الزرقاء على موعد مع ثلاثة متاحف تعرض تاريخها القديم والمعاصر

كشف استاذ علم الاثار في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب، عن ان الجامعة تقوم حاليا بالتنسيق مع عدد من الجهات الرسمية من اجل انشاء ثلاثة متاحف في محافظة الزرقاء، احدها عسكري واخر اثري والثالث صناعي.

واوضح وهيب في مقابلة مع "هنا الزرقاء"، ان الهدف من انشاء هذه المتاحف، والتي ستكون الاولى من نوعها في الزرقاء، هو نشر الوعي واطلاع ابناء المحافظة في المقام الاول على ارثها الضارب في التاريخ حتى ثلاثة الاف عام قبل الميلاد.

واكد ان تلك المتاحف سيكون من شأنها ان تعكس الاهمية التاريخية للزرقاء، والتي عرفها العالم القديم باسم "حتيت" ووردت ضمن اولى خرائطه، اضافة الى ابراز تاريخها المعاصر باعتبارها مدينة العسكر، وكذلك عاصمة الصناعة في المملكة.

وتطرق وهيب، وهو مكتشف موقع "المغطس"، الى بعض المعالم التي اكتشفها في الزرقاء، كموقع مقتل عتيبة بن أبي لهب، وطريقي "الإيلاف القُـرَشي" و"تراجان الملوكي"، والتي عززت مكانة المحافظة على خارطة السياحة المحلية والعالمية.

وتاليا نص المقابلة:

* اين تحديدا ستقام المتاحف المزمعة، ومن هي الجهات التي ستتعاونون معها في ذلك، ولنبدأ من المتحف العسكري؟

- بداية، اشير الى ان مدينة الزرقاء، وهي ثاني اكبر مدينة في الاردن من حيث عدد السكان، تعاني من عدم وجود متحف فيها، سواء كان هذ المتحف طبيعيا أو متحفا تراثيا.

يمكن أن نقول ان فيها مبادرات أولية لإنشاء متاحف، مثلا في كلية الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية، هناك متحف صغير تعرض فيه بعض انواع الصخور من محافظتي الزرقاء والمفرق، لكن بشكل عام لا يوجد أي متحف أثري او تاريخي او طبيعي في المحافظة.

اما المتاحف المقترحة الآن، فاولها المتحف العسكري، والذي برزت فكرته خلال ورشة عمل عقدت في الجامعة الهاشمية بحضور عدد من ضباط القوات المسلحة الأردنية إضافة الى عدد من المتخصصين من الجامعات الأردنية والخبراء ومهندسي العمارة واساتذة التاريخ.

وقد ناقش هؤلاء عدة اوراق، تضمنت الرئيسية منها انشاء المتحف العسكري، وكان هناك اقتراح بأن يتم اقامته داخل حرم الجامعة الهاشمية، باعتبارها صرحا علميا كبيرا وفيه متخصصون بالتراث والآثار والمتاحف، وهو الجهة الوحيدة تقريبا في المملكة التي تدرّس علم المتاحف.

كما ان رئيس الوزراء عندما زار محافظة الزرقاء، اقترح على الحضور في ذلك الوقت إنشاء متحف في المدينة، وتساءل: لماذا لا يكون هنالك متحف عسكري، حيث أن مدينة الزرقاء قد أسسها العسكر.

وفي ضوء كل ذلك،  قامت وزارة السياحة بالتعاون مع دائرة الآثار وهيئة تنشيط السياحة وبلدية ومحافظة الزرقاء بالتخطيط لإنشاء المتحف العسكري، وقد وقع الإختيار على قطعة أرض لإقامة المتحف عليها داخل الجامعة الهاشمية.

* وماذا بشأن متحف الاثار، هل تم ايضا اختيار موقعه؟ وما الذي سيتم عرضه فيه؟

- تم تخصيص قطعة ارض في منطقة قريبة من اسكان مدينة الشرق لهذا المتحف، لكن الارض بحاجة الى استملاك، وهو ما لم يحصل الى الان.

ومن جهتها، كانت الجامعة الهاشمية قد اقترحت ان يكون موقعه في قصر شبيب الاثري في قلب المدينة، وبحيث يكون متحفا صغيرا يتم عرض المقتنيات الأثرية في ساحة ومبنى القصر الذي يجاور اقدم مدارس المحافظة، والتي بنيت في الخمسينيات.

