"ثقافة التسامح في التراث الشعبي الأردني" في امسية للزيودي بالزرقاء

"ثقافة التسامح في التراث الشعبي الأردني" في امسية للزيودي بالزرقاء

نظم مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي يوم الأربعاء 14 تشرين الاول، امسية حول "ثقافة التسامح في التراث الشعبي الأردني"، تحدث فيها الكاتب محمود الزيودي، مسلطا الضوء خصوصا على الاثار السلبية لعادة "الجلوة".

وانتقد الزيودي خلال الامسية التي حضرها مدير ثقافة الزرقاء رياض الخطيب وجمع من المهتمين، ما وصفه بـ"تعنت" "المجتمع في قضية الجلوة"، المتبعة في اعقاب جرائم القتل، والمتضمنة ترحيل اقرباء القاتل من اماكن سكناهم، لا لذنب اقترفوه سوى صلة القربى مع المتهم.

وقال انه في الوقت الذي "شرّعت السوادي (الاعراف السائدة) العشائرية جلوة أقارب الجاني حتى الجد الخامس وفسرت هذا التقليد بقبضة الشبرية (كناية عن عدد اصابع اليد)، فإن كثيرا من عائلات القتلى تصر على جلاء جميع ابناء العمومة بحيث تشمل الجلوة عائلات بأكملها".

ورغم إلغاء للقانون العشائري عام 1976، الا ان الأجهزة الرسمية لا تزال ترعى بشكل أو بآخر تطبيق اجراءات التقاضي العشائري، ومنها الجلوة، حيث تنفذ بقوة القانون وعبر الحكام الإداريين وأجهزة الأمن.

وبموجب وثيقة وقعتها العشائر عام 1987، اصبحت الجلوة مقتصرة على اقرباء الجاني حتى الجد الثاني، ولا تطبق الا في جريمتي القتل والعرض.

واوضح الزيودي أن "المُشَرِّع البدوي أبعد ذوي القاتل عن ذوي القتيل بالجلوة منعا لتداعيات الاحتكاك اليومي في زمن كان رحيل عشرة بيوت شَعَر لا يستغرق ساعتين من الزمن، أما الآن فيصعب تقدير خسارة الجلوة على منازل يخليها أصحابها، وموظفين وطلابا تختلط حركتهم اليومية الى اعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم".

ولفت الى ان أعراف وتقاليد البدو صاغت منظومة من أخلاق التسامح وسط ابناء القبيلة، تعارفوا على تسميتها بالسوادي، وبحيث "أصبحت هذه الأعراف والتقاليد سوابق يقتدي بها الآخرون فيما بعد"، ولكنها جميعها "استثنت قضايا الشرف والعرض ولم تتسامح بها بين الأفراد والعائلات والقبائل".

وقال الزيودي ان "قضاة العشائر غلظوا عقوبة الإعتداء على الشرف والعرض أكثر من عقوبة أية جريمة أخرى"، مبينا ان "العرب تركت تنفيذ هذه العقوبة لطالب الثأر شخصيا أو للقاضي في المحكمة العشائرية".

واضاف انه "في قضايا العرض يحكم القاضي على الفاعل أن يتعرى من ملابسه ويركب بعيرا مطليا بالقطران، وكل عضو من أعضائه يتلوث بالقطران يُقطع أو يفتديه بالمال. وفي قضايا الشرف يُحكم على الفاعل أن يحلق جانبا واحدا من شاربيه لمدة عام كامل ويبقيه ظاهرا لكل الناس . ولعل في هذه العقوبة تحذيرا لمن يحاول ان يمس شرف الآخرين".

الى ذلك، تحدث الزيودي عن أبرز قضايا التسامح في التراث الشعبي الأردني، اذ ان التسامح كانت تحكمه العلاقات الشعبية داخل القبيلة وتقاليد البادية، متطرقا في هذا السياق الى الدور الكبير الذي تؤديه المرأة البدوية انطلاقا من مكانتها المقدرة في الحياة العشائرية.

وقال ان المراة "بلغت من التقدير أن أهل القاتل يستنجدون بعدد من نساء القبائل لحضور الصلح على الدم، وهؤلاء النسوة يحصلن على أكبر تنازل من أهل القاتل حينما يطلبون دية مرتفعة وشروطا تعجيزية في الجلوة وشؤون الحياة الأخرى".

واشار الزيودي الى عزوف عديد من الشباب حاليا عن الانصياع لتوجيهات شيخ العشيرة أو المختار أو كبير العائلة، على عكس ما كان معمولا به في الزمن الماضي، اضافة الى وجود بعض الشيوخ المفروضين على العشيرة بحكم ثرواتهم وليس حكمتهم أو مخزونهم الفكري والعشائري اللازم لحل القضايا والمشاكل .

وبين ان أغلب قضايا المشاجرات والخلافات داخل العشيرة أو مع العشائر الأخرى كانت تنتهي بالصلح من خلال وجهاء العشائر وحسب الأعراف والتقاليد المتبعة القائمة على الاحترام المتبادل، والحرص على اعطاء كل ذي حق حقه .

من جانب اخر، نوه الزيودي الى أهمية وثيقة الصوت الشعبي المندثرة، والتي ركزت على أهمية عدم الاسراف في الأعراس وفي المناسابات الأخرى.

وجرى في ختام الأمسية التي ادارها الكاتب محمد المشايخ حوار شارك فيه الحضور، وتركز على أهمية التداعي للتوقيع على وثيقة شعبية للحد من الجلوة العشائرية والتنبيه الى أخطارها الاجتماعية والاقتصادية .

أضف تعليقك