يدركون الاقتصاد ويهملون السياسة

يدركون الاقتصاد ويهملون السياسة
الرابط المختصر

في دولة مثل الأردن؛ محدودة الموارد المالية والطبيعية، وتعتمد نتيجة لذلك على جيب المواطن للوفاء بالالتزامات المطلوبة منها، يُفترض أن تكون المعادلة السياسية مختلفة عن تلك القائمة في الدول الثرية بالموارد الطبيعية تحديداً.

فالأصل أن يكون الوضع في الأردن، بالنظر إلى ما يتحمله المواطن من أعباء، مختلفاً تماما عن ذاك السائد في دول تتمتع بفائض من الأموال، يمكّنها من فرض نهج ومستوى مشاركة شعبية بالحد الأدنى.

في الإقليم لدينا نماذج متفاوتة. إذ هناك دول ثرية بات فيها حتى المواطن ذاته، ربما، غير مكترث بالمشاركة السياسية، لاسيما عقب مآلات "الربيع العربي"، مكتفياً بالتطلع إلى شبكة أمان اجتماعي أكثر سخاء، تكفل له مزيدا من الرفاهية والعيش الكريم فقط، فيما تتضاءل رغبته في لعب دور أكبر في اتخاذ القرار.

المعادلة السابقة رغم التحفظ عليها، قابلة للحياة إلى حين! طالما كانت الدولة قادرة على "تدليع" مواطنها. لكنها في المقابل معادلة باهتة ومحدودة الصلاحية في دولة مثل الأردن، حيث الحكومات تحتاج إلى موارد مالية من دافعي الضرائب، تمكنها من أداء واجباتها الأساسية، من قبيل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وتوفير مخصصات شبكة أمان اجتماعي لحماية الفئات الأضعف في المجتمع.

هكذا تكون المعادلة واضحة، والنتائج أيضا. لكن ما يحدث هو أن البعض يصمّ أذنيه، ويصر على إسقاط هذه المعادلة من حساباته، حتى لا يبقى ثمة علاقة بين الإصلاح والديمقراطية، وبين درجة اعتماد الحكومات على جيب المواطن لمواصلة عملها.

الحاصل أن الأردني يعرف أنه ينفق على نسبة كبيرة من أنشطة الحكومة وخدماتها، كما على رواتب مسؤوليها وموظفيها، وتقاعدهم. لكنه مدرك، في الوقت نفسه، أن مدى رقابته على هذه الأموال هو بالحدود الدنيا. وقد يكتشف مرات كثيرة وقوع اعتداءات هنا وتشوهات هناك، تطال طرق استعمال وتوجيه أمواله، بما يخلق شعورا بعدم الرضا الشعبي عن الوضع العام.

تغيير المعادلة بات ضرورة، وبدرجة تجعل المرء يدرك أن ما يدفعه من أموال إنما يعطيه الحق في لعب دور أكبر في الحياة العامة، ويقلص شعوره بالتهميش. وذلك لا يتسنى إلا من خلال أدوات سياسية جديدة، وبيئة محفّزة على المشاركة لا الانكفاء على الذات.

سياسيا، تُعتمد في الأردن معادلة الدول الثرية! فالمشاركة السياسية في حدودها الدنيا، وتطلعات المجتمع لها بلا حدود، وهنا الفرق؛ ففيما المسلك الاقتصادي ينسجم مع سياسات الدول الفقيرة بالتمام والكمال، فلماذا يُدرك المسؤولون الجزء الاقتصادي ويُهملون شقيقه السياسي؟

خلق أجواء صحية، يتطلب إحداث توازن بين ما يدفعه المواطن وبين ما يحصل عليه من حقوق سياسية. والديمقراطيات تدرك ذلك بحذافيره. أما الحفاظ على المعادلة المحلية كما هي عليه الآن، فإن ذلك يعني أمرا واحدا، وهو استمرار تغييب الشفافية والحاكمية اللتين يحتاج تكريسهما إلى مؤسسات ومبادئ راسخة.

وعندنا، يلعب أصحاب المصالح والأجندات، ومن حققوا المكتسبات من خلال المعادلة القائمة، دورا كبيرا في الإبقاء عليها، ما يبقي على التشوهات الحاصلة، ويزيد الفجوة بين الواقع والطموح.

الفكرة بسيطة ومنطقية؛ فمن يدفع له الحق في إدارة المال. والطريق إلى ذلك تتمثل في إصلاح سياسي مختلف الطعم والمذاق.

الغد