آباء يمنعون زواج بناتهم طمعا في رواتبهن!

آباء يمنعون زواج بناتهم طمعا في رواتبهن!
الرابط المختصر

بعضهم يريد استبقاءها لنفسه كخادمة وآخرون يتخذونها اداة للنكاية بمطلقاتهم
القاضي قازان: العضل محرم وللبنت اللجوء الى القاضي لتزويجها
ابو ريا: اثار نفسية واجتماعية مدمرة تشمل الانحراف والانتحار وحتى التفكير بقتل العاضل

تنتهي أحلام الكثير من الفتيات بالزواج بعد أن يتخذ اباؤهن أو من هم في حكم اوليائهن، قرارا برفض كل من يتقدمون لخطبتهن، لا لشيء سوى طمعا في رواتبهن، غير مكترثين لضياع مستقبلهن بعد وقوعهن في براثن العنوسة.

وهناك من تُمنع من الزواج رغبة من الاب في استبقائها كخادمة تقوم على حاجاته ورعاية شؤونه اذا ما كان مطلقا او ارملا، وبعضهن يُمنعن احتكاما الى عادات تحصر تزويج البنات في دائرة الاقرباء او العشيرة او اهل بلد بعينه.

واحيانا تكون البنت ضحية نكايات الابوين المطلقين، فيمنع والدها زواجها انتقاما وابتزازا لطليقته، وخصوصا اذا كانت الابنة تعيش عند امها.

ولا يعرف على وجه الدقة عدد من يطالهن هذا الظلم والجور من الاباء والاولياء، ولكن الشواهد تؤكد انه كبير ويتزايد في ظل الطفرة في نسب الاناث العاملات في المملكة وتلازم ذلك مع تراجع الحالة الاقتصادية وانمحاء الطبقة الوسطى.

"عضل" محرّم
ويطلق على هذه العادة الاجتماعية التي ترجع الى الجاهلية اسم "العضل"، والذي يوضح رئيس مجمع المحاكم الشرعية في الزرقاء القاضي محمد سليمان قازان بانه "شرعا هو منع المرأة من التزوج بكفء لها إذا طلبت ذلك ورغب كل منهما في صاحبه".

واضاف "وقيل هو حبسها عن الزواج، بمعنى ان يقوم وليها بمنعها من الزواج من رجل تقدم للزواج منها على كتاب الله وسنة رسوله، من دون سبب مشروع او مبرر مقبول".

وبين ان الولاية لا تقتصرعلى الأب فقط "بل قد يكون الأب متوفى أو غائبا لا تُعرف حياته من مماته، فينتقل حق الولاية في هذه الحالة الى الجد ومن بعده الى الإبن، ثم الأخ الشقيق، حسب ..مذهب الإمام ابي حنيفة".

واكد القاضي قازان ان "الإسلام حرم العضل إذا كان بدون سبب مشروع والدليل على ذلك قوله تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" الاية (232) سورة البقرة.

ويقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" الاية (19) سورة البقرة.

وعرض القاضي قازان الى جملة من الاسباب التي قد تدفع الولي الى عضل الفتاة عن الزواج. وقال ان ذلك قد يكون "طمعا في مالها إذا كانت ذات مال، فقد تكون هذه الفتاة المخطوبة موظفة تتقاضى راتبا شهريا، فيطمع فيه الولي".

واضاف ان الولي ربما اراد "أن تبقى هذه البنت كخادمة له تقوم بشؤون البيت من طبخ ونظافة وغير ذلك، وخصوصا اذا كان مطلقا وتعيش البنت عنده، أو كان ارملا ولم يتزوج بعد وفاة زوجته".

وتابع ان "هناك بعض العادات والتقاليد التي ظهرت في مجتمعنا وكانت سببا في العضل" ومن ذلك ان "الأولياء والآباء يحصرون الزواج في أحد الأقارب أو في أهل بلد معين فلا يزوجون بناتهم أو أخواتهم إلا ضمن دائرة الأقارب أو البلد الذي يعيشون فيه".

ولفت القاضي قازان الى ان الفتاة في مثل هذه الحالة "قد لا ياتيها (خاطب) من اهل (ذلك) البلد، وقد يكون نصيبها في بلد آخر أو في عشيرة أخرى، فيمنع هذا الزواج ظلما وتعسفا، وديننا جاء لينصف المرأة وليرفع الظلم عنها".

وبين ان من الاسباب الاخرى التي تقف وراء العضل ان "تكون البنت تعيش مع والدتها المطلقة ونشأت وترعرعت في بيتها، فتكون هناك تصفية حسابات بين الأب والأم من خلال هذه البنت التي تقع ضحية خلافات" الابوين المطلقين.

وقال القاضي قازان ان ما يحصل هو ان يقوم الاب بمنع البنت من الزواج نكاية في أمها، وإن كان الخاطب من طرف الام يصبح التشدد في المنع اكبر من جهة الأب.

