"يلعن ابو وصفي التل يلي بتسجنو الناس مشانه"

 

كلما قرأت حكاية وصفي التل، تتملكني رغبة في البكاء، يا إلهي أهكذا كان رجال الذين خرجوا مع سنابل القمح، لا سواد زوانها، مع إشراقة الشمس لا عتمة ظلمها وظلمتها. 

 

أهكذا كان رجالات الشرق بسحره و شهامته ونخوته، أهكذا كان وصفي، حبة قمح في بيدر وطني، وحصاد يَسر الأنقياء الأطهار، ويخيف الزعران وعصاباتهم ! 

 

أهكذا كان وصفي الذي بكته أمي !

 

يحكى أن رجلاً جاء الى وصفي التل في يوم كان مخصصاً لاستقبال المواطنين في دار الرئاسة، جاء شاكياً مظلمة، حاملاً معه روح الفلاح وبساطته، وورقة تظهر اعتقال ابنه الذي تم  بتهمة السب - اطالة اللسان - على وصفي التل، سمع التل القصة، غضب، وأخذ الورقة، وكتب على ظهرها " يلعن أبو وصفي التل اللي بتسجنو الناس مشانه " وطلب من الأب أن يسلمها إلى مدير المركز الأمني،  تأثر الأب وشكر وصفي وغادر. كان انساناً يشعر بالمواطنين. ماذا يعني لو سب رئيس الوزراء او غيره ذات غضب وانفجار او عوز وجوع وقهر، وماذا تعني تهمة اطالة اللسان ؟!

 

وصفي الذي غنى له الجيش والأمن مع اشراقة شمس الصباح وفي طوابيرهم “ فوق التل تحت التل، أسأل عنا وصفي التل " كان حينها وطناً و اباً للجميع.

 

عندما اعتلى شهيداً، أسدل الحزن ستارته على الأردن، بكت نساء الرمثا وقالت: "على المثلث حطو دورية، ممنوع المخمل يا رمثاوية".

 

ردت نساء معان: " يا بيض حدن على وصفي ، قصن شعور الثنا كله".

 

نحبت نساء البادية في المفرق وهن يغربلن القمح " شوباش عمصر واللي فيها، مرحوم يا وصفي توفى فيها"

 

هذا وصفي الذي انجبته الأرض، فكان عملاً صالحاً، قائداً أحب الناس، فبادلته الحب بحب، وصفي الذي يرعبهم ولا يفارق كوابيس خوفكم، هذا القائد الذي أحبه الشعب ! يستحضرهُ الشعب لان الرجال استرخصت اسعارها في المناصب.

 

في زمن أحد الصالحين، عطل حد السرقة، لان الناس اصابها العوز والجوع، كيف تقطع يد من يسرق ليسد صراخ افراخه ! 

 

في زمننا، كيف يسجن ويحاكم من يدافع عن قوت صغاره، دون أن تطرق له أذان المسؤول أو تكترث،  فيخرج كافراً بزرقة السماء، بصوت العصافير، والمياه، وحفيف الأشجار، كيف لا يصرخ من يقتل في اليوم 100 مرة، في مشهد مكرر لا ينتهي، لماذا لا يصرخ اصلاً ؟  

 

أليس الجوع كافر ، الم يقل الحكماء " عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه " الشباب في السجون، الشباب الهاربون من ضباع الاعتقال، و آهات الأمهات، صمت الزوجات، بكاء الاطفال، كلهم وجميعهم لا يملكون سيفاً لمواجهة الظلم والظلمات، لمقارعة شياطين الليل والنهار، لا يملكون إلا لسان يلج بالدعاء، و استصراخ الضمائر.

 

يا إلهي .

 

كيف يُسجن من يجوع ... ! لماذا لا يسجن من قاد وطن إلى متاهات السقوط، وطن كان الاجداد والاباء يملكونه، فجاء من يقسمه على العوائل والاصدقاء واللقطاء، من أصحاب السوء وأرباب الفساد والخيانة. وطن كان يشبه ملامح الآباء، نفتقده الآن، شعب يذوب ببطء، لا تجده على الأرض، حتى صرلنا نسأل حقاً …. من نحن، من هو الأردني ؟

 

لا تجعلوا من السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فالموت أقرب إليكم من كراسي العار الوثيرة . 

 

كونوا مثل وصفي ...  أطلقوا سراح المعتقلين، احرقوا الملفات، وأعلنوا بداية جديدة لوطن للجميع، لا تجعلوا من صرخات ودعاء العجائز والمظلومين تطرق أبواب السماء.

 

 

صباح الخير يا وصفي

أضف تعليقك