الزرقاء تنعى ابنها سميح القاسم "شاعر الثورة والمقاومة"
نعى مثقفو الزرقاء ابن مدينتهم و"شاعر الثورة والمقاومة" الفلسطينية سميح القاسم، الذي غيبه الموت يوم الثلاثاء 19 آب عن عمر ناهز 75 عاما، وذلك بعد صراع مع المرض.
وكان القاسم الذي توفي بعد صراع مع السرطان امتد ثلاث سنوات، قد ولد في مدينة الزرقاء عام 1939، حيث كان والده يعمل حينها ضابطا في قوة حرس حدود شرق الاردن.
وقد ووري جثمانه يوم الخميس 21 آب في بلدة الرامة في الجليل الفلسطيني، والتي تعود اصوله اليها ونشأ وعاش فيها.
ويعد القاسم أحد أهم الشعراء العرب والفلسطينيين الذين ارتبط إسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل ارضي 48.
واعتبر رئيس نادي الرواد الثقافي القاص عبد الكريم حمادة ان الساحة الفلسطينية برحيل القاسم اصبحت "مهيأة لاية فجيعة" .
وقال حمادة وهو ايضا رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى القصة القصيرة جدا "نحزن لفقدان الشاعر سميح القاسم، ولكن الوفاة كانت جسدية فقط، فشاعر بقامة القاسم باق وابداعه باق ومرحلته النضالية باقية".
ودرويش.. نصف البرتقالة
محمد المشايخ عضو الهيئة الادارية لرابطة الكتاب الاردنيين، رأى ان الرحيل عن الشعر العربي قد اكتمل بوفاة القاسم الذي كان يشكل نصف البرتقالة مع صديقه الشاعر الراحل محمود درويش.
وقال المشايخ "القاسم ابن الزرقاء وعاش فيها مع والده في معسكراتها، وكان يحدثني عن طفولته كيف، انه كان يبكي عند رحيله عن الزرقاء وحاول من معه اسكاته عنوة . وانه انطلق بعد ذلك بالشعر معوضا حرمانه من البكاء ذلك الحين".
واضاف ان "القاسم رمز لكل فلسطين وهو نبض ورفض للاحتلال، واستمرارية المقاومة خلدها في شعره" مؤكدا ان "الزرقاء تفقتده اليوم ويفتقده كل فلسطيني يحب فلسطين".
وعبر احمد ابو حليوة مؤسس ومدير البيت الادبي للثقافة والفنون عن اعتقاده بان "فقد الساحة الفلسطينية بشكل خاص والعربية بشكل عام لقامة شعرية بحجم سميح القاسم يعد فقدا كبيرا من الصعب تعويضه، لا سيما انه من رواد شعر المقاومة مع رفيقه الراحل درويش" .
وقال ابو حليوة في اشارة الى قصيدة "تقدموا" الشهيرة للقاسم ان "هذه القصيدة ليست لجيل واحد وانما هي للاجيال، وهي قصيدة القضية التي تبعث فينا الامل والحماس".
وتابع "تبقى القصيدة ويغيب الشاعر، يغيب القاسم وتبقى الدواويين، يبقى الشعر نبراسا يضئ الطريق ليس للشعراء الجدد فقط بل لجيل من الاطفال والمناضلين والحالمين بفلسطين التاريخية من نهرها الى بحرها".
ونعى ابو حليوة الشاعر الراحل قائلا "ذهبت يا سميح لكنك ستبقى وسنبقى مواظبين على المقاومة من خلال ادابنا وابداعاتنا".
واعتبر الشاعر محمد سلامة ان "الحدث العظيم هو وفاة القاسم بعد ست سنوات من وفاة درويش، وهذه خسارة كبيرة وكبيرة جدا".
وقال ان "هذا الشاعر الرائع لم يكتب الا شعر مقاومة، وكلماته مقاومة. كتب للارض وللشعب ولفلسطين جميعها، وسيبقى بيينا حيا حاله حكال درويش".
المصائب لا تاتي فرادى
الكاتب والفنان التشكيلي احمد القزلي، قال ان رحيل القاسم "ليس بالخبر الهين" خاصة انه ياتي بعد ست سنوات من رحيل درويش، مضيفا ان الشاعر الراحل "له حصة في القلب كبيرة لانه ايضا من مواليد الزرقاء وعاش فيها".
واستذكر استضافة نادي اسرة القلم للقاسم عام 2000، وقال انه يومها "اشار الى حيث بيته الذي ولد فيه بجوار جامع العرب، هذا المكان الذي يحتوي على اقدم مساجد المدينة".
ولفت القزلي الى ان "رحيل القاسم جاء متزامنا مع ما يصيب القلب من حزن تجاه ما يحدث في غزة، والقاسم اشار في شعره الى غزة والى المقاومة، ونحن في هذا المقام لن نستطيع ان نوفيه حقه، لكن التاريخ سوف يوفيه حقه بالذكرى وبالامتنان لكل ما قدم لنا في الفترة التي عاش بيننا".
وقال القاص والروائي محمد عارف مشة ان الساحة بعد وفاة القاسم "فقدت قامة مقاومة تتلمذ على يديها شعراء الجيل"، مبينا انه "لم يكن مقاوما على الساحة الفلسطينية وحسب، بل صدر ثوراته قصائد الى كل العالم".
واكد ان قصائد القاسم احيت فن الغناء الوطني الملتزم، كما هو الحال مع الفنان مرسيل خليفة الذي غنى عددا منها، وقد "اثرت في الشعوب وغناها الاطفال".
وتضرع مشة الى الله "ان يرزق فلسطين شعراء مجيدين كمثل سميح القاسم".
ووصف القاص والناقد سمير الشريف الشاعر الراحل ب"العلم الكبير"، معتبرا وفاته بانها "مفاجأة" وخسارة لكفاءة "لا نظن ان الزمان الادبي سيرفدنا بمثلها.. على الاقل على الصعيد الوطني".
وقال "حتى وان اختلفنا مع القاسم في بعض موضوعاته الفكرية، لكنه يظل قامة ادبية خدمت الخط الوطني ونهضت بالمشروع الشعري الفلسطيني والعربي . ونرجو ان يمن علينا الزمان بمثله واجمل".
وكما يرى محمد شحادة عضو الهيئة الادرية لنادي الرواد الثقافي، فان "المصائب لا تأتي فرادى"، وقال ان "الحزن الذي نكابده على ما يجري في غزة ضاعفه موت الشاعر سميح القاسم".
واكد اننا "في هذا الوقت بحاجة الى القاسم لعبر عن مكنونات صدورنا . لاننا حاليا لسنا على ارض فلسطين".
الراحل في سطور
ولد الشاعر الراحل سميح القاسم لعائلة درزية في مدينة الزرقاء يوم 11 آيار 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.
كانَ والدُهُ ضابطاً برتبةِ رئيس (كابتن) في قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم.
ويروى انه حينَ كانت العائلة في طريق العودة إلى فلسطين في القطار، في غمرة الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب وخافوا أنْ تهتدي إليهم الطائرات الألمانية! وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى آن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم.
وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثراً عميقاً في نفسه: "حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي".
سُجِن سميح القاسم أكثر من مرة كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنزلي وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، في الوطن وخارجه. اشتغل مُعلماً وعاملاً في خليج حيفا وصحفياً.
وهو شاعر مُكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
كتب القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما صَدَرَ له أكثر من 60 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة في القدس وبيروت والقاهرة.
إستمع الآن