“باصنا السريع”.. لن يصل!

“باصنا السريع”.. لن يصل!
الرابط المختصر

أخيراً، وبعد أكثر من عام حافل بالحفريات والغبار والأزمات المرورية الخانقة، بدءاً من إشارة الدوريات الخارجية في صويلح وانتهاء بدوار المدينة الرياضية، حسم وزير الأشغال العامة والإسكان جدلاً طال أمره بين المواطنين بخصوص مشروع (الباص السريع) الذي بدأ هادراً مغبراً ومدججاً باللوحات والرسوم التوضيحية الشاسعة التي كادت تسد أفق شارع الصحافة فضلا عن آليات الحفر التي هزّت أبدان العاملين في مئات المكاتب والمتاجر والقاطنين في مئات العمارات السكنية، وأبعدت كثيرا من المتسوّقين باتجاه مناطق أخرى تخلو من الغبار والضجيج والزحام.

وزير الأشغال العامة والإسكان الذي يرأس اللجنة الفنية المكلفة بدراسة المشروع ، قطع الشك باليقين وأكد أن اللجنة رفعت تقريرها النهائي لرئيس الوزراء وضمنته قناعتها بعدم إمكانية (تنفيذ المشروع!!) لثلاثة أسباب هي: 

الأزمة المرورية الخانقة في المنطقة، عدم دراسة المنطقة على النحو الصحيح لأن خط سير (الباص السريع) ليس متصلا بل متقطعاً، عدم قيام أمانة عمّان بدراسة تفصيلية كاملة للمشروع. ومع بالغ تقديرنا لشفافية وزير الأشغال العامة والإسكان فإننا نود تذكير القرّاء الكرام بأن الأسباب الثلاثة التي ساقتها اللجنة تتعلق بمشروع تم البدء بتنفيذه منذ أكثر من عام ولا تتعلق بمشروع سوف يتم تنفيذه. والغريب في الأمر أن عامة سكان المنطقة الذين لا يمتلك معظمهم أية خبرات هندسية أو انشائية سارعوا إلى القول بأن المشروع لن يرى النور للسببين الأول والثاني، بل إن أحد سكان المنطقة الظرفاء قال لي: لو أنهم قرروا إنشاء (تلفريك) على امتداد خط (الباص السريع) لكان أجدى وأكثر اقناعاً! فيما تساءل ساكن آخر قائلا: وماذا سنفعل بأسطول الحافلات الكبيرة والمتوسطة والسيارات الصغيرة التي تعمل على الخط، وما مصير العاملين على هذه الحافلات والسيارات؟! 

السبب الثالث هو الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب، لأن الجهة المعنية بدراسة المشروع وتنفيذه هي أمانة عمان الكبرى وليس بلدية صغيرة من بلديات الأطراف أو شركة إنشاءات مغامرة. أمانة عمّان المسؤولة عن تخطيط وتنظيم وتطوير العاصمة وليس المتسببة في إرباك السير وإزعاج المواطنين وتطفيش المستثمرين العرب والأجانب لموسمين سياحيين متتاليين. ورغم الأضرار والخسائر غير المنظورة التي تسبّب بها المشروع لسكان وتجار المنطقة فإننا نحمد الله لأن اللجنة الفنية امتلكت الجرأة للتوصية بعدم إمكانية الاستمرار في المشروع الذي تبلغ كلفته التقديرية الأولية 175 مليون دينار صرف منها 3 ملايين حتى الآن، علماً بأن الكلفة الفعلية للمشروع فيما لو تم الاستمرار فيه تبلغ أضعاف القيمة الأوليّة المقدّرة، وعلما بأن المشروع قد تم تمويله من قبل وكالة التنمية الفرنسية بقرض قيمته 166 مليون دولار ما زال موجوداً في صندوق الأمانة مطروحاً منه الملايين الثلاثة التي تم إنفاقها.

المواطن الأردني الذي لا يملك أية خبرة هندسية أو انشائية من حقه أن يتساءل: من هو العبقري الذي قاد القرض الفرنسي باتجاه مشروع فاشل وليس باتجاه مشروع تنموي ضروري؟ وماذا سنقول لوكالة التنمية الفرنسية؟ هل سنقول لها إن أمانة عمّان المسؤولة عن تخطيط و تنظيم عمّان لم تكن مؤهلة لتفييم المشروع؟ وأين كانت وزارات التخطيط والأشغال والمالية لدى الحصول على القرض؟ ومن سيعيد إصلاح ما أفسده المشروع من طرقات وأرصفة وجزر وسطية وجسور؟ ومن سيتحمل مسؤولية هذا التقصير والاستهتار والاستهانة بمصالح الدولة ومصالح المواطنين؟ ولماذا لم يتم الاستماع لملاحظات وآراء المواطنين والصحفيين الذين أكدوا منذ البدء في المشروع أنه غير قابل للتنفيذ؟.

الدستور

أضف تعليقك