قصص مقلقة
وقد اتاح الشرع والقانون للفتاة التي تجد ان اباها يعضلها عن الزواج ظلما وتعسفا منه في استخدام حق الولاية، ان تلجأ الى المحكمة الشرعية لطلب انصافها.

واوضح القاضي قازان ان المحكمة كانت تطلب من الفتاة في السابق أن "تتقدم بدعوى بموضوع طلبها وهو -عضل الولي- وهذا قبل تعديل القانون، كونه حصر موضوع عضل الولي في إقامة الدعوى".

وقال ان "القانون الحديث والمعمول به حاليا في المحاكم الشرعية وسع الباب وتركه مشرعا أمام الفتاة التي يعضلها وليها عن الزواج أن تتقدم باستدعاء إلى أقرب قاض لها" والذي يقوم "باستدعاء وليها والتحقيق معه من دون دعوى، وإذا وجد ان والدها متعسف في استعمال حقه، فانه يأذن بزواجها".

وسرد القاضي قازان مثلا احدى الحالات التي شهدتها اروقة محكمة الزرقاء الشرعية، قائلا ان فتاة ادعت على ابيها بانه "يمنعها من الزواج رغبة في راتبها كونها كانت موظفة وراتبها مُجد، وانه.. يقف في وجه كل من يتقدم لطلب الزواج منها".

واضاف ان الفتاة قالت في الدعوى انه "تقدم لها الان شاب مناسب لها، وقادر على ان يدفع لها المهر، وان يجهز لها بيتا وينفق عليها".

وتابع القاضي قازان ان الأب "تذرّع بأسباب مثل ان هذا الشاب غير كفؤ لها، وان له أسبقيات ولا يستطيع أن يفتح لها بيتا، وأنه تقدم لزواجها طمعا في راتبها، وليس حبا ولا رغبة في الزواج".

وقال انه "لدى مخاطبة المحكمة للجهات المختصة، تبين أن الشاب ليست له قيود أمنية ولا جرمية، وأنه يعمل موظفا ومن عشيرة محترمة، ومن أبناء هذا البلد، وأنه مناسب لها، وخصوصا ان البنت تجاوزت الأربعين من عمرها، وهذا حقيقة أمر مفزع ومقلق للكثيرين".

وبين القاضي قازان انه "في نهاية الأمر كان علينا كقضاء ان نحكم في القضية، فحكمنا بتزويجها، مؤكدا ان "المحكمة استخدمت حقها الذي منحها اياه القانون على اعتبار ان القاضي هو صاحب ولاية عامة واستخدمها في مكانها بعد أن تعسّف الأب صاحب الولاية الخاصة في استخدام حقه في إذنه بزواج بنته من ذاك الشاب".

وفي حالة اخرى تعود الى بضعة اشهر خلت، قال ان فتاة تبلغ 18 عاما وتقيم عند امها المطلقة تقدمت باستدعاء الى المحكمة تقول فيه انه تقدم لها رجل مناسب وقادر على تجهيزها ودفع مهرها والانفاق عليها، وان اباها يمنع زواجهما.

واضاف ان "المحكمة استدعت والدها وحققت معه ليتبين أن.. معارضته منصبة على أن الرجل غير مناسب لابنته من ناحية ان له أسبقيات ويعيش مع اخوته الذين لهم سجلات وأسبقيات جرمية".

وتابع القاضي قازان انه "لدى مخاطبتنا الجهات المختصة بسجل الخاطب، وجدنا أن سجله نظيف، وانه موظف ويتقاضى راتبا شهريا ومن عائلة معروفة"، مضيفا انه "بعد التحقيق و التمحيص والتحري، تبين ان سبب الولي (الاب) في منع زواج ابنته هو النكاية بأمها المطلقة والتي عاشت (الابنة) معها طيلة الفترة السابقة منذ تاريخ طلاقها".

وقال ان هذا الطلاق رتب على الاب "اعباء مادية وشكاوى لدى المحاكم، وأراد من منع زواج ابنته  أن ينتقم من البنت التي لا ذنب لها سوى أنها أصبحت ضحية لمشاكل وخلافات والديها، ولكن بفضل الله عز وجل، وبعد أن ذكّرنا الوالد بحق الله عز وجل، و بأنه يخطيء في استخدام حقه في مثل هذا الأمر، تذكّر ورجع الى صوابه وتم الزواج بإذنه".

قضايا نادرة
وطمأن القاضي قازان "الجميع بأن الكثير من الحالات التي تعرض على المحاكم الشرعية تنتهي بالصلح بموافقة الولي على تزويج ابنته، والحالات التي تنتهي باذن المحكمة قليلة جدا وتكاد لا تذكر".

واوضح ان هناك حالة واحدة مسجلة رسميا في عام 2013 ومثلها في عام 2014، وانتهت كلاهما بالرضا، أي تم الزواج برضا الولي ولم يتم متابعة الشكوى.

وارجع ندرة الشكاوى الى سببين، اولهما ادراك الاولياء "للمحاذير والآثار التي ستترتب على ذلك، كأن تسلك البنت لا سمح الله سلوكا مشينا يسبب العار للعائلة باكملها".

