها ان كانت قد حضرت برضاها وتومئ بالايجاب قبل اي تحضيرات".

 

ولفتت سطاس الى انه "قديما كان الشاب يأتي للخطيفة على ظهر فرس ولكن الحال اختلفت الان وتستخدم السيارات لهذه الغاية. ومن العار ان يتمكن الشباب من اهل الفتاة من ارجاع البنت من قافلة الخطيفة، واذا تمكنوا من ارجاعها لا يحق للشاب ان يتزوجها. لذلك يقوم الشاب ومن معه بمغادرة المكان بأقصى سرعة".

 

ومضت تقول "عندئذ تبدأ المحاورات والتجهيزات للعرس بين العائلتين المتصاهرتين وسط جو احتفالي وسهرات تمتد في البيت الذي يقيم فيه العريس منتظرا انتهاء الاجراءات وبدء الزفاف الذي يتم على سنة الله ورسوله وفق المذهب الحنفي، وهناك مراسم اخرى لعودة العريس الى بيت ذويه عليه اولا ان يصالح والده ويقدم له اعتذارا بسبب انه اصبح رجلا ينافسه".

 

الا ان سطاس قالت ان هذه العادات لا يؤخذ بها اذا تزوجت الفتاة الشركسية بشاب غير شركسي وانما يتبع عندئذ عادات اهل الشاب وتقاليدهم المرعية عند الزواج.

 

ومن جهته، بين بزادوغ ان المهر عند الشركس له قصة حيث انه في اربعينيات القرن الماضي كان يطلب الى العريس ان يقدم ذهبا وفضة وخرافا وغيرها، لكن في عام 1952 تم الاتفاق على توحيد المهر ليصبح 150 دينارا مقدما و300 دينار مؤخرا للصداق لتيسير الزواج وعلى ان تقام كافة الحفلات في الاندية والجمعيات الشركسية.

 

الجمعية الخيرية

للشراكسة في الزرقاء جمعية خيرية افتتحت عام 1964، وهي فرع للجمعية الام التي انشئت في عمان عام 1932.

 

ويوضح مختار الشراكسة في الزرقاء محمد سعيد حبطوش ابزاخ ان مبنى الجمعية كان في شارع السعادة سابقا، لكن بعدما تقادم وبات ايلا الى السقوط، جرى بناء مقر جديد  في حي الامير محمد  على قطعة ارض تبرع بها عبد المجيد بيرسق.

 

وقال ابزاخ ان "للجمعية عدة نشاطات واهتمامات وفيها قاعة لاقامة المناسبات والاحتفالات، وترعى عدة عائلات شركسية رعاية اجتماعية ومادية، وتمتلك باصا بمكرمة من الديوان الملكي العامر" .

 

وتابع انه "يلحق بالجمعية مقبرة الشركس الواقعة على طريق بلدة السخنة غربي الزرقاء وتبرع بارضها الحاج معصوم الشيشاني، وقد افتتحت بعد اكتظاظ مقبرة حي معصوم واغلاقها وقبل ان تفتتح مقبرة الهاشمية".

 

جدير بالذكر ان اعياد الشركس هي اعياد المسلمين غير ان هناك اياما خاصة يحيونها كالحادي والعشرين من ايار في كل عام، والذي يوافق ذكرى تهجيرهم من القفقاس قبل نحو 160 عاما.

 

وهناك مناسبة السنة الشركسية التي تصادف في شهر نيسان، والتي يعتقد الشركس انها سبقت السنة الميلادية، ولا يحتفل بها الشركس حاليا بسبب اتباعهم الديانة الاسلامية ومناسباتها.