ليس معقولا كل ما يقال عن توجه حكومي لتعديل آلية تطبيق الدعم المباشر للخبز، واستبداله بآلية جديدة، لأنه ببساطة كمن يلعب بالنار في حقل ألغام.
في تصريح لوزير الصناعة والتجارة والتموين الدكتور حاتم الحلواني للزميلة النشطة ساندرا حداد في "العرب اليوم": "إن الوزارة ستقدم لمجلس الوزراء قريبا مقترحات لتعديل آلية الدعم الحكومي للخبز بحيث يتم توجيهه لمستحقيه، مع المحافظة على سعره الحالي من دون تغيير".
يعرف الوزير الحلواني أنه لو أقسم مئات الأيمان أن التعديل لن يرفع أسعار الخبز فلن يصدق ذلك أحد، لأن المواطنين بعد كل الذي اكتوو به من كلمات التعديل لن يقتنعوا أن الحكومة لا تريد رفع الأسعار.
ليست القضية في تغيير آلية دعم الخبز، ولا حتى في التفكير برفع أسعاره، لأن بصراحة هناك استخدام مسرف للخبز، حتى يقال إن بعض مربي الماشية يستخدمونه علفًا، لكن القضية في توقيت اعلان المقترحات، التي جاءت في لحظات ساخنة تقود فيها الحكومة معركة رفع أسعار الكهرباء، وتحاول أن تخلق تبريرات لا تقنع أحدًا، بان 85 % لن يتأثروا بقرار الرفع، مع أن القرار متتابع، وسوف ينعكس على جميع الصناعات والأعمال التجارية، وحتى على صاحب مطعم فلافل في كفر خل.
بعض المخابز يا حكومة في عمّان، علقت يافطات على أبوابها، أنها مستعدة لتقديم الخبز مجانًا لمن لا يملك سعر الخبز، وهذا ليس كرمًا فقط، وإنما شعور بخطورة أن يعيش بيننا من لا يملك سعر كيلو الخبز، فإذا كان هذا شعور أصحاب المخابز، فكيف يمكن أن يكون شعور الحكومة.
المقترحان لتوجيه الدعم للخبز، الأول استخدام البطاقة الذكية أو توزيع دعم نقدي مباشر، فيه من السذاجة السياسية التي لا يمكن أن تنطلي على أحد في فترات الارتياح الشعبي، فكيف الحال في ظل اليقظة الشعبية لكل شيء، وكيف إذا كان في أهم المتطلبات المعيشية (الخبز)، وفي ظل الأوضاع المعيشية الضنكة التي يعيشها المواطنون، ولا تخفى ملامحها على أحد.
الاقتراب من خبز المواطنين، سوف يقطع الشعرة المتبقية بين الحكومة والمواطنين، وسوف تمنح أعداء الحكومة (وهم كثيرون) ذخيرة قوية لقصف السياسات الحكومية، وسوف تحول التحرك الاحتجاجي النخبوي في البلاد إلى تحرك شعبي، لأن الخبز فعلا خط أحمر.
على الحكومة ألا تنجر إلى مواجهات جديدة بسبب قرارات غير مناسبة في توقيتها ولا في ظروفها ولا في المنطق الذي ستدافع عنه، فإذا كانت الدراسات الحكومية تشير إلى أن تطبيق مقترحات تغيير آليات الدعم توفر على خزينة الدولة نحو 130 مليون دينار، فإن هذا المبلغ تستطيع توفيره بهدوء من خلال قضية فساد واحدة من الوزن أقل من الثقيل، إضافة إلى التكلفة السياسية التي ستدفعها إثر احتجاجات متوقعة لا أحد يدري إلى أين تصل مدياتها.
نحتاج إلى إنجازات ملموسة في طريق الإصلاح الشامل، وهذا فعلا ما يدعم خزينة الدولة ماليا ومعنويا، ولا نحتاج إلى وزراء يشعلون النار أمام محطة وقود، ولا يلتفتون الى التكاليف السياسية والاجتماعية.