اما السبب الاخر، فقال انه "ربما يعود لجهل الناس بالقانون، فقد يكون هناك أولياء متعسفون في حقهم، ولكن جهل الولي ..والبنت.. والخاطب من جهة اخرى بالقانون، وبانه عالج هذه المسألة بكل أريحية وسهولة، يؤدي بالبنت الى ان ترضى بالامر الواقع، حتى تصل الى سن العنوسة ويعزف عنها الشباب والخطاب".

ولا يُغفل القاضي قازان ما تتعرض له بعض الفتيات من تهديد الولي، ويقول "كنا نسمع تهديدا ووعيدا من جهة الأب للبنت من مثل قوله: اذا بقيت مصرة على هذا الخاطب، وكسرت كلامي بمعنى آخر، فلا انت بنتنا ولا نعرفك ولا تزوريننا ولا نزورك، واعتبري نفسك من الآن بلا أب ولا أخوة".

من جانب اخر، بين ان هناك شرطين للكفاءة، مادي وديني، وفي حال توافرهما يستطيع القاضي إذا "بقي الأب متعنتا في موقفه" اعطاء الاذن باتمام الزواج، والذي يكون باذنه وولاية المحكمة.

وفي ما يتعلق بالكفاءة المالية، فقد اوضح ان المادة 21 من قانون الاحوال الشخصية "اشترطت أن يكون الخاطب كفؤا للمخطوبة، من حيث أن يكون قادرا على دفع المهر المعجل، وأن يكون قادرا على الإنفاق على زوجته، أي ان يكون قادرا على أن يفتح بيتا وان ينفق على زوجته وبيته".

وقال القاضي قازان ان "المهر المعجل المقصود هنا هو مهر المثل، مثل الزوجة وأقرانها من أقارب أبيها، فإن لم يوجد من جهة ابيها، فمن أقرانها من أهل بلدها مقارنة مع شقيقاتها، ثم ومقارنة مع بنات عمها من جهة الأب، فمثلا اذا تزوجت أختها بمهر (معجل قدره) 2000 دينار، ومؤجل 2000 دينار ، فهي لا تزوج بأقل من ذلك".

اما من حيث الكفاءة الدينية، فقال ان "المقصود هنا كحد أدنى أن يصلي، وأن يحافظ على الفرائض".

اثار مدمرة
من جهتها، حذرت الأخصائية الإجتماعية خولة ابو ريا من المخاطر التي قد تنجم عن العضل، سواء على البنت نفسها او الاسرة وكذلك المجتمع ككل.

وقالت ابو ريا ان "هناك آثارا اجتماعية ونفسية بالغة على البنت نفسها وعلى المجتمع، حيث يدخل الحقد والضغينة قلبها على الولي سواء والدها او اخيها أو عمها، ما قد يؤدي الى ردود فعل غير مسؤولة تقدم عليها من دون وعي".

واوضحت ان ردود الفعل تشمل طيفا من الحالات النفسية كالانطوائية واليأس والقلق، وايضا "الاكتئاب الذي قد يتطور ليؤدي بها الى الاقدام على الانتحار" او يقودها الى "الانحراف.. او حتى التفكير بقتل الولي المسؤول عن منع زواجها".

كما نبهت ابو ريا الى ان من شأن العضل زيادة "معدلات العنوسة وانتشار الرذيلة في المجتمع، وقد يؤدي (بالفتاة) إلى علاقات غير شرعية ينتج عنها أطفال غير شرعيين، لينتهي بها المطاف إلى القتل أو السجن".

وتشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة للعام 2013 الى وجود ما يزيد عن مائة ألف امرأة في الاردن بلغن سن الثلاثين ولم يحصلن على فرصتهن في الزواج.

 وبينت احصاءات الدائرة لنفس السنة.إن نسبة الإناث في الزرقاء واللاتي لم يسبق لهن الزواج ممن تجاوزن سن 35 عاما فأكثر تصل الى نحو 6.7 من مجموع الاناث في المحافظة.

الى ذلك، فقد رأت ابو ريا ان قلة أعداد قضايا العضل المسجلة في المحاكم الشرعية تعود الى عوامل اجتماعية، حيث تعتبر مطالبة البنت بالزواج عيبا، وكذلك مجاهرتها بان اباها يمنع زواجها.

وقالت ان "العادات والتقاليد ايضا تمنع الفتاة من أن تصل الى المحكمة لتشكو والدها او اخاها لمنعهما زواجها"، مضيفة ان "هذا الموضوع حساس جدا وهناك صمت مطبق عليه" في اطار المجتمع.

وذات الحساسية التي ذكرتها ابو ريا هي ما منع كثيرا من الضحايا اللواتي قابلتهن "هنا الزرقاء" من التصريح بنشر قصصهن، برغم انهن ابدين سعادتهن لطرح هذه المشكلة عبر الاعلام.