ازدراء الأديان

الرابط المختصر

الحديث في ازدراء الأديان كثُرَ كثرة طاحنة بعد الفيلم الهزيل الذي أخرجه نيقولا باسيلي نيقولا في الولايات المتحدة الأميركية. وهو حديث يخرج من بئر تخمّر فيه التعصّب مع الكراهية، من الطرفين: الجاني والمجني عليه. فأيّ ازدراء هذا ينادَى بحسمه وإنهائه والعقاب عليه؟ هل يدخل في حريّة التعبير؟ أم أنّه ليس سوى مطلب حياة أو موت لشعوب تعيش في المهانة وها هي تناضل لكي تصل إلى قاعها؟
ازدراء الأديان مفهوم قديم جديد شاع مؤخّراً تنادي التظاهرات والحشود الغاضبة بالعقاب عليه بنصّ مبتكر في الأمم المتحدة. وهو صادر من عندنا لإيقاف المحاولات الضّحلة والفقيرة إلى الذوق -أكثر من أي شيء آخر- التي تجد لها حيّزاً في إعلام الغرب، من كاريكاتير أو أفلام، تحت باب "حرية التعبير". ومع أنّ الضجة "الإسلامية" على الرسوم المسيئة والفيلمين الهولندي والأميركي فاقت كلّ توقّع، وخرجت عن كلّ عقال (حرق، تدمير، قتل، هدر دماء، تهديد، قطع علاقات، عدوان على سفراء وسفارات...)، إلا أنه لا يمكننا القول إنّ "الغرب" شغّال بآلته الإعلاميّة الضخمة على سبّ الإسلام وتشويهه كما نفعل نحن.
فإذا كان الغرب "عدوّاً للإسلام" -كما تؤكد عليه أدبيات الدعوة السلفية- وهو جزئياً كذلك، فما الذي قدمتْه هذه الدعوة من صورة جميلة جليلة للإسلام وعظمته؟ ففضائيات السّلفية برمّتها ومنابرها جميعاً، وتلك الطائفيّة التي تدافع عن طائفتها بإيقاد نيران الكراهية للطوائف الأخرى، لا تتوقّف عن شتم الأمم الأخرى والمِلل الأخرى وتكفير أصحابها والتّشكيك في معتقداتها، والهزء من إيماناتها، وازدراء أديانها، ما خرج عن "أهل السنّة والجماعة"، وما مالَ منها، وتحت مظلّة الإسلام نفسه، إلى تفسير روحانيّ، أو تناول تاريخانيّ محكومٍ بسياقه الزمنيّ والاجتماعيّ، أو اجتهاد عقليّ، أو تأمّلٍ جماليّ. تستوي في الشتم والازدراء العقائد الأخرى كلّها؛ الشّيعة وفروعها، والمتصوّفة وطرقها، والمعتزلة (أهل العقل)، والنصارى (أصحاب العقائد المحرّفة من منظور سلفيّ)، واليهود والمجوس والبراهمة والهندوس وأتباع بوذا والكونفوشية وبقية عقائد الأمم.
وهذه الفضائيات التي تفرّخ في ليل العرب الأليل هذا، أُنشئت خصيصاً للحضّ على الكراهية، ولتقديم صورة مرعبة للإسلام، ولنشر دعوة الخوارج القبيحة التي تتعمّد بالتكفير والدّم، وتحضّ على "إسلام" لا علاقة له -فيما ترى غالبيّة أهل الإسلام- بالمعتدل الوسطيّ القادم من نفوسٍ غير معتلّة، وأرواح تبحث عن المعنى والحقيقة. فضائيات أُنشئت بمال فاض على مجتمعات لم تكن قد تهيّأت بالعلم والحضارة، فانقضّت على العلم والحضارة هدماً وتقويضاً. وعلى التمدين تُعمل فيه أفكارها البدائيّة عن الحياة والإنسان والدين.
فإذا كان هذا حالنا مع ازدراء "الآخر" وأديانه وعقائده وحياته الروحيّة، وإذا كان من صلب عقيدة بعضنا أن يكفّرَ ويزدري ويهدر دماً، فكيف، وبأيّ عين نرفع صوتاً نطالب به هذا "الآخر" بأن يحترم لنا ديننا وعقيدتنا؟ وإذا كنا لا نتوقّف عن شتم وتحقير كلّ من يختلف عنا فلِم نطلب من هذا المختلف أن يسنّ قوانين لاحترام عقائدنا؟ ما دمنا نحن لم نقدّم الاحترام الكافي واللازم واللائق والواجب لها؟!
دعونا لا نفقد الأمل!