"أفق التجربة" لـ جعفر العقيلي..

"أفق التجربة" لـ جعفر العقيلي..
الرابط المختصر

صدر للكاتب والصحفي جعفر العقيلي كتاب بعنوان "أفق التجربة"، ضمن إصدارت الزرقاء مدينة الثقافة الأردنية 2010، تضمن حوارات مع 21 مفكراً وباحثاً وناقداً وكاتباً وفناناً عربياً، ينتمون إلى أجيال ومناهج ومدارس مختلفة.

وجاء في مقدمة الكاتب حسين نشوان للكتاب، التي حملت عنوان القارب والربّان"، أن الحوارات بعامة، وتلك ذات الصبغة المعرفية بخاصة، يتأسس السؤال فيها على وعيٍ وقناعة لا يكتفيان بالإجابة السائدة، وربما لا يتوخّيانها، بل يمنحان المحاوِر سلطةً ما لـ"المطاردة" التي تستنزف المحاوَر، ومن هنا فإن متطلبات السؤال تقوم على مهارات وخبرات، وفضلاً عن ذلك مغامرات تتطلب الشجاعة. وهو ما يبدو أن العقيلي، يتحلّى به جيداً.

ويؤكد نشوان أن العقيلي إذ يتصدّى لمهمةِ إجراء حوارٍ ما، فإنما يكون قد تسلّح بحصيلة من المعرفة راكمتها تجربةٌ صحفية منحته بوصلةَ الطريق التي تدلّه على بيت نار السؤال، ليمتلك مفاتيح السؤال الجارح والصادم. والسؤال هنا لا يتمثل حالَ البذار التي تُنتج الزوان، بل هو رغبةٌ تصدر عن حبٍّ للمعرفة والنبش عن المعلومة في مكامنها متوخياً العقيلي في ذلك الحقيقة والتنوير، وقبل ذلك وضع النقاط على الحروف للمقاربة بين التجربة الإبداعية للمحاوَر ومرجعياتها الثقافية، وتحولاتها، وعلاقاتها بالنسيج الذي يؤثّث النص.

ويطرح نشوان أسئلته حول ما الذي يمكن أن تضيفه الحوارات مع المبدعين بعد انفلات النص من خيوط طيورهم؟ وما الذي يمكن أن يقوله الكاتب بعد ولادة النص وانفصاله وحيازته على هويته وشخصيته الاعتبارية، وذاته المستقلة عن الكاتب الذي غدا محايداً، وربما معادياً للنص؟ أهي محاكمةٌ بأثر رجعي، أم استدراكاتٌ لازمة لما لا لزوم له؟، مجيباً: "الحوارات ليست كذلك بالتأكيد، لأنها لا تنطلق من الفرضيات السابقة بسلطة المحاكمة وإن كانت لا تستبعدها وسيلةً، وليست هدفاً أيضاً فحسْب. الأهمّ أن الحوارات تتشكل نصوصاً جديدة، وحقولاً طازجة، تَصدر عن فعل المشاركة والتفاعل، وما يميز الواحد منها أنه يتشكل نصاً تشاركياً بين مبدعَين اختار كلٌّ منهما وسائله وتقنياته ولغته، وربما خندقه، فالحوارات نصوص إبداعية تشابكية، تقع ضمن حقل الأدب، وإذا كان النص يحاول تفسيرَ العالم أو تغييره، فإن الحوار يحاول التأكد من وعينا بنوع التغيير وشاراته واتجاهاته، فالحوار، والسؤال بوصلتُه، لا يتقصد الحفر بالماضي، بل يتوخّى الكشف عن المستقبل".