والهدف الرئيس هنا هو ان يتم بناء متحف لنشر التوعية والمعرفة واطلاع ابناء محافظة الزرقاء على تاريخهم وحضارتهم، فنحن في وادي الزرقاء لدينا مئات المواقع الأثرية التاريخية الكبرى التي تعود الى حضارات من أقدم وأعرق حضارات العالم، وبالتالي كان لا بد من وجود متحف تعرض فيه المكتشفات التي تعثر عليها بعثات أردنية محلية وعربية وأجنبية.

ونحن نأمل في أن يتم إنشاء المتحف قريبا وتزويده بالمقتنيات اللازمة اسهاما في تنمية وتوعية طلبة المدارس والجامعات والمجتمع المحلي.

* بالنسبة للمتحف الصناعي، اين سيكون، وما هي فكرته والغرض منه؟

- هذا المتحف يتم الآن التنسيق بشأنه بين الجامعة وكل من بلدية الرصيفة وشركة الفوسفات.

كما تعلمون، عندما غادر مصنع الفوسفات مدينة الرصيفة ترك خلفه أنفاقا ومباني ومنشآت ومحامص وكثيرا من الأدوات التي كانت تستخدم في عمليات الانتاج، وكان المقترح ان يتم تحويل مواقع التعدين هذه الى متحف صناعي على غرار التجارب الأوروبية والصينية وغيرها من التجارب العالمية.

وهذا المتحف سيكون له دور كبير في تنمية الوعي في مدينة الرصيفة حول كيف كانت تتم عمليات التعدين في مناجمها قديما، وكيف كان يجري استخراج الفوسفات وتحميصه وتجهيزه وتغليفه وتصديره. ونحن نعلم أن الرصيفة والزرقاء صدرتا الفوسفات الى كل العالم في الوقت الذي كان الفوسفات لا ينتج الا في عدد محدود من الدول.

* مع من ستتعاونون، اضافة للجهات التي ذكرتها، من اجل انجاح فكرة تلك المتاحف، وهل سيقتصر دورها على عرض الاثار، ام ستؤدي ادوارا اخرى، كاستضافة الفعاليات العلمية والندوات التي تعزز وعي الجمهور بالارث الحضاري؟

- يقوم بالإشراف على إنشاء هذه المتاحف عدة جهات، منها وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة بهدف جذب السياح، ومنها دائرة الآثار لتزويدها بالمقتنيات الأثرية، ومنها الجامعات لرفدها بالخبرات من أكاديميين وإداريين وفنيين، ومنها الخبراء في العلوم لمتابعة التقنيات الخاصة بصيانة وترميم وتجديد القطع الاثرية.

وايضا هناك وزارة التربية والتعليم، باعتبار أن الفعاليات التي تقام في هذه المتاحف تهم طلبة المدارس والجامعات كما تهم المجتمع المحلي، ولأن المعروضات ستبقى جامدة إن لم يتم رفد المتحف بفعاليات عديدة أخرى مصاحبة لها.

وهذا الامر نجده في تجربة ومفهوم المتحف الذي بات يشكل جزءا من وجدان المجتمعات الاوروبية والاميركية والجنوب شرق اسيوية.

وهنا ايضا لا بد من هذه التجربة، وأن تطبق بحيث يكون المتحف فعالا على مدار 12 شهرا في السنة، وبفعاليات مستمرة كالمهرجانات والمؤتمرات وورش العمل والمحاضرات والمعارض والندوات، الى جانب استضافة زوار مهمين، واقامة فعاليات مختلفة ذات علاقة مع متاحف أخرى، وابرام مذكرات التعاون والتفاهم معها.

بالتالي الجهات المرتبطة بالمتحف تبدأ بالمجتمع المحلي، وبالجامعات ووزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة، وثم تنتهي بأصغر وأكبر مشارك أو انسان مهتم بإرث وتاريخ الأردن.

هناك جهات  كثيرة، ولا نبالغ إذا قلنا أن كافة اطياف المجتمع الأردني مهتم بالمتحف وبزيارته وبالاطلاع على معالمه.