أهمية الحوارات التي يضمها كتاب "أفق التجربة" تكمن بحسب نشوان، في اتساع طيفها ومدرج أزمنتها ليشمل الحقول الإبداعية المختلفة: الفكر والأدب والفن، وهي حقول تتيح للقارئ تنوعاً يطلّ به أو من خلاله على غابة النص الخلفية، وتمنح المتلقي قراءة الوعي الثقافي الذي يُنضج النص وفق وعي التجربة العربية بإجمالها. فعلى صفحات الكتاب يلتقي واحد وعشرون مبدعاً ومبدعة، في رحلة تتنوع فيها الوسائل والمعارف. وتجوب الحوارات منطقة جغرافية شاسعة وتنتقل بين تضاريس متباينة: فلسطين وسورية والعراق والمغرب واليمن والجزائر والكويت ولبنان والبحرين والسودان ومصر وتونس والإمارات والسعودية.

تكشف الحوارات في الإطار العام الذي يلظمها معاً، عن آراء متباينة حول عدد من القضايا والمفاهيم التي تتصل بفلسفة الأدب والثقافة وما ينشرخ عنها من موضوعات تتصل بقصيدة النثر، ومقولة إن الرواية أصبحت "ديوان العرب"، والعلاقة مع التراث، وتداخل الأجناس، ووظيفة الفن والأدب، وعلاقة المثقف بالسلطة، كما تكشف عن حال المشهد الثقافي في البلاد العربية، وتكشف الظلال التي علقت بالنص نتيجة الأحداث التي أحاطت بالمبدعين العرب، وتحديداً في فلسطين والعراق والجزائر ولبنان، فضلاً عن حال التشظي الذي يعيشه الكاتب في ظل التغيرات التي تعصف بالمفاهيم والرؤى.

يختار العقيلي سؤاله بوعيٍ، وبإدراك يشي بثقافة واطلاع جيد على القضايا الساخنة التي تشتعل في المشهد الثقافي العربي، مستجوباً كل مُحاوَر في الأساليب والتقنيات واللغة والمرجعيات التراثية، ومناقشاً المصطلح مع الأخذ في الحسبان ماهية الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية والفنية. من هذه القضايا مثلاً: قصيدة النثر، وما راجَ في الأوساط الثقافية من أن الرواية أصبحت "ديوان العرب" الحديث، والعلاقة مع التراث وقابلية توظيفه ضمن الخطاب الثقافي المعاصر، وتداخل الأجناس، ومنطقية الدعوات بإزالة الحواجز بينها، والالتزام المرتبط بالرسالة الاجتماعية للأدب والفن، وقضية الاستشراق، وجهود مفكرين وباحثين عرب حولها، وقضية التمويل الأجنبي، وقضية العلاقة "الإشكالية" بين المؤلف والمخرج.

هذا الكتاب الذي تزين غلافه بلوحة من ريشة حسين نشوان، هو الحواري الثاني للعقيلي، إذ سبقه "في الطريق إليهم" الذي ضم حوارات مع 16 كاتباً من الأردن وفلسطين، ويمكن وصف الكتابَين معاً، كما يؤكد نشوان، بأنهما "بانوراما" للثقافة العربية، لما يفسحان من فضاء لحوارات بين الأجيال، ويقترحان من عناوين في حقول الفكر والأدب والفن، وهما ينطويان على آراء مهمة اجترحها المحاوَرون تتناقض مع آراء نقدية حول نتاجهم، ويَشِيان بمقولات تصدر عن مكابدي النص، تستحق الالتفات إليها، لأنها تفارق مقولات أكاديمية تتناول تجاربهم.

أما المحاوَرون فهم: أدونيس (سورية)، رضوان السيد (لبنان)، عبد الكريم برشيد (المغرب)، رضوى عاشور (مصر)، علوي الهاشمي (البحرين)، محمد عبد الله الجعيدي (فلسطين)، لطفية الدليمي (العراق)، طالب الرفاعي (الكويت)، بول شاؤول (لبنان)، الغوثي بن ددوش (الجزائر)، محمد خرماش (المغرب)، حسين حموي (سورية)، نادر القنة (فلسطين/الكويت)، أحمد العواضي (اليمن)، روضة الحاج (السودان)، عبد الحميد العروسي (الجزائر)، آمنة النصيري (اليمن)، عمر عبيد غباش (الإمارات)، نصيرة محمدي (الجزائر)، عادل الجريدي (تونس) ومحمد الصفراني (السغودية).

أضف تعليقك