* تبدو مؤمنا بنجاح هذه المتاحف وبقدرتها على تحقيق غاياتها، فما هو بشكل عام مفهومك للمتحف ودوره في تشكيل وجدان المجتمعات؟ 

- هذا تاريخنا وإرثنا الحضاري، إن لم نعرفه من سيعرفه؟ ان لم نُطلِع عليه أجيالنا القادمة فمن سَيَطَّلِع عليه، هذه هويتنا. ولذلك نحن نُـدَرِّس الآن مساقات الهوية والآثار – الهوية والتراث- الهوية والمتحف، لأن المتحف هو أساس ورمز لكل بلد تزوره، فأول مكان يأخذك اليه المضيف عندما تصل الى ذلك البلد هو المتحف.

ونحن لدينا الكثير من الإرث الحضاري الموجود خارج الأردن ويعتز ويفتخر به العالم، مثل واجهة قصر المشتى المحفوظة في احد متاحف برلين، ومسلة ميشع الموجودة في متحف اللوفر في باريس، وآلاف القطع غيرها هنا وهناك ..

المتحف لابد أن يشتمل على كافة المعروضات التي تنتمي الى تراب هذا الوطن، بدءا من العصور الحجرية القديمة عندما كان الإنسان الأول يعتمد على الأدوات الصُوانية من فؤوس ومكاشط وابر ومخارج وشفرات ورؤوس سهام ورؤوس رماح، ثم في العصور الحجرية عندما استطاع أن يصنع الأواني من أدواته الحجرية وأن يبني منها بيوته.

وايضا لدينا تلك الحضارة الموجودة اثارها في خربة الودعة في الزرقاء، حيث اكتشفنا بيوتا دائرية واخرى مربعة ومستطيلة، وهي امتداد لحضارة عين غزال حول مجرى وادي الزرقاء والرصيفة والهاشمية وصولا الى الأزرق حيث اكتُشِفت هناك عند مواقع العين السودا وعين القيسية وعين الأسد أدوات صوانية نادرة وبقايا حيوان الماموث.. وجدنا إرثا حضاريا كبيرا يعود الى العصور الحجرية، ولابد من عرضه.

هذا الإرث الحضاري الذي سيعرض يمتد ايضا الى العصور البرونزية التي تبدأ منذ 3 آلاف عام قبل الميلاد، ثم إلى العصور الحديدية التي تعود الى العام 1200 قبل الميلاد، ثم العصور الكلاسيكية حيث شهدت محافظة الزرقاء مرور طريق تراجان الملوكي (نسبة الى الامبراطور الروماني تراجان) من خلالها، ثم العصور الإسلامية وبناء القصور الأموية الموجودة هنا وهناك على أطراف بادية الزرقاء.

كما يمتد الارث الى العصر الحديث عندما نشأت المملكة الأردنية الهاشمية وبدأنا بإنشاء الجامعات وتدريس المتاحف، وافتتاح المتحف الرئيسي الذي يفتخر به العالم "متحف الأردن" في وسط مدينة عمّان.

* ولكن، الا ترى ان متحف الاردن في عمان يفي بالغرض، وبالتالي يمكن ان يستوعب كثيرا مما ذكرت، ولا تعود بالتالي هناك حاجة لان يكون  للزرقاء متحفها الخاص؟

- لا بد لمحافظة الزرقاء أن يكون فيها متحف أثري وتراثي وطبيعي وتاريخي يعني ويهم كل انسان في هذه المحافظة، ويكون فيه جناح للأطفال ومتوسطي الاعمار، وجناح للجامعات وجناح لكبار السن، وفعاليات على مدار العام. هذا المتحف مطلوب وبشدة.

وتبيانا اكثر للاهمية التاريخية، اود ان اشير الى ان الزرقاء كان اسمها "حتيت" في العالم القديم، ورُسمت على خرائط العالم، وهذا ما وجدناه على خارطة بوتنجر (أول خريطة معروفة) التي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي واكتشفت هذه الخارطة في روما في القرن الثالث عشر الميلادي.

ثم أن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، مر عبر الزرقاء في طريقه الى جرش كما يذكر المؤرخون، حيث أن هذا الطريق هو طريق الإيلاف القُـرَشي القادم من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام. وأيضا هناك طرق أخرى مربوطة مثل طريق الحج، واكتشفنا حديثا في وادي الزرقاء موقع حادثة مقتل عتيبة بن أبي لهب وأصدرنا كتابا عنها.

أضف تعليقك